يديعوت أحرونوت - رون بن يشاي
ترجمة حضارات
هل أضاعت إسرائيل فرصة في سوريا؟
قال وزير رفيع في الحكومة الإسرائيلية اليوم إن "إسرائيل" ارتكبت خطأ عندما لم تتحرك للإطاحة بالأسد ونظامه عندما كان ذلك ممكنا".
في رأيه، في السنوات الخمس الأولى من الحرب الأهلية، كان من الممكن التسبب في فقدان النظام الشيعي العلوي بقيادة الأسد للسلطة، وبذلك يتم بتر ذراع مركزي وخط أنابيب الأكسجين التشغيلي واللوجستي للأخطبوط الإيراني ومبعوثيها.
ويعتقد المسؤول نفسه أنه لو كانت الحكومة الإسرائيلية قد قررت مساعدة المتمردين السوريين غير الجهاديين وعملت بنفسها في قنوات سرية، وكل هذا قبل تدخل الروس في سوريا، لكان نظام "جزار دمشق" قد سقط.
ولكانت النتيجة أن وضعنا الأمني في الساحة الشمالية الشرقية (لبنان وسوريا) أمام المحور الشيعي الراديكالي كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.
سوريا وحدة عسكرية وصناعية وعلمية ولوجستية مهمة للغاية في خط القوات الموالية لإيران؛ لذلك، إذا أسقطنا الأسد، يحل محله نظام جديد تدعمه الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة في دمشق، ويمكن توقيع اتفاق سلام معه دون مغادرة الجولان.
لا بد من القول إن الفضل في ذلك للمسؤول الكبير، الذي يتمتع بخبرة أمنية وسياسية مثيرة للإعجاب، أنه دعا وحاول إقناع أن التدخل في سوريا يجب أن يتم في الوقت الفعلي، بالفعل في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية.
كان لدى هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أيضًا مجموعة كبيرة من كبار المسؤولين الذين أيدوا مبادرة إسرائيلية للإطاحة بالأسد ونظامه، ولكن كان هناك أيضًا مجموعة أقل إثارة للإعجاب يعارض مثل هذه الخطوة.
كانت حجج أولئك الذين يعارضون تحركًا إسرائيليًا مباشرًا للإطاحة بالأسد، أو تقديم مساعدات ضخمة للمتمردين لتحقيق هذا الهدف مقنعة.
بشكل أساسي، الادعاء بأنه لا يمكن لأحد أن يضمن أن كيان أو تحالف المنظمات والكيانات السياسية التي ستصل إلى السلطة بدلاً من الأسد ستكون أقل عداءً وخطورةً "لإسرائيل" من إيران. على العكس من ذلك، فإن البديل الجهادي الذي ظهر في سوريا في ذلك الوقت لم يكن أقل تهديدًا من آية الله الإيرانية.
كما لعبت تجربة "إسرائيل" السيئة في حرب لبنان الأولى دورًا رادعًا. أريك شارون بدأ تلك الحرب لطرد النشطاء الفلسطينيين من لبنان.
لقد خطط شارون أنه بعد تحقيق هذا الهدف (الذي تحقق بالفعل)، سيحكم حلفائنا المسيحيين بقيادة بشير جميل على أرض الأرز ثم يوقع اتفاقية سلام معهم.
أحبط السوريون الخطوة الاستراتيجية اللامعة لشارون بعبوة ناسفة قتلت البشير وبعثرت الأوراق الإسرائيلية.
حزب الله، الذي تأسس بمساعدة إيران كحركة مقـــاومة للاحتـــلال الإسرائيلي، استولى على لبنان والباقي معروف.
الدرس هو أنه في الشرق الأوسط يمكنك الركوب لفترة محدودة على ظهر النمر، لكن لا يمكنك معرفة إلى أين سيأخذك ومتى ستسقط. لقد تعلم الجيش الإسرائيلي الدرس وطبقه لتقويم الخيارات على الساحة السورية.
في السنوات 2012-2013، عندما كانت الانتفاضة في سوريا في مهدها، بدت نافذة الفرصة للإطاحة بالنظام في دمشق مفتوحة على مصراعيها، لكن حتى ذلك الحين، امتلأت الساحة السورية بمئات الميليشيات السنية وتنظيمات المتمردين، التي يعمل بعضها فقط بالتعاون مع الجيش السوري الحر، وهو منظمة تطوعية علمانية إلى حد كبير أنشأها كبار الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش السوري، وسرعان ما تولى الجهاديون زمام الأمور، ودفعوا جانباً بـ "الجيش السوري الحر" المعتدل، وتولوا قيادة التمرد بقوة السلاح.
إن الانقسام وعدم وجود قيادة واضحة بين المتمردين وعد بشيء واحد فقط في حال سقوط النظام فوضى مزمنة وانعدام حكم قد يستمر لسنوات حتى بعد هدوء الثورة، ونزاعات دموية بين الثوار وأنفسهم، وبينهم وبين العلويون، الذين حُشروا في الزاوية وأجبروا على القتال من أجل حياتهم.
كان من الممكن أن يتضاءل خطر التهديد الإيراني، لكن مثل هذا الوضع يجتذب عناصر قاتلة تزدهر في ظل ظروف انعدام الحكم. إن الخطر الذي يمثله "الجهاد العالمي القاتل" والإخوان المسلمون على "إسرائيل" لا يقل خطورة وربما أكثر من ذلك عن التنافس الشيعي.
على الأقل هذا ما كان يبدو عليه في ذلك الوقت، عندما لم تكن داعش في سوريا قد وصلت بعد إلى ذروة قوتها، وكان التنظيم الحاكم في القبة هو القاعدة.
ثم، في عام 2014، استولى داعش على المنطقة ووصل الروس في عام 2015. أُغلقت نافذة الفرصة لإسقاط النظام واستبداله بجهة أكثر ودية.
الفشل الأمريكي والرسالة للإسرائيليين
كما كان هناك العديد من العناصر في الساحة الدولية وفي "إسرائيل" مثقفون ورجال دولة وسياسيون من اليسار، قالوا إن "إسرائيل" لا تستطيع أن تقف جانباً عندما يقتل جارها، جزار دمشق، مواطنيه.
حتى لو استجابت "إسرائيل" لهذه العناصر لأسباب أخلاقية وإنسانية، فإن العناصر الدولية والإقليمية ستمنع ذلك، إيران وروسيا والصين ساعدت النظام، تركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن ساعدت مجموعات متمردة مختلفة.
هذه العناصر ما كانت لتسمح "لإسرائيل" أن تصوغ الوضع في سوريا كما ترغب، وكانوا يجهزون لنا الطبخة بالتعاون مع الرئيس أوباما.
بالمناسبة، فشلت إدارة أوباما مرتين في سوريا بطريقة مخزية، ذات مرة عندما حاول عناصر من وكالة المخابرات المركزية والجيش الأمريكي تجهيز وتدريب الجماعات السنية المتمردة لهزيمة النظام، أخذ السوريون المعدات لأنفسهم أو باعوها.
والمرة الثانية عندما أعلن أوباما أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدي إذا تبين أن الأسد يستخدم أسلحة كيماوية ضد مواطنيه، عندما أجبرت وسائل الإعلام الدولية و"إسرائيل" الرئيس الأمريكي على الاعتراف بحقيقة أن الجيش السوري كان يقتل بالفعل مئات المدنيين والأطفال بغاز السارين، امتنع أوباما عن التحرك في اللحظة الأخيرة ومرر الكرة إلى بوتين.
سارع الروس إلى تحقيق نصر دبلوماسي مدوي عندما أجبروا الأسد على تسليم الأسلحة الكيماوية إلى هيئة دولية ترعاها الأمم المتحدة.
وبذلك تم تدمير 95٪ من مخزون الأسلحة الكيماوية لدى جيش الأسد، وكذلك المواد الأولية لإنتاج الغازات القتالية الموجودة في مخزون الصناعة العسكرية. على الرغم من أن الأسد استخدم الغاز القتالي عدة مرات، إلا أنه كان أقل فتكًا وبجرعة مخففة، اكتسب بوتين مكانة دولية هائلة على حساب أوباما، وأرسى مكانة روسيا كقوة عالمية موازية للولايات المتحدة.
باستثناء مواطني سوريا، كانت "إسرائيل" المستفيد الأكبر من تدمير الاحتياطيات الهائلة من الأسلحة الكيميائية السورية، وكانت هذه إحدى الفوائد العظيمة التي حصلنا عليها من الحرب الأهلية دون تساقط شعرة على جندي أو مواطن إسرائيلي.
لكن الدرس كان واضحا، إذا فشلت الولايات المتحدة في تحركاتها في سوريا، فمن المحتمل ألا يكون أمام "إسرائيل" فرصة.
الحجة الأخرى التي ستنشأ دائمًا في نهاية الجدل حول إجراءات الإطاحة بنظام الأسد هي أنه سيكون من الأفضل لنا أن تُحكم دمشق من قبل الأسد الضعيف، بدلاً من جهة أو تحالف من عناصر غير متوقعة التصرف تعمل بدافع الحماسة الدينية المتعصبة.
الخطوط الحمراء "لاسرائيل"..
وبحسب التقارير، في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، قام الجيش الإسرائيلي بعمل معمق في مقر قيادته، تم عرض نتائجه على رؤساء جهاز الدفاع والمستوى السياسي، في نهاية العملية التي جرت سرا، تبنى رئيس الوزراء نتنياهو الاستراتيجية التي أوصت بها مؤسسة الدفاع. مع إطالة الحرب في سوريا وتغير خصائصها، تضاف عناصر إلى هذه الاستراتيجية وتُطرح عناصر أخرى.
وفقًا للاستراتيجية المعتمدة، تقرر عدم قيام "إسرائيل" بعملية أو حملة لإسقاط النظام في سوريا، ولن تتدخل استراتيجيًا لقلب الموازين لصالح أحد الأطراف أو اللاعبين في الحرب الأهلية السورية.
كان القرار هو اتباع استراتيجية عسكرية واستخباراتية وسياسية لفرض الخطوط الحمراء التي أعلنتها "إسرائيل" كعنصر أساسي لأمنها القومي.
بنفس القدر من الأهمية، تنفيذ هذا النشاط الهجومي بفاعلية ودون جر "إسرائيل" إلى الحرب في سوريا أو لبنان، أو بلغة الجيش الإسرائيلي "تحت عتبة الحرب".
تغيرت الخطوط الحمراء بشكل طفيف في السنوات العشر الماضية تماشيا مع تطورات الحرب وعلى الساحة السياسية، ولكن هذه هي النسخة الأخيرة:
- إن أي انتهاك لسيادة "إسرائيل" وأمن مواطنيها سيقابل برد مؤلم هدفه ردع الجناة وخاصة مرسليهم ومن يرعونهم ومنحهم منطقة للعمل منها.
- منع استخدام سوريا للأسلحة غير التقليدية (الكيميائية) ومنع نقلها إلى لبنان.
- منع أو تعطيل نقل الأسلحة النوعية (ما نسميه "كاسر التوازن") من إيران إلى سوريا ولبنان، وكذلك منع وتعطيل نقل الأسلحة عالية الجودة من الجيش السوري وصناعته العسكرية إلى لبنان. هذا من أجل منع تعزيز، وتحسين قدرات حزب الله أو المبعوثين الإيرانيين الآخرين ومنع الأضرار المدمرة للجبهة الداخلية المدنية والعسكرية في "إسرائيل".
- منع أو تعطيل نقل الأسلحة من إيران إلى لبنان وسوريا (بشكل أساسي صواريخ أرض جو المتطورة) التي يمكن أن تعرض للخطر وتحد من حرية "إسرائيل" في العمليات الجوية وتفوقها الاستخباراتي في الساحة الشمالية.
- منع إقامة جبهة إيرانية ضد "إسرائيل" في سوريا على غرار الجبهة التي أقامها حزب الله في لبنان بمساعدة إيرانية.
- منع إنشاء جيش إرهابي معادي "لإسرائيل"، جهاديين سنة ومبعوثين شيعة إيرانيين بالقرب من الحدود مع "إسرائيل" بطريقة تسمح لهم بتنفيذ عمليات "إرهابية" عبر الحدود على حين غرة.
- منع وتعطيل إنشاء واستخدام الممر البري من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان، والذي سيخدم الاستعدادات اللوجستية والعملية لإيران ومبعوثيها للحرب ضد "إسرائيل".
يتم تنفيذ هذه الخطوط الحمراء بوسائل حركية و "ناعمة" (مثل الإنترنت على سبيل المثال)، سراً، وفي كثير من الأحيان دون تحمل المسؤولية. يتحمل الجيش الإسرائيلي
المسؤولية إذا كان يخدم الجانب الواعي والدبلوماسية العامة للحرب على التوسع الإيراني.
تجري المعركة في كل مكان تقريبًا في الشرق الأوسط حيث تتجاوز إيران ومبعوثيها الخطوط الحمراء التي رسمتها "إسرائيل".
هذا النشاط هو في الواقع حرب أو معركة استراتيجية في حد ذاتها، تقوم بها "إسرائيل" بشكل استباقي. في الجيش الإسرائيلي، تُعرف باسم المعركة بين الحروب.
الأدوية والبطانيات والتسليح الخفيف
رغم كل ما سبق، قررت "إسرائيل" العمل على خلق قنوات تعاون مع معارضي النظام في سوريا، لا سيما في المناطق القريبة من الحدود مع "إسرائيل"، من أجل تحقيق أربعة أهداف رئيسية:
- الهدف الأول: هو منع وقوع كارثة إنسانية في المنطقة القريبة من الحدود الإسرائيلية، وخاصة منع تدفق المواطنين السوريين والفلسطينيين الذين سيصطفون على السياج الحدودي في الجولان، وربما في لبنان، ويطالبون باللجوء الى "إسرائيل".
وهذا مشابه لما حدث في تركيا والأردن ولبنان التي اجتاحتها ملايين المواطنين السوريين الذين فروا من بلادهم وخلقت أزمة اقتصادية وصحية في البلدان التي منحتهم اللجوء.
هناك تلميح قوي إلى وجود مثل هذا الاحتمال في حادث وقع في شمال الجولان في عام 2011، عندما اخترق عشرات الفلسطينيين السياج الحدودي في "يوم النكبة" ودخلوا الأراضي "الإسرائيلية".
- الهدف الثاني: كان مساعدة المليشيات المحلية، بقليل من التسليح الخفيف، لحماية القرى والبلدات والسكان في المناطق القريبة من الحدود مع "إسرائيل"، من نظام الأسد وحزب الله والمنظمات الجهادية التي تضايقهم؛ وذلك لمنع إقامة عناصر إرهابية ومبعوثين إيرانيين بالقرب من السياج الحدودي، وإنشاء منطقة عازلة بين "إسرائيل" والجهات المعادية "لإسرائيل" التي تعمل ولا تزال تعمل في سوريا.
- الهدف الثالث: كان الهدف المهم الآخر الذي سعت "إسرائيل" إلى تحقيقه من خلال مساعدة العناصر السورية المحلية هو تعطيل إنشاء جبهة إيرانية أخرى ضدنا في سوريا وتحذير وإحباط بدء إرهاب حدودي، سواء من جانب مجموعات الإسلام الجهادي السني داعش والقاعدة (من خلال جبهة النصرة)، أو من جانب الأعداء اللدودين حزب الله والميليشيات الشيعية العاملة في مهمة إيران.
- الهدف الرابع:كان خلق نوايا حسنة وعلاقة إيجابية وعاطفية وأيديولوجية وسياسية مع مجموعات من الشعب السوري، والتي ستكون في الوقت المناسب بمثابة بنية تحتية للتواصل والتعاون المدني مع نظام مستقبلي يقوم في سوريا يومًا ما.
كانت مساعدة القرويين في الجولان السوري وجبال الدروز ذات طبيعة إنسانية بشكل أساسي. الرعاية الطبية المدنية المنقذة للحياة لكبار السن والرعاية الطبية الوقائية والمنقذة لحياة للأطفال والأدوية والمواد الغذائية والضروريات المعيشية الأساسية مثل البطانيات والوقود للتدفئة الشتوية التي مرت عبر ثلاث بوابات في السياج.
شاركت ثلاث منظمات غربية متطوعة مع "إسرائيل" في العملية الإنسانية التي أجريت على جانبي السياج. وقد أقامت إحدى هذه التنظيمات مستشفى ميدانيًا كبيرًا في الأراضي السورية، تم تفكيكه عندما استعادت قوات الأسد السيطرة على منطقة القنيطرة.
ركزت مساعدة الميليشيات السنية المحلية في المقام الأول على توفير الرعاية المنقذة للحياة لمواطنيها الذين أصيبوا بجروح خطيرة في المعاركK ولهذه الغاية، أنشأت "إسرائيل" مستشفى ميدانيًا بالقرب من السياج الحدودي في الجولان، حيث تلقى الجرحى العلاج الأولي وبعد استقرار حالتهم يتم إجلاؤهم في معظم الحالات لمزيد من العلاج وإعادة التأهيل في المستشفيات الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، نقلت "إسرائيل" للميليشيات كميات قليلة جدًا من الأسلحة والأسلحة الصغيرة، لمساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد الأعداء المشتركين الذين كانوا يحاولون الاستيلاء على قراهم. إن المنشورات في وسائل الإعلام العبرية والأمريكية والبريطانية، التي كشفت المساعدات العسكرية الإسرائيلية المحدودة للميليشيات السنية في مرتفعات الجولان، بالغت بشكل كبير في توصيفها وتقديراتها لمدى تأثير هذه المساعدات وأثرها أو عدم تأثيرها يعتمد ذلك على أجندة مصدر القصة، وعلى سير الحرب الأهلية.
تم الكشف عن هذه المعلومات في الغالب كجزء من حملة دعائية يقوم بها النظام السوري بهدف نزع الشرعية عن القرويين الثوار الذين اتهموهم بـ "التعاون مع العدو الصهــــيوني ضد شعبهم". كما يشن الجانب الآخر، الجهاديون والأكراد السوريون، حربًا إعلامية لمنع أو تقليص المساعدات الإسرائيلية لخصومهم.
مطالبات سورية للتدخل الإسرائيلي
قصة الدروز هي قصة غريبة بشكل خاص، حتى في عش الثعبان الملتوي في الحرب الأهلية السورية. في بداية الانتفاضة، كان معظم القادة الدروز يميلون إلى الجلوس على السياج؛ بل وأعربوا عن تعاطفهم مع جهود بقاء النظام، الذي ينتمي قادته إلى الأقلية الشيعية العلوية.
كانت المصلحة المشتركة بالنسبة لهم ولأفراد الأقليات العرقية والدينية الأخرى في سوريا هي الخوف من المتمردين السوريين، الذين تنتمي الغالبية العظمى منهم، باستثناء الأكراد، إلى التيار السني المسلم. وعلى وجه الخصوص، خشي الدروز والأقلية من المتعصبين وأعضاء التنظيمات الجهادية العالمية وجماعة الإخوان المسلمين الذين يسعون للانتقام. لقد رأوا في الحرب الأهلية فرصة للانتقام من النظام البعثي وعائلة الأسد الذين ذبحوهم في الثمانينيات، وفي الوقت نفسه "تطهير" سوريا من التيارات الإسلامية الأخرى والمسيحيين الآخرين الذين كانوا في نظرهم كفارًا ووثنيين.
ومع ذلك، عانى الدروز كثيرًا من النظام الذي أساء إليهم أيضًا، لذلك على سبيل المثال لم يكن هناك من يمتثل لأوامر التجنيد التي أرسلها الأسد إلى شبابهم عندما انشق الجنود والقادة السنة بالآلاف من الجيش في بداية الانتفاضة.
ونتيجة لهذه المصالح المتضاربة، نشأ وضع محير كان هناك دروز على جانبي الحاجز. حتى أن عددًا من أعضاء قرية خضر الدرزية، مثل أفراد القرى الدرزية الأخرى في منطقة الشيخ، انضموا إلى الخلايا الإرهابية التي جندها حزب الله اللبناني في سوريا، مستغلين فوضى الحرب الأهلية لتنفيذ هجمات حدودية في "إسرائيل". في هذه الهجمات، أصيب عدد من جنود الجيش الإسرائيلي وقتل دروز.
لكن عندما اقترب الجهاديون السنة أو قوات النظام وهددوا باحتلال قراهم في منطقة الشيخ، ثم لاحقًا أيضًا على جبال الدروز، تم تذكرهم فجأة في "إسرائيل".
كانوا يأملون في أن يتمكن إخوانهم الدروز الإسرائيليون، الذين كان لديهم تحالف دم شجاع مع اليهود وخدموا في مناصب رفيعة في الجيش الإسرائيلي، من إقناع الحكومة الإسرائيلية والضغط عليها للتدخل عسكريًا في الحرب الأهلية، وحتى إرسال قوات برية لقلب كفة الميزان لصالحهم.
انضم عدد غير قليل من المواطنين الإسرائيليين ذوي النفوذ إلى "الحملة الإجبارية" للدروز السوريين، لكن دون جدوى.
التزمت حكومة "إسرائيل" بقرارها الاستراتيجي بعدم التدخل في الحرب الأهلية، وقبلت أيضًا توصية الجيش الإسرائيلي، والتي جاءت في سياق مماثل من بين أمور أخرى؛ بسبب السلوك العدائي لبعض الدروز السوريين، وحقيقة أن قادة المجتمع لم يحاولوا جاهدين إيقافهم وسارعوا بالعودة إلى أحضان نظام الأسد كلما وحيثما أمكن ذلك.
كانت قصة مختلفة مع الأكراد، كما أرسلوا أشخاصًا ليطلبوا من "إسرائيل" مساعدتهم، لكن على عكس الدروز، لم يرغبوا في أن يتدخل الجيش الإسرائيلي عسكريًا لصالحهم في الحرب الأهلية، ولكن بشكل أساسي "لإسرائيل" للتأثير على صناع القرار في واشنطن لمساعدتهم.
هنا لم تبالغ وسائل الإعلام الغربية والعربية في تقدير أهمية اللوبي الذي تديره "إسرائيل" للأكراد والعرب الذين ثاروا وأقاموا حكماً ذاتياً في شمال سوريا وشرقها شرق نهر الفرات على بعد مئات الكيلومترات من الحدود مع "إسرائيل".
ابتداءً من عام 2014، سحبت الولايات المتحدة، بتوجيه من الرئيس أوباما، رعايتها لقوات سوريا الديمقراطية ("قوات سوريا الديمقراطية" التي كان مصدرها الرئيسي وحدات حماية الشعب الكردية)، وبفضل الضغط الإسرائيلي، لم يسحب الرئيس ترامب القوات الأمريكية من سوريا كما أمر بالفعل.
بفضل هذا، يسيطر الأكراد الآن، بمساعدة أقل من ألف جندي أمريكي، على ربع الأراضي السورية وعدة جيوب استراتيجية في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد. يمكن الافتراض أن هذه الحقيقة تخدم أيضًا مصالح "إسرائيل" الأمنية بشكل جيد، وبحسب تقارير إعلامية أجنبية، اشترت "إسرائيل" أيضًا نفطًا رخيصًا من آبار النفط الموجودة في هذه المنطقة، والتي كان يسيطر عليها النظام سابقًا ويستغلها الأكراد الآن كمصدر دخل.
إنجازات "إسرائيل" وأخطائها
ما الذي حققته الاستراتيجية التي استخدمتها "إسرائيل" في سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية العشر؟
في المجال الأمني
الجيش السوري اليوم ضعيف ومنهك، ولن يشكل تهديدا خطيرا "لإسرائيل" لسنوات مقبلة، رغم أنه اكتسب خبرة قتالية وحصل على معدات حديثة من روسيا. تعمق اقتحام المخابرات الإسرائيلية لسوريا.
تعمق اقتحام المخابرات الإسرائيلية لسوريا
تتمتع "إسرائيل" حاليا بتفوق استخباراتي في أراضي سوريا والدول المجاورة، مما يجعل من الممكن التحذير من النوايا العدائية والأنشطة الاقتصادية والتخريبية السرية لإيران وغيرها، وليس فقط للردعأيضًا للإفشال، تنجح "إسرائيل" بالمثل في تعطيل أنشطة العناصر الجهادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
على الجانب السلبي، تجدر الإشارة إلى الخبرة القتالية والقدرات الاستخباراتية والعملياتية الهجومية التي اكتسبها حزب الله نتيجة مشاركته في الحرب في سوريا، يمكننا الافتراض أننا سنواجه هذه القدرات المحسنة في حرب لبنان الثالثة، إن حصلت، لكن من المحتمل أيضًا أن يؤدي سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى على يد التنظيم الشيعي في سوريا إلى تخفيف شهيته لمغامرات قتالية مستقبلية.
بالإضافة إلى ذلك، عطل الجيش الإسرائيلي بشكل كبير وأبطأ استخدام الأسلحة عالية الج
ودة من قبل سوريا وحزب الله.
كما أن إقامة جبهة إيرانية إضافية ضدنا على الأراضي السورية تسير بوتيرة أبطأ بكثير مما خطط قاسم سليماني قبل القضاء عليها.
لكن الإيرانيين لم يرتدعوا وهم يواصلون جهودهم. تتواصل الجهود الإيرانية لتحسين دقة الصواريخ الباليستية وتكتسب زخماً، فضلاً عن تسلح حزب الله بالطائرات بدون طيار وصواريخ كروز. الممر البري من طهران إلى دمشق وبيروت نشط وإن لم يكن بشكل كامل، وتتواصل عمليات نقل أنظمة مضادة للطائرات إيرانية الصنع إلى سوريا ولبنان، كما تسارعت المؤسسة المدنية الإيرانية في سوريا.
في المجال السياسي: يمكن "لإسرائيل" أن تسجل إنجازًا عندما نجحت في إنتاج تعايش وظيفي واتخاذ إجراءات لمنع الاحتكاك والتصعيد مع القوة العسكرية الروسية التي تحمي نظام الأسد. هذا التعاون الذي يقوم على مبدأ "لا تضر بمصلحتي وعناصري ولن أضر بمصالحكم"، استفادت "إسرائيل" بالشكل الأمثل من مجالات أخرى، ولا تزال اليد ممدودة.
لكن يجب الاعتراف بأن الوجود الروسي في سوريا يقيد بشكل كبير حرية العمل هناك، وفي وقت الحرب يجب أن نكون حذرين بشكل مضاعف.
روسيا، التي حولت الحرب الأهلية السورية إلى ميدان تجريبي للصواريخ والأسلحة الجوية من منتجاتها، تزود الجيش السوري بأحدث المعدات، بعضها "يتدفق" إلى حزب الله في لبنان.
من المهم أن نلاحظ أن القرب الجغرافي بين "إسرائيل" ومنشآتها الحساسة والقوات الروسية في سوريا يسمح لرجال بوتين بجمع معلومات استخبارية عنا، بل وربما يقومون بعمليات هجومية عبر الإنترنت ضدنا بسهولة أكبر.
خلاصة القول، يبدو أن استراتيجية "إسرائيل" في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية أثبتت نفسها رغم أنها لم تحقق كل أهدافها.
من المشكوك فيه أن تكون "إسرائيل" قد صممت نظامًا أكثر راحة في دمشق من شأنه أن يطرد الإيرانيين من سوريا، يعد حدوث اضطراب كبير في نوايا إيران وجدولها الزمني، دون التورط في الحرب، إنجازًا جيدًا بما فيه الكفاية.