تعلو بين الفينة والأخرى أصوات بعض الدول أو التحالفات الإقليمية أو الدولية، بالمناداة بتعديل ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لتغير طبيعة وتركيب مجلس الامن الدولي، بحيث يصبح ممثلا لقارات العالم بشكل منصف، وكذلك تعديل طبيعة العلاقة بين الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن، بالإضافة الي زيادة عدد الدول دائمة العضوية في المجلس، ومنح هذه الدول الجديدة حق النقض أو إلغاء هذا الحق، وكل ذلك تحت عنوان إصلاح مجلس الامن.
مجلس الامن بتركيبته الحالية تمت صياغته من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في عام 1945. ومنذ ذلك الحين تغيرت الحقائق الجيوسياسية جذريًا، لكن المجلس لم يتغير إلا قليلًا، كانت المرة الأولى التي تعالت فيها الأصوات بإصلاح مجلس الأمن عام 1965م، ولكنها كانت محاولة خجولة لم تسفر عن شيء، إلا أن المحاولة الأكثر قوة كانت عام 1992 أثناء تولى بطرس غالي للأمانة العامة للأمم المتحدة، وقد تقدمت عدة دول بمشاريع مقترحات أبرزها اليابان وألمانيا ثاني وثالث أكبر مساهم مالي في الأمم المتحدة، وبدأتا بالمطالبة بمقعد دائم.
وكذلك البرازيل (خامس أكبر دولة من ناحية المساحة) والهند (ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان)، طالبتا بمقعد دائم لكل منهما، باعتبارهما أقوى بلدين ضمن مجموعاتهما الإقليمية ولاعبين رئيسيين داخل مناطقهما.
وقد تنافست هذه الدول مع كل من إيطاليا وباكستان والمكسيك ومصر حيث؛ كونت هذه الدول تجمعا للمطالبة بتعديل الميثاق، كذلك طالبت المجموعة الافريقية بمقعدين دائمين للدول الأفريقية، وذلك بسبب؛ جدول أعمال المجلس المزدحم دائماً بقضايا الدول الافريقية التي لا تملك مقعداً دائماً في المجلس، وبالتالي قد تناقش قضايا القارة الافريقية في بعض الأحيان دون وجود أي دولة أفريقية فيه، كذلك طالبت تركيا مؤخراً بمقعد دائم في مجلس الأمن اعتماداً على قوة اقتصادها وكذلك إرثها الامبراطوري القديم، وفي تصريح شهير للرئيس التركي أردوغان قال إن العالم أكبر بكثير من خمس دول.
اللافت للنظر أن العرب ورغم أنهم يمثلون مكونًا جيوسياسياً مهماً في العالم، فإنهم لم يفكروا حتى اللحظة في المطالبة بمقعد دائم يمثلهم في مجلس الأمن، رغم إمكاناتهم الاقتصادية والجغرافية والبشرية وإرثهم الحضاري الضارب في أعماق التاريخ، الذي يسوغ لهم المطالبة بالعضوية الدائمة بقوة ربما أكبر بكثير من الدول التي تطالب بمقعد دائم في المجلس.
الأعضاء الدائمون في المجلس ليس لديهم الرغبة بالتأكيد في إفلات قبضتهم عن مجلس الامن الذي يحكم العالم بقراراته الممثلة للشرعية الدولية، التي تقرر مصائر الدول والشعوب، ورغم هذه الرغبة إلا أن بعض الدول الدائمة العضوية أبدت على مضض التجاوب مع مطالبات بعض الدول، وربما كانت الهند هي أكثر الدول التي لاقت قبولاً للانضمام لنادي العضوية الدائمة، ولكن لم تصل الدول الأعضاء في تجاوبها حد العمل الفعلي على ضم الهند، وقد يكون ذلك لأسباب لها علاقة بالتوازن الدولي، ولكن العقبة الأكبر، هي نص المادة 108 من ميثاق الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنص على(تدخل التعديلات على الميثاق الحالي حيز التنفيذ بالنسبة لجميع أعضاء الأمم المتحدة حين تُعتَمَد بتصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة ويُصدَّق عليها بموجب الإجراءات الدستورية الخاصة من قبل ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، شاملًا ذلك جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن).
هذا النص يعتبر نصاً تعجيزيا، يمنع أي تعديل في تركيبة مجلس الامن، ويحول دون إجراء أي تغيير في النظام العالمي؛ حيث يتطلب التعديل موافقة ثلثي الأعضاء في الجمعية العامة وعددها حتى اللحظة 195 دولة، يعني أن الامر يتطلب موافقة 130 دولة على هذا الطلب، ثم إذا ما تمت هذه الأغلبية فإن الأمر يتطلب موافقة برلمانات هذه الدول وفقا للإجراءات الدستورية في كل بلد من هذه البلدان، ولو كان الأمر ينتهي عند هذا الحد لكان من الممكن تحقيق هذا الشرط، ولكن النص اشترط أن يكون من ضمن أغلبية الثلتين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بمعني أن المسالة في النهاية يرتد للدول الخمس دائمة العضوية التي تملك حق النقض، وتستطيع أي دولة من هذه الدول الخمس اسقاط أي قرار دولي لا ترغب فيه.
قد يتصور المرء للحظة أننا أمام نظام مكبل لكل الدول الباحثة عن العدل والسلام، خاصة دول العالم الثالث المحكومة من العام 1945 بقرارات الدول الخمس التي حددت مصائر شعوب وأمم ودول كما اسلفنا، ولكن الناظر لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجدها دائما تصب في مصلحة دول العالم الثالث بأغلبية كبيرة تتجاوز أحياناً أغلبية الثلثين، ولكنها كانت تصطدم دائماً بعقبة مجلس الأمن، وكان آخر هذه العقبات أمام قضية فلسطين عدم موافقة مجلس الأمن على منح فلسطين صفة عضو كامل العضوية في الجمعية العامة، رغم أن فلسطين حظيت بموافقة أغلبية الثلثين، لكنها لم تحظ بموافقة تسع دول من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر
كما ينص ميثاق الأمم المتحدة، لأن الدول الدائمة العضوية لم تتفق على منح فلسطين هذه الصفة فسقط القرار، وبقيت فلسطين دولة مراقب شأنها شأن المنظمات التي تتمتع بصفة عضو مراقب فقط.
ومع كل هذا الظلم التاريخي الذي تعرضت له فلسطين وعدد كبير من الدول العربية والافريقية ودول العالم الثالث بشكل عام، التي فشل مجلس الأمن بتركيبته الحالية من إنصافها طوال تلك المدة، بل لقد اتُّخذت قرارات دولية مجحفة وظالمة من قبل هذا المجلس بحق كثير من دول العالم المستضعفة، أملتها مصالح الدول الكبرى وأطماعها، أمام هذا الواقع، أتساءل؟ لماذا لم تقم هذه الدول المستضعفة التي يذهب تصويتها أدراج الرياح دائماً رغم أنها تمتلك الأغلبية التي تتجاوز الثلثين، في حين يحترم صوت وحيد لدولة واحدة، لأنها عضو يملك حق النقض، لماذا لم تقم هذه الدول وهي الأغلبية بالانسحاب من هذا الكيان الأممي الذي لم يحقق لها أمناً ولا سلماً، بل ربما كان سبباً في احتلال أراضيها وقتل شعوبها ونهب ثرواتها، كما حدث لفلسطين والعراق وأفغانستان، وعدد كبير من الدول التي عانت الظلم والقهر، من سياسات الدول العظمى المستبدة بالقرار الدولي، لماذا لم تقم تلك الدول وهي أكثر دول العالم بتأسيس كيان عالمي جديد، قائم على مبادي العدل والنصاف واحترام الإنسانية وكرامة الانسان؛ ليحقق ما عجزت عن تحقيقه الجمعية العامة للأمم المتحدة وفشلت كما سابقتها عصبة الأمم؟ ألم يحن الوقت لهذه الدول أن تتحرر من هذا القيد الذي فرضته عليها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية منذ حوالي 76 عامًا.
الجمعية العامة للأمم المتحدة تأسست بخمسين دولة فقط، خلفاً لعصبة الأمم التي اعتبرت فاشلة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين لعدم قدرتها على منع الحرب العالمية الثانية من الاندلاع، فهل نشهد كياناً دولياً جديداً يخلف الجمعية العامة، يقوم على أسس واعتبارات تحقق حلم البشرية في الأمن والسلم والرفاهية والعدل والإنصاف ونحن في العام 2021م؟