المحكمة الدستورية والخطر المحتمل
✍️ بقلم المستشار/ أسامة سعد
صدر قانون المحكمة الدستورية في العام 13/12/2006م، بعد أن أقره المجلس التشريعي في العام 27/12/2005م لينشأ أول قضاء دستوري متخصص في فلسطين.
منذ نشأة فكرة القضاء الدستوري عالمياً، لا تزال هناك حالة جدل قانوني قائمة، حول تعارض القضاء الدستوري مع الإرادة الشعبية المتمثلة بالبرلمان المنتخب من قبل الشعب، والمعبر عن إرادته، إذ كيف يعقل لبعض القضاة الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، المعينين بقرار سياسي، أن تكون لهم القدرة على إلغاء أي قانون أصدره برلمان الامة المنتخب والمعبر عن الأمة وإرادتها بالضرورة، بل وقد تتعدي صلاحية القضاء الدستوري لإلغاء أثار القانون مهما كان لهذه الأثار من أهمية عظيمة، ومهما أسست هذه القوانين لمراكز قانونية مستقرة ، وعلى الرغم من أن الجدل القانوني لم ينته منذ نشأة القضاء الدستوري حتى الآن، فإن القضاء الدستوري كان في كثير من الدول بمثابة الدرع الحامي والسور الواقي للدستور، من تغول السلطة التشريعية أو التنفيذية على نصوصه وأحكامه، بتشريع نصوص تتعارض مع نصوص الدستور أو بإصدار السلطة التنفيذية لمراسيم أو قرارات أو لوائح تتعارض كذلك مع الدستور، وكانت هناك نماذج لأحكام قضائية دستورية مشرفة في عدد من بلدان العالم، زادت من هيبة القضاء الدستوري واحترامه، وجعلت موطني تلك البلدان يفخرون بقضاتهم ومحاكمهم، وكذلك كانت هناك نماذج بائسة لأحكام محاكم دستورية مخيبة لآمال الشعوب وتطلعاتها، خصوصا في بلدان العالم الثالث التي لم تصل بعد إلى مرحلة استقلال القضاء وسموه، ولا زالت تخضع فيه السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، بل وفي كثير من الأحيان تكون أداتها في الاستبداد وإهدار الحقوق عوضاً عن أن تكون حصناً لصيانة الحقوق والذود عنها.
في فلسطين لدينا أهمية الكبرى للمحكمة الدستورية وتعزيز دورها المحوري في استقرار النظام السياسي الفلسطيني، إذا شُكلت هذه المحكمة وفقا للأصول الدستورية والقانونية والتوافق السياسي؛ لتصون الحقوق وتشكل درعاً حامياً للمنظومة السياسية الفلسطينية من الخلل أو الشطط أو الاستبداد، ولكن للأسف كان لهذه المحكمة مع بداية عملها في عام 2017 دور معزز للانقسام السياسي، ومحبط لكافة المشتغلين بالشأن الدستوري والقانوني، ومفاجئ للفصائل وقوى المجتمع المدني، عندما قضت بحل المجلس التشريعي، متجاوزة بذلك صريح النص الوارد في القانون الأساسي، وعلى وجه التحديد المادة 113 التي تنص صراحة على عدم جواز حل المجلس التشريعي أو تعطليه في حالة الطوارئ " وذلك زيادة في تحصن المجلس التشريعي من الحل حتى أثناء حالة الطوارئ"، ناهيك عن عدم جواز حله في الأحوال العادية.
الأمر الذي خالفته المحكمة تماماً وقضت قضاءها الشهير الذي عارضه الغالبية العظمى من القانونيين والفصائل ومنظمات المجتمع المدني، وشعر المواطن الفلسطيني أن المحكمة الدستورية محكمة مُسيسة، خاضعة لأهواء الرئيس عباس، والذي انتهت ولايته منذ العام 2009، ورغم ذلك لازال يمارس صلاحيات الرئيس ولم تتعرض المحكمة لحالته هذه بأي شكل من الاشكال، لتعيد الجدل القانوني القديم، حول وجود محكمة دستورية يكون لها القرار الفصل فيما قرره الشعب، وما تراضى عليه نواب الشعب الممثلون لإرادته، وكيف يأمن الشعب الفلسطيني على خياراته الديمقراطية مع وجود مثل هذه المحكمة بتشكيلها الحالي، ومن يضمن ألا تقدم هذه المحكمة ( بهذا التشكيل المخالف للدستور والقانون) على إصدار حكم بدعوى من محام موتور أو طالب شهرة، يعيد الكل الفلسطيني إلى مستنقع الانقسام والفرقة.
نحن الآن على أعتاب مرحلة حساسة ومحورية، ما زال المجتمع الفلسطيني يلملم فيها جراحه، ويلتقط أنفاسه، ويحاول جاهداً المضي في طريق الوحدة، رغم حالة الشك والريبة القائمة بين معظم مكوناته الوطنية، الأمر الذي يفترض على قيادته أن تمهد طريق الوحدة، وتبني جسور الثقة، ولكن مما يحول دون ذلك، ويجعل حالة عدم الثقة هي السائدة، ما أقدم عليه الرئيس عباس في هذه المرحلة الحساسة، بإصدار عدد من المراسيم تعدل في بعض القوانين التي تمس السلطة القضائية، وتجعل منها مطية للسلطة التنفيذية، وتهدر استقلالها، وتحطم هيبتها، وعلى الرغم من اعتراض كافة المرجعيات القانونية والمدنية على هذه المراسيم، فإن الرئيس عباس لم يلق بالا حتى اللحظة لهذه الحالة من الاستياء، واستمر سادراً في غيه غير ملتفت لحالة القلق الشعبي والحزبي من هذه التصرفات، الامر الذي يضع المرحلة المقبلة كلها على المحك ويأسرها لقرارات الرئيس عباس فقط.
لذلك هناك نداء شعبي وفصائلي للرئيس عباس، بضرورة تصويب المسار، وإعادة الهيبة والاستقلال للسلطة القضائية، من خلال الغاء المراسيم التي صدرت مؤخراً، وكذلك إعادة تشكيل المحكمة الدستورية على أساسي دستوري وقانوني، من خلال التوافق الوطني، وحتى لا تكون المحكمة الدستورية بتشكيلها الحالي والسلطة القضائية على وجه العموم، خطراً يهدد مصلحة الشعب الفلسطيني، وسيفاً مصلتاً على طموحاته وتطلعاته، يستخدمها الرئيس عباس وقتما يشاء وكيفما يشاء.
الواجب الوطني يدعو الرئيس عباس أن يستجيب لصوت الشعب، ويعمل على تعزيز التوافق الوطني، بما يحمي حالة الوحدة الفلسطينية التي نأمل أن تلتئم شيئا فشيئا، وصولا لإنهاء الانقسام والانطلاق نحو العمل والوطني المشترك.
غزة في 20/1/2021م