القدس أم الانتخابات؟

أسامة سعد

مستشار قانوني

القدس أم الانتخابات؟
بقلم المستشار/ أسامة سعيد سعد

تصاعدت بالأمس وتيرة التصريحات الصادرة عن قيادات فتحاوية حول عدم سماح الاحتلال بإجراء الإنتخابات في مدينة القدس، وأنه لا يمكن إجراء إنتخابات بدون القدس. 
من المسلم به لدى كل وطني فلسطيني غيور على القدس أن القدس ثابت من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن لأي حر شريف أن يفرط فيها أو يساوم عليها، فالقدس تمثل درة تاج الكفاح الفلسطيني منذ ما يزيد على مائة عام. 
وقد سبق لي في مقال سابق أن أشرت إلى نقطة القدس والانتخابات وقد نقلت فيه موقف حركة حماس من الانتخابات في القدس وكيف عبر الدكتور خليل الحية رئيس قائمة حركة حماس للإنتخابات التشريعية (قبل أن تعلن القائمة) عن موقف الحركة حينما قال: "إن الحركة مستعدة لتقديم ألف شهيد من أجل القدس، ويجب أن نجعل من القدس ساحة اشتباك مع العدو". 
ولكن هل يعني عدم موافقة الإحتلال على إجراء الإنتخابات في القدس تأبيد القيادة الفلسطينية الحالية في مواقعها دون سقف زمني معلوم، وقد مر عليها الآن حوالي ستة عشر عاماً في الحكم رغم إنتهاء الولاية الدستورية لها حسب القانون الأساسي منذ العام 2009م؟
هذا سؤال يحتاج كل فلسطيني إجابة عليه من القيادة الفلسطينية خصوصاً مع تشظي الحالة الداخلية الفلسطينية على نحو خطر، وفشل هذه القيادة في توحيد النظام السياسي الفلسطيني منذ العام 2007م حتى الآن، وتعنتها الشديد في ملف المصالحة، وإقدامها على فرض عقوبات على قطاع غزة عانى منها كل أبناء غزة على إختلاف توجهاتهم السياسية والحزبية، وفشل المشروع السياسي للقيادة الحالية وفي ظل استمرار الإحتلال في تهويد القدس، وقضم الأرض الفلسطينية بالإستطيان، واستمرار الحصار على قطاع غزة. 
هل فعلاً شعار "لا إنتخابات بدون القدس" يُعبر حقيقة عن التمسك بالقدس ثابتاً من الثوابت الفلسطينية أم أنه شعار يرفع مسوغاً للهروب من استحقاق الإنتخابات الذي أجمع عليه الكل الوطني الفسلطيني. 
هل شعار "لا انتخابات دون القدس" يعني أن القيادة الفلسطينية تخشى من ضياع حق الفلسطينيين في القدس أم أنه غطاء للهروب من توقع الخسارة في الانتخابات التشريعية، والخضوع للضغوط الإقليمية وضغوط الإحتلال، وكل من لا يريد لقوى المقاومة أن تحظى بالشرعية الانتخابية مرة أخرى على حساب مشروع أوسلو؟
إذا كانت القضية هي الهروب من الانتخابات فلا داعي لرفع شعار القدس التي هي أجل وأسمى من كل ألاعيب السياسة الدنيئة والقذرة، وليكن هناك موقف واضح من قبل حركة فتح أن وضع الحركة لا يؤهلها لخوض الانتخابات في هذه المرحلة، صحيح أن العملية الديمقراطية الحقيقة في الأصل لا تنتظر الأحزاب والقوى السياسية لخوضها، فهي حق الشعب الذي لا يرتهن لأي فصيل أو حزب، ولكن خصوصية الوضع الفلسطيني قد تسمح بتوافق معين، حيث أن التوافقات الحزبية والفصائلية هي السائدة هذه المدة للخروج من حالة الانهيار الوطني التي علق فيها الشعب الفلسطيني منذ خمسة عشر عاماً، ولكن يجب أن يكون لهذا الموقف (تأجيل الانتخابات) -إذا صحت التوقعات- استحقاق وطني آخر على حركة فتح والرئيس أبو مازن على وجه الخصوص أن يؤدياه، وهو التوافق الوطني على حكومة وحدة وطنية فلسطينية تعيد توحيد النظام السياسي الفلسطيني وتزيل آثار الانقسام وتتبنى برنامج عمل وطني متفق عليه يوحد الخطاب السياسي الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، وكان هذا التوجه أولى للبدء فيه قبل الانتخابات، من وجهة نظري الشخصية.
أما قضية الهروب من الانتخابات تحت أي شعار، والإبقاء على الحالة الفلسطينية كما هي، فأظن أنها قضية أصبحت مرفوضة من القوى الوطنية كافة، حتى كثير من قيادات وعناصر حركة فتح الذين كشفت الأيام الأخيرة سخطهم الشديد على طريقة عمل القيادة الفتحاوية، الأمر الذي أدى إلى تشكيل عدد من القوائم الانتخابية لحركة فتح غير تلك القائمة الرسمية للحركة؛ لذا إننا الآن أمام إحدى طريقتين على صعيد العمل الوطني، أما الطريق الأول فهو استمرار السير في طريق الانتخابات حتى نهايته، ولتفرز لنا صناديق الانتخابات قيادة جديدة تحظى بشرعية الصندوق وتعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وهو الخيار الأسلم والأفضل الذي يحظى بالإجماع الشعبي والفصائلي. 
وأما الطريق الآخر -وهو الخيار الأسوأ- أن تعمل القيادة الفلسطينية يمثلها الرئيس أبو مازن على تأجيل الانتخابات لأي سبب كان، منع الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس أو أي سبب أخر ( ومن أراد التأجيل لن يعجز في إيجاد الأسباب)، ولكن على الرئيس أبو مازن أن يعلم أنه لم يعد مقبولاً مطلقاً أن يبقى هو متفرداً بالقرار السياسي والاقتصادي والإداري ومهيمناً على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعيله -إن أراد تأجيل الانتخابات- أن ينزل عند رغبة المواطنين والأحزاب الفلسطينية كافة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الاطياف السياسية كافة، بصلاحيات واسعة وبرنامج وطني متفق عليه؛ لإنهاء حالة الانقسام، وإن لم يحدث ذلك فلا أظن أن هناك من يجرؤ على وصف أبو مازن "بالشرعية".
اسطنبول في 31/3/2021م

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023