بقلم المستشار/ أسامة سعد
مع اقتراب لحظة الصفر لانطلاق مرحلة الدعاية الانتخابية، يشتد الجدل في الشارع الفلسطيني وخصوصا بين قادة الفصائل والأحزاب والنخب حتى رجل الشارع العادي حول قضية تأجيل الانتخابات، بعد أن قطعت العملية الانتخابية معظم المراحل التي ينص عليها قانون الانتخابات، ولم يتبق إلا مراحل الدعاية الانتخابية ثم الاقتراع والفرز وإعلان النتائج، لذلك يسود الاعتقاد بأن قرار التأجيل إذا كان سيتخذ من قبل أبو مازن، فالأرجح أن يتم قبل مرحلة الدعاية الانتخابية التي لم يتبق على انطلاقها سوى ثلاثة أيام من لحظة كتابة هذا المقال، ولكن هل يملك أبو مازن صلاحية تأجيل الانتخابات وفقا للنصوص الواردة في القانون الأساسي الفلسطيني أو في قانون الانتخابات؟
وهل يمكن اعتبار الانتخابات منحة من الرئيس تبدأ بقرار منه وتلغى أو تؤجل بقرار كذلك؟
بالعودة لقراءة نصوص القانون الأساسي ونصوص قانون الانتخابات يتضح لنا الآتي:
أولاً: إن حق الانتخاب والترشح هو حق دستوري نص عليه القانون الأساسي، حيث جاء في المادة (26) منه: "للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية: 1- تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها وفقاً للقانون. 2- تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون. 3- التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون. 4- تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص. 5- عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون."
ثانياً: حدد القانون الأساسي بشكل دقيق المدد التي يجب أن تجرى فيها الانتخابات بشكل دقيق فقد نصت المادة (47) الفقرة 3 منه على " مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية.
يتضح مما سبق ان إجراء الانتخابات في مواعيدها المقررة في القانون الأساسي هي حق دستوري للمواطنين الفلسطيني وبالتالي ليس منحة أو هبة من الرئيس يقرر إجراءها وقتما يشاء ويؤجلها أو يلغيها وقتما يشاء، وحيث أن مواد القانون الأساسي المذكورة أعلاه هي بمنزلة المواد الدستورية والمواد الدستورية بطبيعتها مواد آمرة وملزمة، وبالتالي لا يجوز تعطيها أو عدم العمل بها أو الخروج على أحكامها.
ثالثاً: التزاماً بما نص عليه القانون الأساسي فقد نص القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة في المادة (2) منه على:
يصدر الرئيس خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس مرسوما ً يدعو فيه لإجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية في فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع، وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعلن عنه في الصحف اليومية المحلية.
وكذلك أعاد قانون الانتخابات مرة أخري النص على حرية الانتخابات وطريقته ومدة ولاية المجلس التزاماً بما جاء في القانون الأساسي، ولذلك نصت المادة 4 في فقرتيها 1،2 من قانون الانتخابات علي"
2- تكون مدة ولاية المجلس أربع سنوات من تاريخ انتخابه، وتجرى الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية.
يتضح من نصوص القرار بقانون بشأن الانتخابات أن الرئيس تنحصر مهمته (التي تعتبر التزام قانوني وواجب عليه) في الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية في فلسطين، عند انتهاء ولاية أي مهما، ويحدد في مرسوم الدعوة للانتخابات موعد الاقتراع، وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعلن عنه في الصحف اليومية المحلية.
وحيث أن القانون الأساسي لم ينص بحال من الأحوال على صلاحية الرئيس بتأجيل الانتخابات بل هو ملزم بالدعوة اليها في مواعيدها التي حددها القانون الأساسي.
وحيث أن القرار بقانون بشأن الانتخابات العامة لم ينص لا صراحة ولا ضمناً على حق أو صلاحية الرئيس في تأجيل الانتخابات أو الغائها
وحيث أن المرسوم الرئاسي يأتي في مرتبة تشريعية أدني من الدستور والتشريع العادي الصادر عن المجلس التشريعي.
فلا يجوز للرئيس اصدار مرسوم بتأجيل الانتخابات لأنه لا يملك الصلاحية الدستورية أو القانونية لذلك، فضلا عن أن المرسوم الرئاسي يأتي في مرتبة أدني من الدستور والتشريع العادي وبالتالي لا يجوز للمرسوم الرئاسي أن يتعارض أو يخالف النص الدستوري أو النص القانوني أو يستحدث أحكام لم ترد في أي منهما.
قد يتساءل البعض طالما أن القانون الأساسي حدد مواعيد دقيقة لإجراء الانتخابات، وليس للرئيس أن يخالفها، فلماذا لم تجر الانتخابات طوال الفترة السابقة؟
والاجابة على هذا السؤال هو إن الرئيس كان طوال الفترة السابقة خارجاً على نصوص القانون الأساسي، ومنصرفا عن القيام بالتزاماته الدستورية التي كلفه بها القانون الأساسي بصفته الوظيفية، وهذا أمر الأصل أن يساءل عنه الرئيس أمام الجهات المختصة، ولكن أما وأن الرئيس قد نفذ التزامه الدستوري بالدعوة للانتخابات، فالأصل أن يتم الالتزام التام بأحكام القانون الأساسي من حيث المواعيد والمدد التي نص عليها، والالتزام كذلك بالوقوف عند حدود الصلاحيات والهام التي أسندها القانون الأساسي سواء للرئيس او للجنة الانتخابات، دون خروج عليها أو استحداث صلاحيات غير منصوص عليها، وإلا اعتبر ذلك مخالفة للدستور والقانون ووجب الطعن فيه أمام الجهات المختصة.