مركز القدس للشؤون العامة والدولة
09 مارس 2021
بنحاس عنباري
ألعاب الغاز: صراع الشرق الأوسط على غاز غزة
قبل حوالي أسبوعين، قام وزير الطاقة المصري، طارق الملا، بزيارة "إسرائيل "، وخلال محادثاته علم عن صفقة بين قطر وحمــــــاس لبيع الغاز إلى غزة من آبار "الحوت" التابع لشركة ديلك الإسرائيلية.
وتسبب النبأ في تغيير خطط الوزير المصري، حيث توجه إلى رام الله للتوقيع على مشروع لإنتاج الغاز من الخزان "البحري" قبالة سواحل غزة، وينفذ المشروع صندوق الاستثمار الفلسطيني، الخاضع لسيطرة السلطة الفلسطينية في رام الله.
لقد شهدنا أمام أعيننا صراع القوى العظمى في الشرق الأوسط. من جهة قطر وتركيا ومن جهة أخرى الحلفاء السنة: مصر والخليج والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، وهم أيضًا حلفاء "لإسرائيل."
ووصل الوزير المصري إلى "إسرائيل " لعقد اجتماعات حول التعاون في البحر المتوسط ، حيث تعمل فيها "إسرائيل " ومصر ودول الخليج في مجال الغاز بالتعاون مع قبرص واليونان وإيطاليا، بينما تعد فرنسا أيضًا شريكًا في الجانب العسكري. واجهت القوات البحرية الفرنسية والتركية الصراع مرارًا في ليبيا وبالقرب من قبرص.
تمتلك مصر مصانع كبيرة من الغاز السائل وتسعى لزيادة استخدامها إلى جانب تعزيز التحالف البحري.
يتناقض اتفاق قطر مع شركة ديلك مع نية مصر نقل الغاز من أراضيها إلى غزة، أي: بينما من جهة، "إسرائيل " حليف لمصر في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، وفي غزة اتضح أنها تعمل خارج الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، ومن ناحية الخلاف الداخلي الفلسطيني بين رام الله وغزة، هي إلى جانب قطر، التي تسعى إلى منح حمــــــاس غزة أدوات الوجود ككيان منفصل عن رام الله، ويمنع تجدد الارتباط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو أمر مرتبط الآن بالانتخابات الفلسطينية.
في وقت من الأوقات، واجهت "إسرائيل " الخيار التحالف المتوسطي مع مصر، أو تفضيل تعميق الصدع الداخلي الفلسطيني، ووفقًا لمصادر إسرائيلية وعربية، فضلت مصر في هذا السياق على قطر، ومن هنا فرص تنفيذ صفقة ديلك مع قطر لبيع غاز آبار "الحوت" إلى غزة ليس على جدول الاعمال.
ما هو واضح لن يحدث هو تحقيق المشروع الذي تم التوقيع عليه بشكل عاجل في رام الله بين مصر والسلطة الفلسطينية لتطوير الغاز في البحر قبالة غزة. لقد كان توقيعًا ذا أهمية سياسية وليست اقتصادية. كل ما أرادته مصر هو إثبات أن السلطة مصدر الغاز لغزة من رام الله، وليس من غزة لدى حمــــــــاس.
الاتفاق الحقيقي الذي تهتم به مصر هو نقل الغاز المصري إلى غزة ولكن فقط بمباركة رام الله والاتفاق معها.
وفقًا للخطة المصرية، سيتم بعد ذلك توصيل غزة بشبكة الكهرباء المصرية في اتفاق مع رام الله، وبالتالي تطرد قطر من غزة، أو على الأقل إضعاف نفوذها بشكل كبير، وفي المواجهة بين حمــــــــاس ومنظمة التحرير الفلسطينية، سيكون وضع منظمة التحرير الفلسطينية أقوى.
وهكذا، فور نشر الاتفاق بين مصر والسلطة الفلسطينية، أعلن موسى أبو مرزوق من قادة حمــــــــــاس أنه بدون حمــــاس لن يكون هناك مشروع غاز في غزة، ورد حسين الشيخ من رام الله بأن حمــــــــــاس كشفت وجهها ولم تكن تريد حقاً المصالحة بين غزة والضفة الغربية.
لماذا تعارض مصر بشدة صفقة قطر؟ ليس فقط لأنها في مواجهة مع قطر تقريبًا على طول وعرض الشرق الأوسط، ولكن أيضًا بسبب الخطر الاستراتيجي الذي تشعر به من قطاع غزة. تعتبر حدودها مع غزة ثغرة تهدد الأمن القومي المصري؛ لأن غزة أثبتت بالفعل أنها كانت بمثابة عمق استراتيجي لجميع الجماعات الإسلامية العاملة في مصر، وحين الإطاحة بمبارك، شارك أعضاء حمــــــاس "بنشاط في القاهرة" نفسها.. مصر تعتبر ربط غزة برام الله مصلحة عليا، وإلا فإن طاقة حمـــــاس ستتجه جنوبا، إلى مصر نفسها.
تدرك رام الله أنه إذا سيطرت حمـــــــ اس على أموال الغاز، فلن يكون هناك وقف لفك ارتباطها النهائي برام الله ونهاية حلم الدولة الفلسطينية، بينما إذا تلقت رام الله أموال الغاز، فسوف تنفصل عن الاعتماد على أموال المساعدات الخارجية، كما ستزداد فرص قيام دولة فلسطينية قادرة على الوقوف على قدميها اقتصاديًا.
هناك حجة، "مبررة تمامًا"، مفادها أن قضية طرد حركة فتح من غزة برمتها من قبل حمـــــ اس في عام 2007 كانت؛ لأن حمـــــــاس اشتبهت في أن رام الله كانت على وشك توقيع صفقة مع شركة بريتش غاز لتطوير حقل الغاز البحري قبالة غزة، لقد أدركت حمـــــاس أن سيطرة رام الله على الغاز في غزة ليس في مصلحتها.
هذا القلق لا يزال قائما، وهذا التعادل بين غزة ورام الله يمكن أن يكون السبب وراء عدم تنفيذ أي مخطط حتى الآن.