إن لم أسرقه أنا سيسرقه غيري
بقلم المستشار/ أسامة سعد
حوار دار بين مستوطن صهيوني وإحدى السيدات الفلسطينيات من عائلة الكرد المهدد بيتها بالسرقة من المستوطنين في حي الشيخ جراح، بثته قناة الجزيرة الفضائية بالأمس، تخاطب السيدة الفلسطينية المستوطن الذي سبق له أن استولى على جزء من بيت العائلة، وفرض نفسه ( كجار)، بحالة أشبه ما تكون بالذبابة التي تلتصق بإحدى زهور الربيع، لتشوه جمالها وتثير في نفس الرائي مزيج من مشاعر التقزز والغضب، يدور الحوار بين السيدة التي تخاطب المستوطن قائلة له: إنك تحاول سرقة ما تبقى من منزلي، فيرد ذاك المستوطن بكل صفاقة ووقاحة ( إن لم أسرقه أنا سيسرقه غيري)، وكأن المسالة تسابق بين هؤلاء الرعاع من المستوطنين لسرقة ما تطاله أيدهم من أملاك وأموال المواطنين الفلسطينيين، الذين شاءت إرداة الله سبحانه أن يكونوا خط الدفاع الأول للأمة العربية والإسلامية لمواجهة تهويد المدينة المقدسة، ما تلفظ به المستوطن الصهيوني هو ثقافة راسخة في أذهان هؤلاء الغرباء الذين قامت خرافة وجودهم على سرقة أملاك الشعب الفلسطيني، هذه الثقافة المُغَذاة من تعاليم تلمودهم المتغلغل في أعماق نفوسهم المظلمة، التي تستلذ بكل ما ينافي فطرة الإنسان النقية القائمة على حب الخير وكره الشر.
قصة حي الشيخ جراح ما هي إلا امتداد لجريمة سرقة الوطن الفلسطيني الذي بدأت منذ العام 1948م، حينما استولى هؤلاء الدخلاء على أملاك الفلسطينيين الذين هُجروا من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم بفعل المذابح الاجرامية التي ارتكبها المجرمون، الشيخ جراح هي حكاية جريمة مستمرة بدأت ولما تنتهي بعد، هي ذات الجريمة التي تحدث عنها الروائي الفلسطيني غسان كنفاني في روايته الخالدة عائد الى حيفا، تلك الرواية التي مازالت مشاهد أحداثها تتكرر في حياة الفلسطينيين كل يوم، دون أن يكل السارق من ممارسه هوايته ودون أن يمل الضحية من الدفاع عن حقه، هي حكاية الظلم التاريخي الذي يقع في كل لحظة على شعبنا على مرأي من العالم الذي يدعي الحضارة والإنسانية، ثم لا يتورع عن مساندة مجرم يمارس إجرامه أمام وسائل الاعلام بكل وقاحة دونما رادع من قيم أو خلاق أو قانون، حكاية الشيخ جراح هي حكاية قانون الغاب الذي لا يزال يحكم هذه لإنسانية رغم كل ما صاغته من قوانين ونظم، ورغم كل ما أقرته من أعراف وقيم، حكاية الشيخ جراح حكاية فلسطين التي تنتهك عروبتها وإسلامها كل لحظة على مرأى من العرب والمسلمين، الذين لم يتورع بعضهم عن مشاركة المجرم في ارتكاب جريمته الممتدة منذ أحداث حيفا 1948م التي كتب عنها روايته الشهيد غسان كنفاني وليس انتهاء بحي الشيخ جراح 2021م.
لم تقف وقاحة الاحتلال عند حديث المستوطن الذي يعلن عن رغبته في سرقة البيت الفلسطيني، ولكن يمتد الاجرام الصهيوني إلى ساحات ( القضاء الصهيوني) الذي يحاول أن يلقى ظلالاً من الشرعية على هذه السرقة المصرح بها، فيعطي السكان مهلة للتفاوض مع السارق، عسى أن يقبل السارق بالكف عن سعيه للسرقة ويترك العائلة وشأنها، فأي عالم هذا الذي تمارس فيه هذه الموبقات ثم لا يجد أهل الشيخ جراح على الحق نصيرا، وإمعانا ممن يسمى بالقضاء الصهيوني في ممارسة رذيلة إسباغ المشروعية على السرقة العلنية، يثبت هذا القضاء للصهاينة حقوقاً على الأرض الفلسطينية بدعوى أنهم يمتلكون أوراق ملكية في الشيخ جراح منذ القرن التاسع عشر، ويرفض هذا القضاء في نفس الوقت الاعتراف بآلاف الوثائق التي يمتلكها الفلسطينيون لأراضيهم وبيوتهم وأملاكهم، الصادرة إما عن سلطات الانتداب البريطاني أو سلطات الحكم العثماني، وكان ما يأتي به الصهيوني من وثائق هو حق بغض النظر عن كيفية الحصول عليه لمجرد أنه قدم من صهيوني، وما يأتي به الفلسطيني باطل لمجرد أنه قدم من فلسطيني، والأشد ايلاماً من هذا وذاك أن أملاك الفلسطينيين المثبتة نهبت من خلال سطوة ( تشريعات) الاحتلال، وما عرف بقانون أملاك الغائبين هو قانون سُنّ في الـعشرين من مارس\آذار 1950 ويُعرّف كلّ من هُجّر أو نزح أو ترك حدود فلسطين المحتلّة حتّى تشرين ثاني من عام 1947، من أيّ سبب كان وبالذات بسبب حرب الاحتلال، على أنّه غائب، وبهذا التعريف منح الاحتلال لنفسه بأن يكون "القيّم" على أملاك (الغائبين) ثم الاستيلاء عليها بعد أن منعهم بالقوة من العودة لأملاكهم، ورفض ولا زال يرفض تطبيق قرار حق العودة رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة.
وسوغ الاحتلال لنفسه الحق بتوزيعها على الغرباء من المستوطنين، وفي ذات الوقت يواصل سرقة أملاك من هو صامد على أرضه فيما تبقى من تراب الأرض وجدران البيوت وحتى شواهد القبور.
سيبقى الاحتلال يرتكب الجرائم بحق شعبنا حتى اليوم الأخير الذي ينتهي فيه وجوده على هذه الأرض، وسيبقى الفلسطيني صامداً على أرضه حتى للحظة الأخيرة التي سيقتلع فيها هذا المحتل، ولكن بين هذا ذاك، ترتسم معالم الحق والباطل، ويصطف خلف كل منهما من يشاء، ليشهد التاريخ شهادة الحق والعدل التي لا تدليس ولا تزوير فيها.
غزة في 5/5/2021م