إنطلقت القافلة من معبر رفح البري باتجاه القاهرة، نحو عشر سيارات تحمل وفود الفصائل الفلسطينية لحوار القاهرة، طول الطريق يفرض على القافلة أن تتوقف بعد نحو ثلاث ساعات من السفر المتواصل للراحة، ولكن لم تكن هناك وسائل راحة في ذلك الطريق الموحش، فتوقفت القافلة إلى جانب إحدى ثكنات الجيش؛ ليتسنى لأعضاء الوفود نيل قسط من الراحة، لاسيما أن عدد منهم من كبار السن الذين لا يحتملون كثيراً وعثاء السفر.
توقفت السيارات والتقى ركباها على غير ترتيب، وقوفاً على الأقدام في حلقات متناثرة في صحراء سيناء الموحشة والمترامية الأطراف.
كنت أحد الواقفين في حلقة ضمت بعض من وفد حماس وممثلي معظم الفصائل، وكان الجميع قد التف حول نائب رئيس حركة حماس في غزة الدكتور خليل الحية، ودار النقاش حول منظمة التحرير والانتخابات الفلسطينية وتوقعات الفصائل حول مآل الأمور وما هي المعوقات وما هي المخارج، كان من اللافت أن جميع ممثلي الفصائل الفلسطينية لديهم توجه بضرورة السير قدماً في الانتخابات طريقاً للوحدة الفلسطينية، ومطلباً جماهيرياً عامّاً لعموم الشعب الفلسطيني، إلا أن بعضاً منهم أبدى تخوفه من أن يكون تدخل الاحتلال في الانتخابات ومنعه لإجراء الانتخابات في القدس، سبباً لتأجيل الانتخابات أو إلغائها، فتوجه الجميع بأنظارهم للدكتور خليل الحية، وكأنهم يستنطقونه رأيه في هذه المعضلة الوطنية التي قد تودي بعملية الانتخابات كلها في مهب الريح، ولكن خرجت كلمات من فم الدكتور خليل لتثبت موقفاً مشهوداً لحركة حماس أمام الفصائل الفلسطينية يشهد عليه جميع من حضر منهم، إذ قال الدكتور خليل "نحن مصرون على إجراء الانتخابات في القدس وسنتحدى الاحتلال في ذلك، وإن حركة حماس مستعدة لتقديم خمسمائة شهيد بل ألف شهيد من أجل القدس، ولنجعل من هذه القضية حالة اشتباك مع الاحتلال، وليشهد العالم بأسره أننا مستعدون لبذل الدماء والأرواح دفاعاً عن القدس".
كانت كلمات الدكتور خليل بمنزلة النار التي أحرقت وساوس الشيطان في رؤوس ممثلي الفصائل، فسادت حالة من الصمت برهة قصيرة، ثم دارت حلقة النقاش مرة أخرى في مواضيع شتى، منها ما هو سياسي ومنها ما هو غير ذلك، في جو من الود الاجتماعي الذي أوجده طول العلاقة بين هؤلاء الساسة على الرغم من إختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية.
إنتهت مدة الإستراحة على قارعة الطريق، أو إن شئت قل أُنهِيتْ فالجو شديد البرودة في هذا العراء غير المتناهي، وركب الجميع سيارتهم وعادت القافلة لتشق طريقها صوب القاهرة.
مما سبق أستطيع أن أسجل بعض الملاحظات:
أولاً: أزعم إن قادة وممثلي الفصائل الفلسطينية ينظرون لحركة حماس كرأس الرمح الذي يشق الطريق، لتلجه الفصائل من بعدها، وهذا الأمر يجعل من حماس قائداً طبيعيّاً للعمل السياسي الفلسطيني، وهي المؤثر الأكبر والرئيس في الحالة السياسية الفلسطينية.
ثانياً: يدرك قادة الفصائل أن حماس تمثل المستقبل بقوتها التنظيمية وتأثيرها السياسي، وهم مدركون تماماً أنها في حالة تسلم لقيادة المشروع، وهم ينضون شيئاً فشيئاً تحت قيادتها، رغم الإختلاف في الرأي السياسي.
ثالثاً: يدرك ممثلو الفصائل أن حماس رغم إلتزامها الفكري الذي ينعكس -لا شك- على أدائها السياسي، لديها من المرونة السياسية ما يمكنها من استيعاب جميع فصائل العمل الوطني من خلال برنامج وطني جامع قائم على التناقض مع الاحتلال.
رابعاً: أزعم أن حركة فتح قد شاخت، وهذا الأمر يدركه قادتها وكوادرها، ولكن يعز عليهم _وهذا حقهم_ فقدان مركز الصدارة في العمل السياسي والتنظيمي الفلسطيني، ولكن أقول لهم لا ضير ولا تثريب عليكم، فهذه طبيعة العمل السياسي، ولذلك أظن أنه من الضروري أن تتأقلم حركة فتح مع الحالة السياسية الفلسطينية الجديدة التي أنتجها الواقع الفلسطيني الذي دفع بقوى المقاومة للصدارة على حساب القوى الأخرى لتتزعمها، خصوصاً مع فشل المشروع السياسي لها منذ مدة من زمن رغم كل محاولات انعاشه.
خامساً: على حركة حماس أن تتصرف الآن وفقاَ لهذه المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها كقائد للمشروع الوطني الفلسطيني، وذلك يفرض عليها أن تحدد أهداف واضحة للمرحلة المقبلة تعمل على تحقيقها من خلال وحدة الصف الفلسطيني الذي تقوده اليوم فالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لم يعد له أمل بعد الله إلا أنتم.
اسطنبول في 21/3/2021م