سيف القدس وكشف الصورة

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

​​​​​​​
بقلم الأسير/ إسلام حسن حامد

البقاء للأقوى، لكن ليس في الميدان الفلسطيني، الإشكال في الصورة المشوهة، ليس هذا فقط، بل في المصدر الذي بنيت عليه والأصل الذي أتت منه.
في السياق الفلسطيني، وفي سنوات الصراع الطويلة، تفرد فريقان في تشكيل وصناعة الصورة، وكلاهما أنتج تشوهات لا يمكن إصلاحها، هذا المشهد المتكون من العرض الخاطئ للوقائع والأحداث، قلب الحقائق بجعل الاحتلال الصهيوني نفسه صاحب الأرض والمتحكم المطلق فيها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى انبرى البعض ممن يجلس على ضفاف القضية الفلسطينية ليقود زمام الجمهور الفلسطيني، بدءًا من العائلات التي تحالفت مع الاحتلال البريطاني ومن بعده الصهيوني، مرورًا بروابط القرى، وصولًا إلى منظمة التحرير والفصائل المنطوية تحتها والتي اعترفت بحق الكيان الصهيوني في أرض فلسطين.
مما ذكر سابقًا كانت النتائج والارتدادات أكثر تشوهًا بحيث قلبت الحق باطلًا بفعل المنظمة وصنيعتها "سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية" والتي تعتبر من يقاوم الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل والإمكانيات إرهابيًا وخارجًا عن القانون والصف الوطني، هذا من جهة، ومن جهة الاحتلال نفسه الذي جعل الباطل حقًا باعتباره المسجد الأقصى وساحاته وأبنيته مكانًا مقدسًا، ويطلقون عليه "جبل الهيكل" وهذا لا على الحصر.
من بين كل هذه التشوهات كان هناك نور خافت تصاعد وهجه حتى أنار دروب السالكين وغير مجريات الأمور من خلال البحث عن الرواية المتكاملة للصراع وإظهارها للعلن، الرواية المتكاملة بينت أن الذين يجلسون على ضفاف القضية الفلسطينية، والذين أنتجوا أوسلوا بعد انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987م، واستمروا في تشوهاتهم حتى أنتجوا من جديد مصطلح التنسيق الأمني المقدس بعد انتفاضة الأقصى المباركة عام 2000م أن هؤلاء وعلى مدار سنوات كانوا يدعون لأنفسهم التمثيل الشرعي والوحيد للقضية الفلسطينية، ما هم إلا هامش بسيط على صفحة الشعب الفلسطيني المشرقة.
في حين كان من يبحث عن الرواية الحقيقية المتكاملة بصمت يعيد قراءة المشهد لإنتاج صورة واضحة ومختلفة للكينونة الفلسطينية، فمن خلال بنائه المتراكم منذ انتفاضة الحجارة عام 1987م، واستثمار كل المعارك والجولات القتالية، أوصلته إلى الانتصار العظيم في معركة سيف القدس 2021م، هذا الانتصار اليوم أتى بعد كل التراكم الكمي للمقاومة، والذي صنعه أبطال الشعب الفلسطيني، وأداره التيار الإسلامي المقاوم.
العلامة الفارقة للصورة المتكاملة اليوم هي مشاركة الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الصهيوني المباشر في أراضي فلسطين عام 1948م في صنع انتصار الصورة، وهذه المسألة تتعدى كونها مسألة عرضية إلى أن تكون في قلب الصراع، فوجود قرابة مليوني فلسطيني في الداخل المحتل يشكل أهم خطر استراتيجي على الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى التيار المقاوم الإسلامي في باقي أراضي فلسطين التاريخية.
هبة الجمهور الفلسطيني في أراضي 1948م هي الرصيد الفطري للمقاومة، والتي جعلت من صورة النصر ذات أبعاد ومحددات جديدة ومربكة للمشهد الصهيوني لم تكن في ومدلولات الصراع سابقًا.
وأخيرًا، من كل الرواية المتكاملة للتاريخ الفلسطيني المعاصر والذي تم قراءته من جديد، يتبين أن هناك تراجع في عمق المشروع الصهيوني، وصل إلى حالة العجز الكلي، عجزٌ في آليات استمرار الاحتلال الصهيوني كقوة متفردة بمضامين الصراع الصهيوني الفلسطيني، وعجزٌ في المبنى الفكري الوجودي للكيان الصهيوني، ومنه عجزٌ في كيفية تشكيل الحكومة الصهيونية، لتبقى صورة النصر التي حققته معركة سيف القدس الصورة المتكاملة الأكثر وضوحًا في التاريخ الفلسطيني المعاصر، والتي تعتبر من أهم البشائر لزوال الاحتلال الصهيوني عن فلسطين كل فلسطين.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023