تقرير: كيف واجه الأسرى الكورونا (سجن رامون أنموذجًا)

حضارات

مؤسسة حضارات

تقرير: كيف واجه الأسرى الكورونا (سجن رامون أنموذجًا)
إعداد: مركز حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية


هواء خانق، ظلام يعم المكان، رطوبة تملأ الجدران، أنفاس تخترق حدود المسافات في زمن التباعد، أماكن مغلقة، وغرف مزدحمة في وقت باتت فيه العزلة ضرورية، شوائب وحشرات تهاجم من كل صوب، فوق كل ذلك التقت كورونا والسجان على أسرانا، وما من سبيل لصدهما، أو مواجهتهما في ظل ظروف قاهرة؛ فإدارة السجون تمارس الإهمال والظلم والقمع، ولا تتخذ التدابير اللازمة؛ للحد من انتشار الفايروس اللعين، الذي يهاجم أجساد أسرانا الطاهرة ذو رحمة.
استطاع مركز حضارات الوصول لشهادات حية، من داخل السجون الإسرائيلية، نقل فيها أسرانا تجاربهم ومعاناتهم في مواجهة كورونا، وعبّروا فيها عن قلقهم وتخوفهم في ظل مصارعة الأسرى لمخاطر كورونا، واقتحامها لصفوف أسرانا، وسط خشية على مصيرهم. 
ننقل لكم تجربة الأسير القسامي أيمن عبد المجيد سدر، والذي يعد من أصعب الحالات إصابةً بالفيروس، والأسير سدر اعتقل عام 1995م على خلفية تنفيذ عمليات ضد العدو الصهيوني، وقد عمل تحت قيادة أبو خالد الضيف، والشهيد يحيى عياش، وهو عضو شورى هيئة حماس للأسرى حاليًا. 
عن طبيعة إصابته بكورونا وكيف اقتحم الفايروس جسده قال سدر: " لا أعلم بالضبط كيف أصبت، وحالي حال اخواني في السجن، لكن الأكيد أن الفيروس أتاني من السجانين." وبيّن سدر بأن إصابته تعد من أصعب الحالات من مجموع الأسرى المصابين بالفيروس،وعند سؤاله عن شعوره وقت معرفته بالأصابة قال سدر: "لا يمكن وصف الشعور؛ لأنه معقد، وممزوج بين الرجاء والخوف، فأنت بين الحياة والموت، والعودة واللاعودة، والضعف الكامل، إلا من حسن الظن بالله - عزوجل- ومعيته والرضا بقدره وقضائه، وكذلك أنت بين مطرقة كورونا وسندان السجان بصلفه وحقده؛ بل إن الكورونا كانت أرحم من قيوده التي لم تفارقني طيلة مكوثي في المستشفى وأنا مكبل اليدين والرجلين."
وعن تأثير بعده عن الأهل وتفاقم حالته دون أن يرى عائلته قال سدر: "أما البعد عن الأهل والأحبة والخوف عليهم كان يزيد معاناتي معاناة، فلا يسمح لي بالاتصال بهم، أو حتى الحضور لزيارتي أسوة بالمرضى الآخرين، وكل ذلك تحت ذرائع أمنية." 
وأما عن مشاعره بعد إصابته وعودته بين إخوانه معافى قال سدر: " أجمل شعور بعد الإصابة عند عودتي ودخولي القسم 4 رامون." 

وقد وصف حالته عند خروجه من السجن مصابًا قائلًا: " خرجت مكفنًا بالأبيض." 
وتابع وصف عودته معافاً قائلًا: " استقبلني إخواني الأسرى بكل حفاوة، حينها لم أستطع أن أمنع دمعتي من النزول وكأن الإنسان لا يقوى بعد الله إلا بإخوانه".
وفور عودته شاهد زوجته وابنه محمد في لقاء تلفزيوني، فاعتبرها سدر من أجمل اللحظات، بعد عودته سالمًا، فقال سدر: "حين رؤية زوجتي وابني الحبيب محمد على التلفاز ذرفت دموعي." 
وتابع سدر واصفًا فرحة أهله: " اخواني وأخواتي اختلطت مشاعرهم بين البكاء والزغاريد" وأردف سدر: "الشعور لا يوصف؛ كأني مت وبعثت من جديد." 
وأكد سدر بأنه لم يتعافى تماما من كورونا فقال: " حتى كتابة هذه السطور ما زلت أحتاج جهاز الأكسجين، وأستخدمه حاليًا، وما زلت في حالة ضعف من أثر الكورونا، ونسأل الله أن تتحسن الأمور." 
وعند سؤاله عن الخلاصة من التجربة قال سدر: "على الأسرى عدم الاستخفاف بمثل هذه الأمور، وأخذ الحيطة والحذر، ووضع التدابير اللازمة؛ لعدم الإصابة بمثل هذه الفايروسات." 
وأكد سدر بأن المرض داخل السجن صعب جدًا، خاصة أنّ السجان لا يأبه بتقديم أيِّ علاج، وعن الرسائل التي يوجهها لإخوانه وأهله وشعبه قال سدر: "رسالتي لأهلي، النفس تعجز عن مكافئتهم، وشكرًا لهم، وخاصة توأم روحي أم محمد، وابني الحبيب محمد، وأسأل الله أن يوفقني لتعويضهم عن تلك المعاناة التي لاقوها طوال مدة أسري، وكذلك لا أنسى إخواني وأخواتي البنات." 
ووجه شكرًا خاصًا للأخ أمجد أبو عصب على جهوده المباركة.
وعن رسالته لشعبه قال سدر: "أتقدم بجزيل الشكر لهذا الشعب المعطاء، الذي قدّم الغالي والنفيس، من أجل وطنه وأرضه وأسراه، وأخص الإخوة في وسائل الإعلام بأنواعها على اهتمامهم ومتابعتهم الحثيثة لحالتي، ولكل الحالات التي أصيبت بفيروس كورونا في سجون الاحتلال. "

وقدم شكرًا لكل من رفع يديه للسماء ودعا للأسرى بالشفاء، وعن رسالته للفصائل الفلسطينية المقاومة قال: ألستم منا ونحن منكم؟ فإلى متى نترك في هذه السجون.

وقال سدر في ختام كلمته شكره لإخوانه الأسرى في السجون بشكل عام، ولإخوانه في قسم 4 رامون على وقفتهم المباركة خلال مرضه، واحاطتهم لي بالحب والحفاوة والصدق والإخوة والحمد لله رب العالمين.

وقد نقل لنا الأسير القسامي نافذ الحج حسين أحد قيادات الأسرى في السجون من قرية جماعين -قضاء نابلس والمعتقل منذ عام 2002م، بتهمة قتل جنود ومستوطنين، وحكم بالسجن المؤبد، نقل تجربته مع الإصابة بكورونا: عن لحظة إصابته بكورونا، وكيفية الإصابة بها قال الأسير نافذ ابو الأمير: " أصابتني الكورونا وأصابت كل إخواني، ولم تكن الإصابة محض صدفة، وليس ككل الناس أو من يصاب بها عادة، فمن يعرف ظروف السجن، يعلم أننا نعيش داخل زنازين مغلقة، وأقسام لا يرى فيها الإنسان إلا الأمل من داخل القلوب المؤمنة لا من أسلاكها وأبوابها." 
وحول ما إذا كان العدو له يد في إصابته بالكورونا قال: "لقد تعمد العدو إيذاءنا وإصابتنا من خلال استهتاره، وعدم إحضاره أدوات الوقاية المطلوبة، فكانت الإصابة مسألة زمن، وهذا ما حدث." 
وعن مشاعره وقت إصابته بالكورونا وهو في سجنه بعيدًا عن أهله قال الأسير الحج حسين: " كيف يمكن لشخص لم ير أهله ووالديه وزوجته وأبنائه "أمير وتهاني" منذ ١٩ عامًا أن تعبر عن مشاعر، وقت اعتصاره الألم، وشريط حياته يمر في ذهنه في ثوان قاسية معدودة، والسجّان ينظر إليه بكل حقد، ويضع في يديه وقدميه القيود خوفًا منه، وهو لا يقوى على التنفس أو الحراك." 
تابع: " تختلط مشاعر الشوق بمشاعر العزة والفخر والصبر والثقة بالله -عزوجل- ومشاعر الصمود والكرامة، أمام هذا العدو الغاشم، على الرغم مما أمر فيه من ألم ومرض شديد جدًا." 
وعن لحظة تعافيه وعودته إلى إخوانه قال أبو الأمير: "لقد عدت إلى رامون قلعة الشهيد الشيخ أحمد ياسين، بعد أن خرجت منها مصابًا، عدت وأنا أترقب وأتفقد إخواني، وقلبي يدعو، ولساني يلهج بالدعاء والتمني ألا أجد ما كنت أخافه وأخشاه، والحمد لله الإصابة بالكورونا ذكرتنا بضعفنا، والزهد في الدنيا أكثر، وعدم الحرص عليها."
وعن رسالته لحركته وشعبه قال الأسير نافذ الحج حسين: "أكتب كلمتي لهذه الحركة الربانية والدعوية، ولقيادتي ولشعبي، أن يعلم علم اليقين بأن الاحتلال الحاقد الجاثم على أرضنا ومقدساتنا، قد امتد ظلمه وحقده إلى كل صغيرة وكبيرة، وكل حجر وشبر، حتى أصاب هذا الشعب بالألم." 
وأكد الأسير في رسالته على العهد قائلًا: "الأسرى في قلاع الكبرياء يعاهدوكم على أن يبقوا أوفياء لدينهم وأرضهم وحركتهم وشعبهم:"
ونقل لنا الأسير باسل عاطف مخلوف أحد قيادات سرايا القدس في منطقة طولكرم والمعتقل منذ عام 2002م، بتهمة قتل جنود، وهو عضو مجلس شورى الجهاد الإسلامي في السجون، ومخلوف هو أول أسير أصيب بالفايروس في سجن رامون، نقل في رسالته تجربته ومعاناته مع الإصابة بكورونا. 
وقد أكد الأسير مخلوف بأن الفيروس انتقل له عن طريق ضابط السجن والاحتكاك بالسجانين.

وأما عن تجربة الإصابة فقال: "تجربة صعبة جدًا، عندما تصل لمرحلة تشعر بأنك غير قادر على رؤية الأهل والأصحاب داخل السجن، وأنك غير عائد لهم." 
وتابع: "الشعور باحتمالية عدم العودة للقسم الذي خرجت منه أو حتى لأهلك صعب جدًا، فقد عشت لحظة خروج الروح لبارئها، وكنت أنتظر خروجها وأنا أذكر الله، وجاءني تصور وأنا مقيد على أسرة المستشفى بأني سأذهب إلى الثلاجات وبعدها إلى مقابر الأرقام." 
وعن ظروف الإصابة بالكورونا داخل السجون قال مخلوف: "كورونا بداخل السجون ليست كالخارج، وأنت بين أهلك وأصدقائك، أنت في السجن تعاني من الكورونا والكلبشات (القيود) تقيد يديك وقدميك، والقمع والمعاناة .. إلخ، حتى وأنت في المستشفى تعاني ظروف قاسية ولا رحمة عند السجان في هذا الظرف العصيب، وأكد مخلوف: "تجربة الإصابة بالكورونا صعبة جدًا وما زلت أعاني ، ولم أعد لطبيعتي حتى اليوم، وأعاني من مشاكل وصعوبة في التنفس." 
ووجه مخلوف رسالة لأهله عبر فيها عن شوقه وحبه، قائلًا: "سامحوني لأني أتعبتكم معي وأنتم تتنقلون ورائي من سجن لآخر، واليوم أقلقتكم وأنتم تسمعون في الإعلام بأني كحالة صعبة في المرض." 
ووجه شكره للشعب الفلسطيني لوقفته معه، ومع إخوانه، ووجه رسالة للفصائل الفلسطينية، ودعا فيها لمراجعة استراتيجيتها في تأخرها في الوفاء للأسرى قائلًا: "الفصائل التي تترك أبناءها داخل السجون عشرات السنوات، يجب أن تراجع نفسها واستراتيجيتها بالعمل؛ لأن الأسرى هم القادرون بما اكتسبوه من خبرة للمساهمة في إحياء هذه الأمة، من خلال مقاومة المحتل، وخص برسالته الحركتين الإسلاميتين قائلًا: "أخص الحركتين الإسلاميتين أن تجعلا في استراتيجيتها أولًا تحرير الأسرى، وأذكرهم بواجبهم الشرعي تجاهنا." 
الأسير عبد المعز الجعبة بيّن ظروف إصابته بالكورونا، وقدرته في تجاوزها رغم إصابته بأمراض مزمنة "السكري، الضغط، مشاكل القلب" ونقل تجربته لمركزنا وكيفية إصابته بالكورونا قائلًا: " انتقلت الكورونا لي من السجان." وعن حالته قال الأسير الجعبة: كانت حالتي صعبة جدًا، وحتى الآن أعاني من آثارها." 
وأضاف: "عانيت من سعال شديد جدًا، وتراجعت قدرتي على تناول الطعام والشراب، ولا أتمكن من النوم بشكل مستمر، فقد كان لا يستمر نومي لنصف ساعة، وأستيقظ من شدة الألم والسعال." 
وتابع واصفًا ظروف إصابته: "نقلت من سجن رامون قسم (4) إلى قسم (8) والذي كان خاصًا بمصابي كورونا من الأسرى؛ ثم نقلت إلى مستشفى سوروكا، مقيدًا، جراء تدهور صحتي، وتم نقلي في ظروف صحية سيئة جدًا، وللحظات ظننت بأني سأقضي لربي شهيدًا." 
وفي ختام رسالته وجه الجعبة رسالته لفصائل المقاومة وناشدهم بالإسراع في إطلاق سراحه وسراح كافة إخوانه المعتقلين. 
يُشار الى أن قسم ( 4 ) سجن رامون أصيب جميع من فيه وعددهم قرابة 90 أسيراً بالكورونا .

فيما لا زال خطر الكورونا يهدد الأسرى وتستمر سلطات الاحتلال في تعنتها وإهمال الاتخاذ بالتدابير الصحية؛ لمنع انتشار الفايروس، وسط تخوفات شديدة من الأسرى في ظل الظروف الاستثنائية الصعبة التي يعيشونها، وإهمال قضيتهم، وعدم الاهتمام الجدي من المؤسسات الحقوقية والإنسانية بهم، وانتهاك المحتل الصارخ للاتفاقيات القانونية الإنسانية التي تضمن حقوقهم.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023