مراسم يوم الذكرى البديلة تتجاهل النكبة

هآرتس-جنان بسول

ترجمة حضارات


عُقدت البارحة وبمبادرة منتدى العائلات الثكلى ومقاتلون من أجل السلام، مراسم يوم الذكرى الإسرائيليّ – الفلسطيني المشترك.

 لا شك أن هذه الجهود مباركة، فهدفها الاعتراف بمعاناة وفقدان الطرفين، لكن وبالرغم من أهميتها كفعل تقريب وعلاج، إلا أنها ترسّخ أحداث عام 1967 كنقطة انطلاق تاريخية لكلّ حوار وحلّ سياسي، وعليه تتجاهل النكبة، احتلال عام 1948، مصادرة الأراضي وغيرها.

اعتمد القاموس السياسي الإسرائيلي ومع احتلال الضفة الغربية عام 1967 مصطلح "الاحتلال"، وتحوّل هذا المصطلح مباشرة لمصطلح - بشكل ممنهج أو غير ممنهج - لمصطلح يعفي "إسرائيل" من مسؤوليتها عن فظائع أحداث عام 1948 التي شملت مذابحًا، تهجيرًا، مصادرة أراضٍ، نهب قوافل المهجّرين الذين كانوا في طريقهم إلى المجهول، لكن لم تتوقف "إسرائيل" عن ممارساتها هذه، بل استمرت بالقيام بها خلال العقد الأول من قيامها، بل وأصبحت أكثر ظلما وإجحافا في ظلّ الحكم العسكريّ. يعتبر الرأي العام الإسرائيليّ هذه الممارسات اضطرارية بل أفعالا لم يكن هناك مفر من القيام بها، رغم المعاناة والأثمان الباهظة التي سببتها للفلسطينيين.

تثير النكبة وحوار حدود 48 مخاوف ورعب الرأي العام الإسرائيليّ، وذلك لأن معناها بأذهانهم إبادة دولتهم و"رميهم بالبحر"، لكني أنوه، لا يتجاهل خط التفكير هذا المأساة التي حلّت بالفلسطينيين عام 48 فحسب، بل يُقصي الفلسطينيين مواطني دولة "إسرائيل" الذين غيّرت النكبة حياتهم بالكامل عن الأحداث السياسية التاريخيّة الماضية والمعاصرة.

 يتجاهل اليسار الصهيونيّ الغُبن التاريخي الذي سببته أحداث عام 48، ولا يعترف بشرعية نقاشها، كما ولا يعترف بمعاناة الفلسطينيين مواطني دولة "إسرائيل".

يعزّي اليسار الصهيوني نفسه بأنّ "إسرائيل" حريصة على منح مواطنيها الفلسطينيين تعليما أكاديميا عالي المستوى (نسبيا) بالإضافة إلى مستوى معيشة عالٍ مقارنة بإخوانهم العرب في المناطق المحتلة والدول العربية. لكنه يطالب ودولته - بشكل مباشر أو غير مباشر- برد هذا "المعروف"، على صورة ولاء كامل من جانبهم، تخلٍ عن هويتهم الفلسطينيّة بل والانتماء لشعب لا يُريدهم ولا رغبة لهم بالانتماء إليه!.

لا يعتبر الفلسطينيون مواطنو "إسرائيل" أنفسهم جزءا من "شعب إسرائيل"، بل وهم غير ملزمين بذلك! لكن، يجد اليسار الإسرائيلي "المعتدل" صعوبة بالغة وتخوفا من احتواء خصوصيتهم. لا شكّ أن حصر حوار الاحتلال فقط باحتلال عام 67، يقود بأفضل حالاته إلى حالة من الإرباك وإلى تشويه لفصول مهمة ودموية من تاريخ هذه البلاد، أما في أسوأ حالاته، فيطمسها عن قصد. 
لن يحقّق تجاهل التاريخ أي تقارب أو علاج، هذه آلية - حتى من طرف من يؤمنون بضرورة الحفاظ على "يهودية" الدولة ويسعون لخلق مواطنة تحت الظروف الحالية - خاطئة، مأساويّة وقد تعود بالويلات على المجتمعين.

قد تلقى هذه المراسم المشتركة، التي تقصي بشكل ممنهج أولئك الذين فقدوا أجدادهم وذويهم، وهُجّروا خلال أحداث عام 48، القبول والترحاب لدى القائمين عليها والمشاركين بها. لكن، لا يمكن خلق تعافٍ مجتمعي بشكل انتقائي، كما ولا يمكن تجزئة القضايا السياسية الكبرى وفقا لرغبة مُسببها.

 الاعتراف بالفقدان الفلسطينيّ فِعل مهم ومطلوب، ولكنه جزئيّ. لكن، والأهم مما ذكرت أن هذه التجزئة تنطوي على خطورة واضحة، فهي تخفي بداخلها إنكارا تاما لضحايا عام 48، لأحفادهم ومعاناتهم. لا أحاول التقليل من شأن هذه المراسم، لكن يجب علي الجهات الضالعة بها استغلال قوتها وإرادتها لتفكيك التابوتات القائمة، وعلى رأسها تابو النكبة. يجب أن تقوم على هذه المراسم على الاعتراف، تحملّ المسؤولية، التعويض والاعتذار من الضحايا الذين لم يلتئم جرحهم بعد. 
قد يعتقد منظّمو هذه المراسم أنّ تابو الثّكل والفقد الفلسطينيّ شاسع وبلا حدود، بحيث لا يدع مجالا أو ضرورة لتفكيك تابوتات فقدان أخرى قد تخلق نزعات سياسية خطيرة وغير متوقعة. لكن عليهم أن يدركوا، أن الامتناع عن تفكيك هذه التابوتات، يحول هذه المراسم إلى آلية محكمة لإنكار النكبة.







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023