هل عادت مصر للدور القيادي في العالم العربي؟

هل عادت مصر للدور القيادي في العالم العربي؟  (تحليل)

بقلم إيلي بوده    

20-6-2021

جيروزاليم بوست

ترجمة حضارات



اختفت مصر من الشرق الأوسط بعد الربيع العربي عام 2011. حسنا، مصطلح "اختفى" ربما يكون قويا جدا، لكنه بالتأكيد اعتمد صورة أقل. 

فقد اضطر أي شخص اعتاد على الدور القيادي لمصر في العالم العربي، وليس فقط في عهد جمال عبد الناصر، إلى قبول حقيقة أن مصر أصبحت مجرد جهة فاعلة أخرى، في حين تولت دول الخليج الغنية المنتجة للنفط أدوارًا إقليمية رائدة.

من وجهة نظر مصرية، كان من المحبط أن نرى دول الخليج الصغيرة تسرق العرض من أم الدنيا، "أم العالم"، كما يسميه المصريون بلدهم.  

من الصعب تحديد متى بدأ هذا التحول، لكن نقطة التحول المحتملة كانت إنشاء منتدى الغاز الإقليمي في شباط/فبراير 2019 الذي يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية.

وقد أتاحت العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة في أيار/مايو 2021 لمصر فرصة أخرى لتعزيز مكانتها في المنطقة من خلال التوسط مع حماس.  

لطالما لعبت مصر دورا رئيسيا في الوساطة بين إسرائيل وحماس، حتى في عهد الرئيس مرسي؛ حيث وفرت لإسرائيل مجالا عندما أرادت، على سبيل المثال، خلال عملية الجرف الصامد عام 2014، وكبح جماحها عندما سعت إلى إنهاء سريع للقتال. وفي كلتا الحالتين، لعبت مصر دورا أساسيا في تحقيق وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية. إن مشاركة مصر في غزة أمر مفهوم.  

أولًا، لأن الجيب يقع على طول حدوده وهو برميل بارود محتمل يهدد استقرار المنطقة، بشكل عام، وتحديدا في مصر. ثانيا، يسمح ذلك للإدارة الأمريكية بتصوير نفسها على أنها زعيم إقليمي في قضية رئيسية في الشرق الأوسط. وبنفس القدر من الأهمية، توفر الوساطة للسيسي ختم الموافقة في واشنطن، حيث تعتزم إدارة بايدن كبح جماح الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان. مكالمتان هاتفيتان أجراهما بايدن مع السيسي خلال القتال في غزة جعلته نكهة الشهر.

كما قام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بزيارات إلى القاهرة والقدس ورام الله وعمان. واصلت مصر قيادة الوساطة مع وزير الخارجية سامح شكري الذي يزور عمان ورام الله، في حين يحاول رئيس الاستخبارات العسكرية عباس كامل بنشاط التوصل إلى خلاف بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس.

كما أسفرت عملية غزة عن دفء العلاقات المصرية الإسرائيلية. ولم يعزز هذا الاتفاق العلاقات الامنية الثنائية فحسب بل رفع ايضا العلاقات الدبلوماسية الى مستوى جديد بزيارة وزير الخارجية غابي اشكنازي وهي الأولى لوزير خارجية إسرائيلي منذ 13 عامًا، كما أدت عملية غزة إلى ارتفاع مفاجئ في علاقات مصر مع قطر.

في يناير/كانون الثاني، رفعت مصر، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن، مقاطعتها لقطر لمدة ثلاث سنوات ونصف العام، وجددت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام الملكي. أتاحت الأزمة في غزة فرصة لإرسال وزير خارجية قطر إلى مصر لمناقشة دور بلاده المستقبلي في غزة، وليس قبل أن يتعهد بمجموعة متنوعة من الاستثمارات في مصر. كما تم تكريم السيسي بدعوة من حاكم قطر لزيارة بلاده.  

وهكذا أتاحت العملية في غزة والوساطة المصرية لمصر فرصة لتجديد دورها النشط في الساحة الخليجية. وفي ضوء الدعم القطري المتواصل لجماعة الإخوان المسلمين، يبقى أن نرى ما إذا كان التقارب المصري القطري الكامل في المقاربة.


وفي حين احتلت غزة معظم العناوين الرئيسية، أصبحت السياسة الخارجية المصرية أكثر وضوحا في المجالات الأخرى.

إحدى الساحات هي ليبيا، دعمت مصر اللواء خليفة حفتر وحكومته في طبرق، ولكن منذ تأسيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بدعم من الأمم المتحدة، حولت مصر دعمها بل واستضافت رئيس الوزراء الجديد عبد الحميد الديبة.

ومن الآن فصاعدا، لن تشكل القوات الليبية المدعومة من تركيا وقطر تهديدا على الحدود الغربية لمصر، كما يشير الانفتاح الأخير بين تركيا ومصر إلى اتفاقات وتفاهمات حول العديد من القضايا الخلافية التي تعكر صفو علاقتهما: ليبيا والموقف تجاه جماعة الإخوان المسلمين.  

إن النشاط المتنامي لمصر في القرن الأفريقي وساحة البحر الأحمر لا تقل إثارة للاهتمام. دفع بناء إثيوبيا لسد النهضة مصر إلى تدفئة علاقاتها مع أوغندا والسودان وجنوب السودان والصومال وتنزانيا وحتى مؤخرا حتى مع جيبوتي.  

في الواقع، زار السيسي جيبوتي الصغيرة في 27 أيار/مايو. كما وقعت مصر اتفاقيات دفاعية مع دول نهر النيل: أوغندا وكينيا وبوروندي والسودان. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، انضمت إلى مجلس البحر الأحمر الذي يمثل جيبوتي وإريتريا والأردن والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان واليمن. كل هذه التحركات لم تكن تهدف فقط إلى تحدي طموحات إثيوبيا الإقليمية، ولكن أيضا لإظهار مكانة مصر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

هل يشير النشاط المصري إلى تغيير كبير؟ من السابق لأوانه معرفة ذلك، ويجب ألا ننسى أن القيادة الإقليمية تكتسب برأس مال سياسي واقتصادي وعسكري وديموغرافي. وقد بنت مصر في السنوات الأخيرة جيشا كبيرًا، على الرغم من أن مدى استعدادها لا شك فيه بالحكم على تعاملها مع تحدي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء.  

الاقتصاد المصري في حالة يرثى لها بعد وباء الفيروس التاجي وغياب السياحة، في حين أن النمو الديموغرافي يشكل عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا.  

كل هذه العوامل لا تبشر بالنجاح لمصر في استئناف مكانتها الإقليمية التاريخية، لكن طاقاتها المتجددة يمكن أن تحولها إلى ما أطلق عليه الصحفي المصري الراحل حسنين هيكل ذات يوم "الدولة الرئيسية".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023