ماذا يعني أن تبدأ غزة الحرب؟
بقلم المستشار/ أسامة سعد
تعودنا خلال الفترة الماضية أن يبدأ الاحتلال بشن الحرب على غزة كلما رأى ذلك ضرورياً لتحقيق أمنه، وكانت غزة تتصدى للعدوان بكل بسالة، وبعد أن يشعر العدو أنه حقق غايته ومراده من الحرب يطلب تدخل الوسطاء لوقف إطلاق النار.
عندما كان الاحتلال يبدأ الحرب في كل مرة، كان يأخذ قراره هذا معتمداً على ما يملكه من آلة عسكرية و نفوذ سياسي وقوة اقتصادية تمكنه من اتخاذ هذا القرار بثقة عالية، ذلك أن قرار الحرب ليس بالقرار الذي تُضمن نتائجه دائماً، وهو من أخطر القرارات التي قد تتخذها أي دولة على وجه الأرض، لأنه ببساطة في حالة الخطأ في اتخاذ هذا القرار فذلك يعني أن سيادة الدولة قد تتعرض لخطر الإنتقاص أو الزوال، وقد يتعرض إقليم الدولة للإحتلال، وكذلك قد تتعرض مصالح الدولة الاقتصادية للخطر، وما يعنيه كل ذلك من خطر محدق على المستقبل الجيوسياسي لأي دولة، ولذلك فإن قرار الحرب يمثل خطر استراتيجي وجودي على أي دولة قد لا تتخذه في الوقت والزمن المناسب.
(إسرائيل) كما ذكرنا تعودت أن تتخذ قرارات الحرب بجرئة شديدة، وذلك أن أجهزة استخباراتها كانت تمدها دائماً بالمعلومات التي تؤكد لها ضعف خصمها الشديد تجاهها، فضلاً عن كشف كل نقاط ضعفه سواء العسكرية أو الأمنية أو الاقتصادية، الأمر الذي كانت تستغله (إسرائيل) أسوأ الإستغلال، متجاوزة القوانين والأعراف والإتفاقيات الدولية في سبيل الوصول إلى مبتغاها على الطريقة الميكافيلية.
المقاومة الفلسطينية هي التي بدأت الحرب هذه المرة، صحيح أن الظرف الذي حدث في حي الشيخ جراح في القدس واقتحام المسجد الأقصى من قبل المستوطنين كان الدافع الأهم في بدء الحرب، لكن كان بوسع المقاومة أن تتريث أو أن تدع الإشتباك الشعبي يتوسع دون تدخل عسكري من جانبها، ولكن أن تبدأ المقاومة في إطلاق النار على العدو بعد أن تصدر له تحذيراً من رأس قيادة الحركة السياسية بعدم اللعب بالنار، ثم يتبعه تحذير من رأس قيادة المقاومة العسكرية وعلى لسان قائد أركان المقاومة نفسه، فهذا يعني أن المقاومة درست الخيارات بعناية ولديها من المعلومات الاستخبارية والقدرة العسكرية ما يمكنها من اتخاذ قرار الحرب وقد كان.
انعكاس هذا الأمر( أقصد اتخاذ قرار الحرب من المقاومة ضد العدو) شكل للعدو صدمة لم يكن يتوقعها، لأن ذلك يعني بكل بساطة إنتقال عنصر المبادئة من العدو للمقاومة أو على الأقل وجود عنصر المبادئة لدى الطرفين بنفس المستوى، بما يمثله ذلك من تآكل قوة الردع للعدو لحدها الأقصى، وتزايد قوة ردع المقاومة لحدها الأعلى الأمر الذي مكنها من اتخاذ قرار الحرب إبتداءً كما أسلفنا.
هذا القرار الذي اتخذته المقاومة وضع العدو أمام خيارات صعبة، تتمثل في وجوب الرد على النار التي إنطلقت من غزة بشكل ينهي وجودها تماماً، أو على الأقل يسكتها لوقت طويل جداً، وذلك كي يعيد العدو حالة الإستعلاء الصهيوني لسابق عهدها ويَجْبُر المعادلة التي كُسرت، وإلا فإن مستقبل الدولة بالنسبة للعدو قد أصبح في خطر، في ظل تعدد الجبهات التي يحارب عليها العدو، وما يمثله خطر إنتقال عدوى المبادئة للجبهات الأخرى، سواء جبهة الجنوب اللبناني أو الجبهة السورية وأخيراً جبهة إيران، التي كانت إسرائيل حتى وقت قريب تضع الخطط لمهاجمة المفاعلات النووية الإيرانية لتمنع إيران من إكمال مشروعها النووي، محاولة جبر المعادلة التي كسرت دفع العدو إلى استخدام النار بكثافة مفرطة، وصلت الي حد استخدام 160 طائرة في غارة واحدة على منطقة شمال غزة التي لا تتجاوز مساحتها عشرة كيلو متر مربع،في محاولة لإحداث حالة من الصدمة والرعب تدفع المقاومة لرفع الراية البيضاء، ولكن كانت المفاجئة للعدو برد المقاومة بكثافة نارية لم يعهدها، الأمر الذي أفقد العدو ميزة أخرى كان يعتمد عليها إعتماداً كاملاً في كل حروبه وهي الكثافة النارية الهائلة، التي تمكنه من اسكات النار المقابلة بسرعة وبشكل حاسم.
بعد مرور حوالي عشرة أيام على بدأ الحرب يحاول العدو الوصول إلى صورة نصر ينهي به هذه الجولة ولكنه لا يستطيع الحصول عليها، حتى وصل به الأمر أن يطلب من الوسطاء أن تتوقف المقاومة عن إطلاق النار أولاً ثم يتوقف هو، وذلك لحفظ ماء وجهه، إذ أن المقاومة هي التي بدأت إطلاق النار وهي التي يجب أن تبدأ بالتوقف، ولكن المقاومة ترفض منحه حتى هذه الصورة البسيطة من شكل النصر وتصر على التزامن في وقف النار مع تحقيق شروط المقاومة التي كانت سبب بدء الحرب.
هذه الجولة أدخلت الصراع مرحلة جديدة جعلت استقرار الكيان على المحك، إذ يمكن في أي لحظة أن تشتعل أي جبهة من الجبهات في أي وقت بقرار من قوى الممانعة والمقاومة، دون تخطيط أو توقع من العدو وفي أي زمان قد لا يناسب وما يمثله ذلك من خطر داهم ودائم على مشروع وجوده في المنطقة.
غزة 19/05/2021م