هل آمن الفلسطينيون بالتداول السلمي على السلطة؟
بقلم المستشار/ أسامة سعد
الايمان والعمل بمبدأ التداول السلمي على السلطة، مبدأ من أهم المبادئ التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي في أي من البلدان التي يحكمها نظام سياسي ديمقراطي مستقر، إذ لا يكفي أن يؤمن شخص ما بالعملية الديمقراطية وضرورة اختيار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع على أهمية ذلك، وإنما من كمال الايمان بالديمقراطية هو الايمان بمبدأ التداول السلمي على السلطة، وذلك من خلال احترام النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع، ومن ثم إفساح المجال أمام الفائز ليمارس الحكم، وفقا للبرنامج الذي وعد به الناخبين، ووفقا للقناعات والأفكار التي يحملها، وليس لأحد أن يمارس عليه الوصاية، أو الادعاء بالحرص على المصلحة الوطنية، طالما أن هذا الفائز قد وصل للحكم من خلال الصندوق، ما يعني أنه يمثل الإرادة الشعبية ويحكم بمقتضاها، وأي محاولة لعرقلة حكمه هو بمثابة خنق للإرادة الشعبية التي أتت بهذا الفائز إلى كرسي الحكم.
وفي ذات الوقت يجب أن يؤمن من يجلس على كرسي الحكم أن المعارضة جزء أساسي من النظام الديمقراطي، وأنها الشق الثاني والمكمل الطبيعي لمنظومة الحكم القائمة، ولها دورها الوطني الذي يجب أن تمارسه بكل حرية، ويمكن لها في أي لحظة تولى السلطة بالقانون، وكما يقال " ليست الديمقراطية حكم العدد بل هي حكم القانون" وعلى هذا الأساسي يقوم النظام الديمقراطي بشقيه ( الحكومة والمعارضة).
في كثير من الأحيان يظن البعض أن مشروعه الفكري أو السياسي أو مؤهله العلمي يجعل منه وصياً على إرادة الناس، فتراه يتصرف بمنطق الأحرص على مصلحة الشعب، ثم قد يتطور الأمر؛ لينصب نفسه ضامناً للمشروع الوطني من الانهيار، فيسعى بكل قوة ليضمن الاستمرار في السلطة لأطول فترة ممكنة، حتى لو كان استمراره في السلطة على حساب خيارات الشعب الديمقراطية، بل وقد يصل به الامر ليُجَهٍلْ الشعب، مبرراً لنفسه البقاء في السلطة، (وذلك لأن الشعب غير قادر على اختيار القيادة الوطنية القادرة على حمل أمانة المشروع الوطني)، كل هذا إن أحسنا الظن، بمعنى أن يكون الدافع الأول والأخير للاحتفاظ بالسلطة هو الاعتقاد – وإن كان خطأ- أن المصلحة الوطنية تستوجب التمسك بالسلطة ليس تحقيق المصالح الشخصية والتكسب غير المشروع واستمراء استغلال مقدرات الدولة والتصرف فيها وكأنها ملك شخصي.
في الحالة الفلسطينية أزعم أن مفهوم التداول السلمى على السلطة لم يؤمن به بعد أي من القيادات التنظيمية أو الحزبية، صحيح أنه مصطلح ربما يتردد على السنة البعض منهم كشعار، ولكن ليس له من التطبيق على أرض الواقع رصيد، ولذلك يعتبر كل تنظيم أو حزب أن خوض العملية الانتخابية هو صراع وجودي على البقاء، (فإما ان تكون أو لا تكون)، وعندما تكون طريقة التفكير هذه هي الناظم الفكري لخوض العملية الديمقراطية، فليس لأحد التصور أنها عملية صحية تحقق الهدف منها، بل ربما تصبح العملية الديمقراطية بيئة صراع داخلي عواقبه وآثاره أشد وطأة من الحكم الدكتاتوري، ذلك أن الحكم الدكتاتوري على شدة مساوئه، فانه يبقى ضامناً للاستقرار وتحقيق الأمن وفرض هيبة الدولة وقوتها، أما في الحالة التي تحدثنا عنها فإن خوض العملية الديمقراطية بهذه البيئة السياسية المشوهة، هي وصفة صراع عميق الغور بين طبقات المجتمع، تنذر بالفوضى أو الصراع الأهلي وما يتبعه من مآسٍ أظن المجتمع الفلسطيني يعايشها منذ زمن.
إذا فالعملية الديمقراطية لكي يتحقق الهدف المرجو منها وهو تحقيق خيارات الشعب في الحكم، لابد من توافر البيئة اللازمة والضامنة لهذه العملية برمتها، وهما أمران لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فلا يمكن أن تجرى عملية انتخابية في ظل تدافع غير سوى على السلطة، واعتبار المعركة الانتخابية معركة استئصال للأخر، والامر الثاني هو أن تجرى هذه العلمية بنزاهة وشفافية.
وحتى تكون العملية الديمقراطية سليمة ومنتجة لأثارها المتوخاة، لا بد من تحقيق جملة من الشروط التي لا غني عنها، وأول هذه الشروط: هو توفير جو طبيعي من حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والاعلام، وحرية التجمع السلمي، وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، كل ذلك في إطار القانون الناظم لهذه الأنشطة ما يحول دون انحرافها أيضا عن مسارها الطبيعي، فكل خير في ثناياه شر كامن لا يقيده الا النظام والقانون.
الشرط الثاني: هو الاحترام التام للدستور ومبدأ استقلال السلطات سيادة القانون، وذلك يقتضي الايمان بأن السلطات تكمل بعضها بعضاً، ولا هيمنة إطلاقاً لسلطة على الأخرى، فلكل سلطة عملها الذي يضمن تحقيق التوازن بين السلطات ومنع أي واحدة من الانحراف أو الشطط، فكل سلطة عامل أمان وضامن بقاء وقوة واستقلال للسلطة الأخرى.
الشرط الثالث: هو الاحترام التام والكامل لنتائج الانتخابات أي كانت هذه النتائج، وتمكين الفائز من مقاليد الحكم، وتسليم كل سلطات الدولة له، ليقودها وفقا للرؤية التي يريد، ويبقى دور المعارضة هنا دوراً فعالاً في الرقابة ونقد العيوب وتوضيح وجهة النظر المقابلة، ودون أن يتعدى ذلك للتحريض واستخدام الوسائل القذرة في قلب الحقائق، وتحريك الدولة العميقة ( اذا كانت بيد الفريق المعارض) لمنع الفريق الفائز من السيطرة على مقاليد الأمور، وصولا لإفشاله المتعمد، وهنا تكون المعارضة قد اصطفت ضد المصلحة الوطنية دون أن تدري، وحققت ما يصبو إليه أعداء الوطن، ظنا منها أنها بتلك الطريقة تصل إلى السلطة، لتبدأ هذه الحلقة في الدوران دون توقف بين الفائز والمعارض، الأمر الذي يضعف بنيان الدولة؛ ويسبب التراجع الاقتصادي والحضاري بشكل عام، وذلك بسب عدم تمكن أي فريق يصل للسلطة من تحقيق برامجه التي يسعى إلى تطبيقها .
الشرط الرابع: هو ضرورة احترام الحزب الحاكم للمعارضة، والتعامل معها على أنها المكمل الوطني للمنظومة الحكومية، والايمان العميق بدورها الفاعل في تبصير الجالس في سدة القيادة بما يعجز عن رؤيته، وضرورة مشاورتها في المسائل الهامة والاستراتيجية، وإطلاعها على المعلومات الضرورية التي تمكنها فهم طبيعة الأحداث التي تجرى في الدولة، لأنها ممكن أن ترتقي لسدة الحكم في أي وقت، وبالتالي يجب أن تكون على دراية وخبرة بشئون الحكم، فما الحكم إلا عمل عام، الاطلاع على تفاصيله حق لكل مواطن، إلا ما يتعلق ببعض الأمور السرية أو التي تمس أمن الوطن، فيكون الاطلاع عليها محصورا بفئة معينة ومخصوصة .
الإيمان بمبدأ التداول السلمي على السلطة مهم وضروري للحفاظ على المسار الديمقراطي وتحصين الحالة الفلسطينية، التي هي بأمس الحاجة للوحدة، فهلا آمنت به القيادات الفلسطينية؟
غزة في 31/1/2021م