البطل المجهول وراء "الشرق الأوسط الجديد"
بدأت الأزمة القطرية في يونيو 2017 كمحاولة لعزل قطر سياسيًا واقتصاديًا حتى تصل إلى نقطة الانهيار والاستسلام لمطالب المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة (التي يطلق عليها الإعلام العربي اسم "الرباعية" أو "دول الحصار") التي قطعت العلاقات الدبلوماسية،حتى أن المملكة العربية السعودية أغلقت ممر سلوا على الحدود مع قطر وهي بمثابة المعبر البري الوحيد مع أي دولة.
وأدت أسباب عديدة إلى إعلان الحرب على قطر، منها التمويل القطري لعناصر محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين تعمل ضد السعودية ومصر، وبث شبكة الجزيرة التي تقوض الاستقرار في الدول العربية، قادة الرباعية لم ينسوا كيف شجعت الجزيرة الجماهير على النزول الى الشوارع في اطار ما كان يسمى "الربيع العربي" قبل نحو عقد من جانبهم ، حيث يزعم القطريون أن كل شيء نابع من حسدهم من نجاح شبكة الجزيرة الدولية التي بحوزتها، وانتخاب قطر لاستضافة مونديال 2022، وما إلى ذلك.
وتشير التسريبات والتقارير الأخيرة إلى أنه بعد أيام قليلة من الحصار خططت السعودية لغزو قطر، لكن تم تفادي الغزو في اللحظة الأخيرة بسبب الضغط الأمريكي الشديد، ووضعت دول الحصار 13 شرطًا لقطر لرفع الحصار وتطبيع العلاقات بينها وقف تمويل "الإرهاب" وإغلاق شبكة الجزيرة وغير ذلك.
قطر لم تستسلم وإتجهت لتركيا وإيران وزوداها باحتياجاتها الاقتصادية والأمنية، وبالمقابل استثمرت قطر المليارات في هذه الدول وغيّرت شبكة الجزيرة التي كانت ضد الإيرانيين إتجاهها وأشادت بعمل قاسم سليماني.
منذ أكثر من ثلاث سنوات، حاول الكويتيون وكثيرون غيرهم التوسط بين السعوديين والقطريين من أجل تحقيق المصالحة، لكن الخلافات بين البلدين كانت كبيرة جدًا، حيث عمقت قضية خاشقجي الفجوة بينهما، بينما مولت الجزيرة عشرات الصحفيين وساعدت في إجراء العديد من التحقيقات في ابتزاز ولي العهد محمد بن سلمان، الجاني الرئيسي في اغتيال خاشقجي، في النهاية أدت الدبلوماسية الأمريكية بقيادة كوشنير وبمساعدة الرئيس ترامب، إلى مصالحة بين بن سلمان وزميله الشاب أمير قطر تميم الثاني.
وقبل أيام افتتح سلمان القمة السنوية لمجلس التعاون الخليجي داعيًا إلى موقف موحد ضد إيران: "نحن اليوم بأمس الحاجة إلى توحيد جهودنا وتطوير مجلسنا ومواجهة التحديات التي نواجهها"، وقبل افتتاح القمة رحب ولي العهد السعودي بأمير قطر في المطار، وبدا الزعيمان محتضنين ومصالحين ولا يمكن تمييز أي أثر للأزمة الطويلة بينهما.
وستبقى القمة في الأذهان قمة المصالحة التي يمكن أن تمهد الطريق للسلام ليس فقط بين قطر والسعودية بل بينها وبين الرباعية الدولية، إذ لم تتم المصالحة رسميًا بعد مع مصر والبحرين والإمارات.
في هذه المرحلة تفاصيل الإتفاقية ليست واضحة تمامًا، وتحدثت شائعات عن انتهاء الصراع مع فرض عدد من الشروط من بينها تنازل قطري عن دعوى قضائية ضد السعودية بسبب الأضرار الناجمة عن الحصار، ستخبرنا الأيام ما إذا كانت هذه مصالحة حقيقية، لكن من الواضح أن الهجمات الإعلامية بين الجانبين قد تضاءلت بشكل كبير وأن الحروب على الشبكات الاجتماعية قد اختفت تقريبًا.
إلى جانب مساهمته الحاسمة في اتفاقيات السلام الأربع مع "إسرائيل"، عمل كوشنير لإنهاء هذا الصراع جعله "البطل المجهول" وراء التغيير في الشرق الأوسط الذي يحدث أمام أعيننا.