هبة القدس... وحدة الشعب والأرض

أسامة سعد

مستشار قانوني

هبة القدس... وحدة الشعب والأرض
بقلم المستشار/ أسامة سعد
حقيقة لم يكن يتوقع أحد أن يكون لهبة الأقصى كل هذا التأثير على مجمل الأحداث في المنطقة، فلقد أعادت القدس لفلسطين روح القضية المتمثل في وحدة الشعب ووحدة الأرض، تحققت وحدة الشعب بالثورة التي شملت كل المدن والقرى والمخيمات العربية وفي الضفة والوطن المحتل منذ العام 48 والقدس وغزة، وحققت قوة النار المنطلقة من غزة وحدة الأرض فغطت صواريخ المقاومة خارطة فلسطين التاريخية من شمالها لجنوبها ومن بحرها لنهرها، بل لقد تجاوزت الهبة الشعبية المقدسية فلسطين لتشمل الدول العربية والاسلامية وعدد من الدول الأجنبية، ووصلت الحماسة والنخوة العربية والإسلامية بعض الشعوب أن جعلها تقتحم السياج الحدودي الفاصل بين فلسطين والأردن، وفلسطين ولبنان، وفلسطين وسوريا.
ما يحدث في فلسطين اليوم ليس تصعيداً عسكرياً تقليدياً بين غزة والعدو الصهيوني، إن ما يحدث في فلسطين يمثل عملياً بداية النهاية للمشروع الصهيوني الذي امتد لمدة 73 عاماً، وأثبت هبة القدس أن مشاريع التعايش والتطبيع مجرد وساوس في عقول بعض المنهزمين، الذين هزمتهم الخرافة الصهيونية مبكراً.
اليوم نحن كشعب فلسطين نبدأ مرحلة جديدة وأظنها ألأخيرة في مسلسل الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، بعد أن أصبح هذا الوجود متهالك البنيان متداعي الأركان وغير قابل للإستمرار، وذلك أن فكرة الكيان الصهيوني قامت على عنصرين، وهما خرافة أرض الميعاد اليهودي، والقوة العسكرية المفرطة، أما العنصر الأول قد خبت جذوته في نفوس الأجيال الصهيونية الحالية التي لم تعش مرحلة بناء الدولة، ولم تعد هذه الخرافة تشكل دافعاً وجدانياً لهم للتمسك بالأرض، بإستثناء جماعات الحراديم والمكروهة أصلاً من باقي المجتمع الصهيوني، وما وجودهم على الأرض الفلسطينية إلا لمصلحة مادية لتجمع يهودي غير متجانس ثقافياً ومتباعد عرقياً، وقد إنعكس أثر هذه الإختلاف على الحياة السياسية الإسرائيلية، حتى لم تعد الأحزاب الصهيونية قادرة على قيادة الدولة وقد اعتراها ضعف شديد على مستوى القادة والبرامج، أدى إلى تلاشي بعض الأحزاب التاريخية لديهم مثل حزب العمل المؤسس للدولة،إضافة لما ينخر هذا الكيان من فساد أدى إلي سجن العديد من القيادة الصهيونية العليا، وصلت لرئيس الدولة نفسه ورئيس وزراء سابق ووزراء، ولا زال رئيس الوزراء الحالي نتياهو يمارس كل الرذائل والموبقات للتشبث بالسلطة خوفا من الذهاب لمصيره المحتوم بالسجن.
أما على صعيد القوة العسكرية، فإن هذه القوة أصبحت رغم كل ما تحظى به من إمكانيات، أضعف من أن تحمى هذه الدولة، وتجمدت الدافعية لديهم على المبادرة،وضعفت قدرتهم على السيطرة، وأصبح أقصى طموح لهم إعادة الأمن لمواطنيهم الذي أصبح مفقوداً من زمن، وما زال يتآكل مع مرور الوقت.
فقدان عنصري وجود الدولة يعني أن مستقبلها أصبح مظلماً، ولم يعد لها مبرر وجودي، يوازي ذلك عودة الروح الفلسطينية الوثابة التي تشبعت بعشق الأرض وفدائها والتسابق للشهادة على أرضها، وكل ذلك مثل كفتي ميزان إحداهما تهوي بسرعة والأخرى تعلو بنفس القدر من السرعة، بما يرسم مشهد جديد للواقع المنظور يكاد يجمع عليه المحللون، واقع تبرز معالمه على خارطة وطن فلسطيني نقي من شوائب الحقبة الصهيونية،
لذلك أظن أنه من الضرورة أن يكون للشعب الفلسطيني الأن وعلى وجه السرعة قيادة تكون على مستوى هذه الحدث التاريخي، تستطيع أن تقود شعبنا نحو التحرير الذي تجلت إرهاصاته وتحققت شروطه، فقد أصبح السكوت على وجود "قيادة" مهزومة نفسياً منذ زمن، يشكل عقبة لابد من إزالتها، لأن بقاءها يمثل جريمة بحق شعبنا ومستقبله، بل إن وجودها حتى اللحظة يعاند حركة التاريخ التي تدور لصالح شعبنا.
أمس هو الخامس عشر من مايو، يوم أن أَعْلن عن وجوده الكيان قبل 73 عاماً، وأرى أن الدائرة قد أغلقت بهذا التاريخ على وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ونحن وأمام مرحلة جديدة بدأت بهبة القدس وثورة المدن العربية في الداخل الفلسطيني ومؤازرة غزة والضفة وإلتفاف عربي، هذه الحالة من وحدة الشعب والأرض تقول بوضوح أنه قريباً جداً، لن يكون للوجود الصهيوني أثر على أرض فلسطين . 
16/05/2021م

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023