حين يتحول "الزوعبيز" لكنز
هآرتس سليم بريك
حتى قبل قيام الدولة نشأت علاقات خاصة بين الحركة الصهيونية وبعض الفلسطينيين ، سواء كانوا من أنصار نشاشيب ضد المفتي الحاج أمين الحسيني ، أو كانوا عوامل هدفها تعزيز المصالح الشخصية والمنافع المختلفة.
كانت عائلة الزعبي أبرز العائلات التي قدمت العون للمشروع الصهيونيّ، في مجالات مختلفة كالأمن، الاستخبارات، سمسرة الأراضي وغيرها، لكن وبطبيعة الحال لم يشارك كل أفراد عائلة زعبي بهذا الأفعال، ومما لا شكّ فيه أنّ بعضهم قدم دعمًا وعونًا له ثقله للصهيونية، وعلى رأسهم سيف الدين الزعبي.
حيث، يذكُر سيف الدين الزعبي في سيرته الذاتية وبحماس مفرط وطفوليّ، بأنّ وسيطه المخابراتي المحامي دافيد سولومون بيشر حينها بأنّه سيتقلد منصبا وزاريًا، حصل سيف الدين وبعد قيام الدولة بطبيعة الحال على جائزته، حيث ترشح لانتخابات الكنيست وشغل منصب عضو كنيست لفترة طويلة.
اهتم زعبي خلال عمله في الكنيست، بزيارة البلدات العربية وتشجيع التجنيد. كال المديح لدولة "إسرائيل" من على منبر الكنسيت، وأشاد بالمجهود الذي قامت به الحكومة من أجل المواطنين العرب، في الوقت الذي رزح فيه هؤلاء تحت وطأة الحكم العسكري الذي قيّد من حريّاتهم الأساسية بل وألحق ضررًا فادحًا بنسيج حياتهم المجتمعي.
أجادت حكومة "إسرائيل" استغلال تملق زعبي وأعضاء كنيست آخرين من هذه القوائم، بل واستعملتها للترويج لصالحها، ولا عجب أن يحظى سيف الدين الزعبي بجائزة أمن "إسرائيل".
استغل حزب مبام أيضا (حزب العمّال المتحدون) عائلة زعبي واستعدادها للمساهمة في بناء المشروع الص---هيوني، وعليه قام بتجنيد عبد العزيز الزعبي ابن عمّ سيف الدين الزعبي، الذي أصبح لاحقًا عضوًا في الكنيست السادسة - الثامنة ما بين (1969-1974)، وشغل منصب نائب وزير الصحة كذلك.
كما وجند لاحقًا رئيس التجمع الوطني الديموقراطي، عزمي بشارة لقائمته الانتخابية حينها حنين زعبي ابنة عائلة زعبي الشهيرة التي كانت شابة مثقفة من الناصرة. شغلت حنين منصب عضوة كنيست خلال الكنيست الـ 18-20 (لمدة عشر سنوات).
ذاع صيت حنين زعبي بالأساس من بعد مشاركتها في أسطول الحرية الذي كان متجها لغزّة، ورغم أنّ وجودها على متن الأسطول لم يكن من أجل القيام بدور الوساطة بين جنود الجيش الإسرائيلي والمشاركين في الحملة إلا أنّ الهجوم والانتقادات التي تعرّضت لها، من قِبل الرأي العام الإسرائيلي كان قاسيًا بكلّ المقاييس، بل ووصل النقاش داخل هيئة الكنيست العامة إلى مستويات متدنية لم يسبقها مثيل، أما ميري ريجف فقد قامت بالواجب، حين قالت لها:" روحي ع غزّة يا خاينة".
أُجري من وقت لآخر بعض الاختبارات لطلاب اليهود، عرضت في أحدها أمامهم مرة قائمة شملت أسماء أعضاء كنيست عرب، حصلت فيه حنين زعبي على الدرجة الأدنى، أجريت التجربة ذاتها على طلاب العرب أيضا (في كلتا الحالتين لم يكن عدد الطلاب كبيرًا وكانت عيّنة الطلاب عشوائية)، في هذه الحالة أيضا حصلت حنين زعبي على الدرجة الأدنى. تحولت حنين زعبي "لكيس لكمات" المجتمع الإسرائيلي، كما وزادت تصريحاتها في الكنيست ووسائل الإعلام العداء تجاهها حتى باتت السبب الوحيد وراء نزع شرعية الجمهور العربي كله.
ثم وفي عام 2013 حصل حزب "يش عتيد"، برئاسة يائير لبيد على 19 مقعدًا، انتاب كثيرين منا إحساس أولي بالراحة والفرح، لأن حزبًا ملتزمًا بقيم ديمقراطية وليبرالية وجد أخيرًا طريقة للحلبة السياسية، لكن سرعان ما تبيّن أن قائد حزب يش-عتيد يتقرّب من اليمين القومي، حيث توجّهه لبيد لأخيه نفتالي بينت، ولكنّ نبعت خيبة الأمل من لبيد بالأساس، من محاولاته المتكررة نزع شرعية أعضاء الكنيست العرب ووصفهم "بالزعبيين"، فلو تمعن لبيد بتاريخ الصهيونية وإقامة دولة "إسرائيل"، لما صرح بما صرح به، بل ولربما وقف وقفة احترام لهذه العائلة ولبعض أفرادها، الذين قدموا للحركة الص--هيونية مساهمات تفوق ما قدمه.
لكننا الآن في العصر الذهبي، زمن تلاحق فيه الأحزاب الصهيونية "الزعبيّون"، فها هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يخصص في قائمة الليكود مقعدًا لممثل عربي، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ حركة الحرية التي قادها جبوتينسكي يقتبس نتنياهو، وحتى موعد كتابة هذه السطور أقوال مؤسسي الحركة "الجبوتنسكية" ويؤكّد على وجوب إدراج العرب في صفوف الحزب الحاكم، وعليه فها نحن نشهد حقبة إنضم فيها اسم "الزعبي" لحزب ينزع أعضاؤه الشرعية عن المواطنين العرب في العقدين الأخيرين.
وإذا لم يكن ذلك كافيًا، فقد قام حزب ميرتس الذي يخشى اختفائه عن المشهد السياسيّ بإتخاذ الخطوة ذاتها بعد انتخابات الكنيست الـ21، حيث أدرك أنّ الصوت العربي هو الصوت الوحيد القادر على إنقاذه من الاندثار (حصلت ميرتس على 11% من أصوات الناخبين العرب رغم غياب مرشح عربي عن قائمتها)، لكنهم مصممون هذه المرة على الحصول على الصوت العربيّ، وعليه فسيكون اسم "زعبي" المصيدة الأكثر جاذبية، وفي حال كان وراء هذا الاسم امرأة، يظهر ميرتس بمظهر عصري (رغم فشل المحاولات السابقة)، فستكون "زعبية".
إنه عصر تحول فيه لقب "الزعبيون" من لقب شتم وذمّ رسّخه قائد المعسكر "الليبرالي"، للقب فخر. وذلك بفضل رئيس الحكومة المعروف بعدائيته وتحريضه ضد المواطنين العرب.
سيقول المُشككون أن ما يدفع نتنياهو للقيام بهذه الخطوة، هو خوفه من فقدان السلطة والمثول أمام القضاء، وهذا أمر محتمل جدًا، لكن ما يفعله نتنياهو هو ببساطة تغيير الخطاب السياسي السائد، فها هو يقوم بخطوة تاريخية ينوي من خلالها تخصيص مقعد لمرشح عربي ضمن حزب الليكود خلال الانتخابات القادمة –لم يتم اعتبار تمثيل الدروز تمثيلًا عربيًا كما ولم يساهم هذا التمثيل برفع مكانة الدروز الاجتماعية السياسية– وهو أمر أقل ما يقال عنه أنه غير اعتيادي أبدًا.
ماذا أقول، هي إعادة صياغة القصة المشهورة "يا فرحتي أنا زعبي"!