هآرتس - روني بلي
ترجمة حضارات
لا تسوية ولا استسلام بل سياسة
تدل جميع التأويلات المتعلقة بالاتفاقية وشيكة الوقوع بين الحكومة ومستوطني بؤرة الاستيطان أفيتار، تظهر أن الحاجز الدخاني الذي يرافق المشروع الاستيطاني منذ بدايته وحتى اللحظة، بل وعلى إنكار للدور الذي يلعبه المستوطنون كذراع تنفيذية للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في أغلب الأحيان بالتعاون مع الجيش.
طبعا علينا أن لا ننسى، الوزارات المختلفة والإدارة المدنية التي تشكل ذراعا سياسية تهيئ الأرضية وتساهم بفرض حقائق وبلورة واقع منشود بواسطة ألاعيب قانونية وسياسية.
الدخان الذي يعمينا عن رؤية ما يحدث في في الأراضي الفلسطينية مع بدء الاحتــــ لال، حيث وصل وفي عام 1968، الاسرائليون الأوائل إلى مركز مدينة الخليل للاحتفال بليل هسيدر. آدعى هؤلاء انهم قدموا فقط للاحتفال بعيد الفصح- ولكنهم لم يغادروا المدينة منذ حينها البته. وعليه توصلت معهم الحكومة أيضًا إلى اتفاقية حصلوا من خلالها على مستوطنة كريات أربع.
أغضب تصرف المستوطنين رئيس الحكومة في حينه ليفي إشكول الذي صرح قائلا: "دخل المستوطنون الخليل زوارا، لكنهم وضعونا جميعًا تحت الأمر واقع. لا يروقني الأمر، ولكن هذا ما حصل".
بالفعل هذا ما حصل وما زال يحصل حتى يومنا هذا، ففي مدينة الخليل مثلًا، تحول الأبارتهايد إلى سياسة سيطرة رسمية. وهذا ما شهدناه حين حول هؤلاء المستوطنون شارع الشهداء- شارع مدينة الخليل الرئيسي- إلي شارع مقفر خال من سكانه الفلسطينيين الأصليين يقف على مدخله جنود إسرائيليون يسمحون فقط لليهود بالدخول.
استمرت حكومات "إسرائيل" بتوقيع اتفاقيات مع المستوطنين، حيث وقّعت إحداهن وفي عهد إيهود براك اتفاقية ثانية معهم عام 1999 حملت اسم "اتفاقية البؤر الاستيطانية".
كان هدف هذه الاتفاقية إخلاء وتجميد استمرار بناء البؤر الاستيطانية، لكن ما حدث على أرض الواقع كان بعيدا جدا عن روح هذه الاتفاقية! حيث تمت تقنين وشرعنة بؤر استيطانية إضافية غير قانونية. انتهت "قضية" ماغرون بهدم البؤرة الاستيطانية المؤقتة، لكنها أنشأت بدلا منها مستوطنة ماغرون الدائمة، وحصل مستوطنو عامونا على مستوطنة عميحاي.
ورغم أن قانون التسوية، أو باسمه الحقيقي قانون "شرعنة المستوطنات" منح ظاهريا سياسي اليمين فرصة اغفاله، لكنه لاقى اعتراضًا شديدا من قبل مستشار الحكومة القضائي بل وألغته المحكمة العليا.
إلّا أنّه قاد إلى اختراع جديد- قديم حمل اسم السوق المفتوحة، الذي كان هدفه حماية المشترين الأبرياء في الحالات التي يتخذ فيها ممثلو الدولة إجراءات ليست ضمن صلاحيتهم. وعليه، يقترح المستشار القضائي للحكومة التعامل مع سياسة التغاضي ( في أحسن أحوالها) عن الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية خاصة، سلوكًا غير متعمّد بل وحسن النية لا حدود للوقاحة! تسعى الدولة في هذه الأيام إلى تطبيق نفس المبدأ في حالة متسبيه كراميم، فبالرغم من صدور قرار المحكمة العليا بإخلاء البؤرة الاستيطانية، إلا أنها حددت تداولا إضافيا بتركيبة قضاة موسعة للنظر في هذه القضية الشهر القادم.
لم تكن اتفاقية أفيتار (كما في حالات أخرى) تسوية، كما وأنها ليست استسلامًا. بل تعكس وتمثّل السياسات الحكومية التي مارستها وما زالت تمارسها الحكومات الإسرائيلية. حيث تقوم هذه الممارسات على سياسات استيطانية هدفها إتاحة المجال أمام الاستمرار بالاستيلاء ونهب الأراضي الفلسطينية، من أجل تعزيز السيطرة اليهودية في الضفة الغربية.
رسّخت هذه السياسات في ذهن الكثيرين أن البناء غير القانوني الوحيد، هو البناء على أراض خاصة فقط. ولكن هذا التصور مغلوط جدا، فلا قيمة للقانون في إطار السياسات الاستيطانية؛ لأنّ المشروع الاستيطاني برمته أصلا غير قانوني! فهو يقوم بجوهره على الفصل والتمييز العنصري مخالفا بذلك القانون الدولي الذي يسري على الضفة الغربية، والذي يحظر نقل المدنيين من دولة الاحتــــ لال للسكن في منطقة محتـــ لّة.
يخالف مشروع الاستيطان المستمر القانون الدولي الذي يعرف الاحتــــ لال كوضع مؤقت، وأن سيطرة "إسرائيل" على الأراضي المحتـــ لة تلزمها بتطبيق أحكام قانون الاحتـــ لال المنصوص عليها بالقانون الدولي من خلال جيشها الذي يشكل ذراعها التنفيذية.
تلزم مبادئ هذا القانون الأساسية الجيش بوضع مصلحة الفئة "المحمية" (أي الفلسطينيين) على رأس سلم أولوياته، تتغير هذه الأولوية فقط في حال طرأت على الساحة احتياجات أمنية.
وعليه، يسمح القانون بالسيطرة العسكرية على أراض معينة، فقط لتلبية احتياج عسكري حيوي وطارئ.
وعليه، فإن محاولة إرضاء مجموعة سياسية معينة، مهما بلغت قوتها، بعيد كل البعد عن تلبيية احتياج من هذا النوع.
يدفع الفلسطينيون وكالعادة دائما وكما حدث في "ليل هسيدر مساء الفصح" عام 1968، ثمن ألعاب القوة في الديمقراطية الإسرائيلية.
الأمر الذي يسمح لأذرع الاحتـــ لال بالاستمرار بفرض سطوتها بشكل واضح ومقنع على الأراضي المحتـــ لة.
نعم فبيدها القوية تهدم "إسرائيل" المنازل، تُرحل، تعتقل إداريا، تحرم الفلسطينيين من الوصول إلى المياه ومن البناء، يحمل رجال القضاء على أنواعهم وزر هذه الممارسات فهم من يشرعنونها!
تلعب دولة "إسرائيل" لعبة خطرة جدا. فقبل أقل من ثلاثة أشهر، فتحت محكمة العدل الدولية في لاهاي تحقيقا استهدف سياسات الاستيطان والمستوطنات التي بُنيت في الضفة الغربية.
يتتبع هذا التحقيق سياسات وآليات "إسرائيل" الاستيطانية وخروقاتها الدولية. في هذه اللحظة تحديدًا، جعلت "إسرائيل" مهمة محققي لاهاي سهلة للغاية.