ألا يرتدع المطبّعون؟

أسامة سعد

مستشار قانوني

​​​​​​​
بقلم المستشار/ أسامة سعد

يبدو أن حد سيف القدس القاطع لم يردع المطبعين أو بعضهم على الأقل، فبعد أن خبا صوت هؤلاء المطبعين، وانزووا في الزوايا المظلمة بعيداً عن بريق سيف القدس الذي أضاء سنا بريقه ظلمة الليل العربي، فشكل ما يشبه المنارة التي التقطت إشاراتها السفن التائهة في بحر لجي مظلم، فبدأت بالتوافد إليها، وأصبحت فلسطين التي أشهرت سيف القدس من غزة، محط القرار السياسي العالمي الذي رسم مسار حركة السياسة العالمية من واشنطن حيث البيت الأبيض، إلى نيويورك مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلى جنيف مقر مجلس حقوق الإنسان، مروراً بالقاهرة أكبر العواصم العربية، وليس انتهاء بالدوحة وإسطنبول وعدد من العواصم الأخرى.
في وسط هذا الزخم السياسي الذي أعاد القضية الفلسطينية لمكانتها الطبيعية في أجندة العمل الدولي، بعد سنوات من التغييب القصري الذي كان أحد أبرز أسبابه سوء الأداء للقيادة الفلسطينية، وفي لقطة جانبية من هذا المشهد المشرق، يظهر سفير دولة الإمارات لدى الكيان الصهيوني في صورة بدت كأنها التقطت في غياهب بئر مهجورة، تراكم عليه العفن حتى جعله قبيح المنظر منتن الربح. 
في القدس عاصمة الكفاح الفلسطيني، القدس التي هبت لتدافع عن حمى العروبة والإسلام، القدس التي حملت اسم المعركة وخاضتها عن جدارة، في القدس ذهب سفير دولة الإمارات (الخاجا) ليلتقي برئيس مجلس حكماء التوراة لينال منه (البركة).
وقد قيل إن من لا يتعلم من التاريخ، سيكتب عليه أن يعاني من تكرار أخطاء الاخرين ألف مرة، وتاريخ الأمم والشعوب حافل بالملاحم والمواقف، بالحروب والسلام، بالدسائس والمؤامرات، بالمواقف النبيلة والمواقف الخسيسة، بالنصر والهزيمة، بالصمود والانهيار، وكل لحظة مرت في تاريخ الإنسانية لها حكاية تروى ودروس تستفاد وعبر وعظات لمن شاء أن يعتبر ويتعظ.
وكل حرب خيضت كان وراءها من أشعلها، وكل لحظة انتصار كان وراءها أمل، وكل هزيمة وانكسار كان وراءها جهل وظلم، إن مقولة إن التاريخ يعيد نفسه صادقة، وكأنها أحداث تدور في حلقة متصلة، ما إن تنتهي حتى تبدأ من جديد، تختلف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ولكن الأحداث تتشابه.
يعلم الخاجا جيداً أن جرح القدس النازف اليوم سببه طعنة من أصحاب القبعات الصغيرة والجدائل الطويلة، أولئك الذين يقودهم مجلس حكماء التوراة، ذلك المجلس الذي قصده الخاجا ليتلقى البركة الصهيونية، تلك (البركة) التي يتلقاها الزعماء الصهاينة عادة قبل خوض حروبهم ضد الشعب الفلسطيني.
الخاجا بزيارته هذه يعلن أنه يصطف إلى جانب المستوطنين المتدنيين الذين يسعون إلى هدم المسجد الأقصى ولإقامة الهيكل المزعوم، الخاجا يعلن أنه يؤيد هجمات المستوطنين واقتحاماتهم ضد المسجد الأقصى، ولذلك يذهب إلى زعميهم ليعلن ولاءه ودعمه ومساندته.
لم يفكر الخاجا مطلقاً بالذهاب إلى المسجد الأقصى ليزور أمامه وخطيبه، لم يذهب ليزور المرابطين في المسجد الأقصى، ليعزر صمودهم ويخفف آلامهم، لم يقصد الخاجا غزة ليشاهد الدمار الذي أحدثته حمم القنابل الصهيونية التي ألقيت بالأطنان على غزة، بل فضل الذهاب إلى منبع الكره الصهيوني للعرب، والمحرض الأساس على قتل العرب، وأصحاب شعار الموت للعرب، ليجالسهم الخاجا ثم يتهم الجزيرة والإخوان المسلمين بأنهم يمارسون الجنون، ويخاطب رئيس مجلس حكماء التوراة بكل ود، ويبدى حاجته لحكمته وينال بركته.
هذه (الحكمة) وهذه (البركة) التي استأصلت حوالي اثنتى عشر عائلة كاملة مثل عائلة الكولك وأبى حطب والحديدي وغيرهم........ من السجل المدني، وحولت بيوتهم إلى ركام وأجسادهم إلى أشلاء.
نموذج الخاجا تكرر كثيراً في التاريخ، ولم يخلو منه تاريخ شعب أو أمة، ولكن الأمر الغريب في نموذج الخاجا الخياني، هو شغفه الشديد بخيانته، وجرأته غير المعهودة على الدم الفلسطيني، واستهتاره الإجرامي بحياة الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، الذي مزقتهم الطائرات الصهيونية، ولذلك يجب أن يكون هناك موقف واضح وحازم من كافة القوى الفلسطينية ضد هذا المتصهين وضد دولته، وعدم السماح لهذا التصرف الذي قام به الخاجا بأن يمر دون رد يناسب حجم الجريمة التي ارتكبها فمن أمن العقاب أساء الأدب. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023