هآرتس - آساف دافيد
ترجمة حضارات
للمعلومة فقط: الكتب المدرسية الفلسطينية لا تحرض على اللاسامية
نشر وفي شهر يونيو الماضي المعهد الألماني Georg Eckert Institute for International Textbook Research بحثًا واسع النطاق عن جهاز التربية والتعليم الفلسطيني. عاين طاقم المعهد البحثي وعلى مدار عام ونصف 172 كتابًا مدرسيًا كانت نتاجا لسيرورة إعادة تقييم وتعديل شاملة لجميع الكتب المدرسية كانت قد قامت بها وزارة التربية التعليم الفلسطينية عام 2018.
تمحور البحث حول المضامين التي تناولت الكراهية، العنف، تحقيق السلام، التسامح الديني، المصالحة وحقوق الإنسان. قام الاتحاد الأوروبي بتمويل هذا البحث بشكل كامل، واستند فحص وتقييم الكتب المدرسية إلى معايير التسامح ونبذ العنف التي حددتها اليونسكو في مجال التربية والتعليم.
ولأن هذا البحث تناول موضوعًا مركّبًا كهذا الموضوع، جاءت نتائجه مركّبة أيضا. حيث انقضت أوساط محافظة في أوروبا وفي الولايات المتحدة بتشجيع من أوساط إسرائيلية محافظة معادية للفلسطينيين (خاصة في الكونغرس)، على هذا البحث كما لو كان غنيمة.
في المقابل، كان عدد ردود الأفعال من الأطراف الأخرى قليلا جدا، ربما لأنّ الهوس بالكتب المدرسية الفلسطينية يُعتبر وبصدق لعبة يمينية بحتة.
ولكن، على اليسار أن يدرك أنه لا يملك امتياز إقصاء نفسه عن الملعب الذي يتم فيه تحديد قوانين اللعبة وعلاقات القوة بين الاحتلال وشركائه وبين المُحتلين. سأتطرّق أدناه إلى البحث ونتائجه، مع إيلاء انتباه خاص للإطار الذي نُفذ فيه، محتواه وعيوبه.
أولًا، عليَ التنويه بأن تصريح الطاقم البحثي الإعلامي والذي جاء فيه أن البحث يقدم "تحليلًا شاملًا وموضوعيًا" فيما يتعلق بالكتب المدرسية الفلسطينية، تصريح شائك بحد ذاته.
يمكننا القول أنّ التحليل حقًا شامل، ولكن مَن يحدّد موضوعيته هم القراء فقط لا المؤلّفين.
كان هذا التصريح غريبًا جدا لأنه صدر عن مؤسسة معروفة وذات صيت في مجال أبحاث الكتب المدرسية كمعهد جورج إيكرت، وعليه تحوم الشكوك حول موضوعيتة.
ينطوي وبنظري اعداد تقرير طويل عريض موله الاتحاد الأوروبي من أجل بحث الكتب المدرسية التي يستخدمها طرف واحد فقط من طرفي الصراع، على إشكالية جوهرية؛ حيث يتعلم الطلاب في جهازيّ التربية والتعليم الرسميين في "إسرائيل" وفي المناطق الفلسطينية المحتلة في ظل سياق سياسي- اجتماعي معين.
وعليه، تحدد علاقة القوة بين "إسرائيل" - التي تنكر عنفها الذي يغذي الاحتلال - وبين الفلسطينيين في إطار الرواية التي يدرسها الطلاب اليهود والفلسطينيين في جهازيّ التربية والتعليم الإسرائيلي والفلسطيني.
من الجدير بالذكر هنا، أن بحث بروفسر دانييل بارتيل ود. سامي عدوان، اللذان ترأسا طاقمًا إسرائيليًا-فلسطينيًا كُلّف ببحث كتب الجانبين، كان خير مثال على بحث مهني تناول وقارن مجتمعين يعيشان في ظل صراع مستمر.
فاجأني تجاهل بحث أصدرته مؤسسة أوروبية مرموقة وموله الاتحاد الأوروبي لمنهجية البحث المُقارِن، بالضبط كما فاجأني تجاهله من خلال أطروحة دكتوراة إحدى أهم أعضاء أحزاب اليمين المعتدل بالبلاد والتي تشغل اليوم منصب وزيرة التربية والتعليم في دولة "إسرائيل"!
تدل معاينة الكتب المدرسية الفلسطينية أحادية الجانب بالإضافة إلى تجاهل الصورة التي تعكسها الكتب التعليمية الإسرائيلية، على نزعة واضحة ذات اتجاه واضح. يصعب التصديق بأنّ هذا القرار- على الأقل ليس من طرف الاتحاد الأوروبي - يخلو من الاعتبارات السياسية، خاصةً عقب الضغوطات المستمرة التي يمارسها Impact-SE (معهد بحثي إسرائيلي محافظ) على الحكومة البريطانية التي تمول السلطة الفلسطينية والأونروا وعلى الاتحاد الأوروبي، التي كان نتاجها بلورة تشريع يخص الاتحاد الأوروبي ويستهدف الكتب المدرسية الفلسطينية فقط. كانت مونيكا هولماير، عضوة برلمان ألمانية محافظة، رائدة نقد الكتب المدرسية الفلسطينية أحادي الجانب الأولى في البرلمان الأوروبي. وعليه٫ كان هذا البحث نتاجا لضغوط فرضها اقتراح كانت قد قدّمته في وقت لاحق للجنة الميزانيات التابعة للاتحاد في أكتوبر 2018 وطالبت من خلاله بنقد المناهج التعليمية والكتب المدرسية الفلسطينية فقط. وعليه واستنادا لما جاء أعلاه، فإنّ إصرار الطاقم البحثي على "موضوعية" عمله، أشبه بمَن يصفّر وحيدًا في الظلام مدعيا الشجاعة.
هكذا شق هذا البحث طريقه إلى النور، عازمًا على التنقيب عن رد فعل شعب مُحتل يتعرض لعنف يمارسه الاحتلال.
لا يسعنا الآن سوى ايجاد جانب هذا البحث الايجابي واستخلاص العبر والدروس منه، من أجل مناهضة الاحتلال والسعي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني.
كان أحد أهم الأمور التي وردت في هذا البحث هو تأكيد طاقمه على أنّ جميع الأبحاث التي عاينت الكتب المدرسية الفلسطينية ونشرتها منظمات إسرائيلية على رأسها Impact-SE، كانت "أحادية الجانب" وتخللها تعميمات واستنتاجات مفرطة استندت إلى اطلاع جزئي على المناهج التعليمية الفلسطينية.
في المقابل، تمت الإشادة بالأبحاث ثنائية القومية التي قارنت بين الكتب المدرسية الفلسطينية والإسرائيلية، كبحث بارتال وعدوان، المذكور آنفًا. نأمل أن يأتي محررو Ynet - الذين منحوا Impact-SE في السنوات الأخيرة منبرًا إعلاميًا مركزيًا - على ذكر هذا الموضوع في تقاريرهم المستقبلية بالذات عند حديثهم عن النتائج التي توصلت إليها المنظمة بخصوص الكتب المدرسية الفلسطينية.
يتناول الطاقم البحثي بنبرة نقدية، شرعنة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية للمقاومة ضد الاحتلال وفقًا للقانون الدولي (ص. 20). علينا الاعتراف أن هذه قضية معقدة جدًا حتى بحسب القانون الدولي، وعليه فلا يمكن تحليل الموقف المتعلق بالنضال المسلح في الكتب المدرسية الفلسطينية بشكل سطحي.
من الواضح أيضًا أنّ الطاقم البحثي حاول توخي الحذر ليتفادى غضب الطرفين، ولكن لم يجد ذلك نفعًا.
لكن وعلى أيّ حال، يعتبر اعتراف الطاقم البحثي بوجود الإحتلال وبشرعية مقاومته حتى سلميا، استثناء في بيداء الأبحاث المحافظة التي تصدرها المنظمات الإسرائيلية، وعلى رأسها Impact-SE، التي لم تسمع أبدًا عن الاحتلال "إسرائيل" للأراضي الفلسطينية بل ولا تعترف أصلا بشرعية المقاومة على جميع أشكالها.
أعتبر التمييز بين أشكال المقاومة المختلفة، يشمل ذلك المقاومة العنيفة ضد الجيش الإسرائيلي أو ضد المدنيين، بداية جيدة لأيّ تقييم مستقبلي للكتب المدرسية التعليمية.
وعليه وبنظري فإن تناول بحث معهد جورج إيكرت هذا الموضوع حتى لو بشكل ضبابي وحذر، بادرة حسنة.
لكن وبالرغم من ذلك نتعجّب من تناوُل هذا البحث لـ "خطاب مقاومة" الاحتلال و"العداء تجاه "إسرائيل" من خلال الكتب المدرسية.
هل نسي طاقم البحث أنّ الاحتلال حاضر أكثر من أي وقت مضى، وأنّ إسرائيل تسعى يوميًا بلا رادع، بشكل مباشر وعن طريق مبعوثيها المستوطنين، لتشويه صورتها أمام الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؟ كيف نتوقع في مثل هذه الظروف، خطاب احتواء وتعاطف تجاه "إسرائيل"؟
لكن، الأهم من كل ما جاء أعلاه، أنّ نتائج البحث دحضت بشكل قاطع اتهامات المنظمات المحافظة الإسرائيلية العشوائية، التي آدعت وما زالت تدعي أن الكتب المدرسية الفلسطينية تحرض على اللاسامية؛ بل على العكس من ذلك تماما، حيث أشار البحث أن الكتب المدرسية الفلسطينية تنادي بالتسامح، الرأفة، والعدل، بل وتفصل بين أشكال النقد الفلسطيني الموجه لـ"إسرائيل" وبين النصوص التي تدرّس في باقي المواد.
أشار البحث أن الكتب المدرسية الفلسطينية احتوت على أمثلة لمعاداة السامية، التحريض على العنف، تمجيد العنف ونزع الصفات الإنسانية عن اليهود أو الإسرائيليين، ولكن نوه الطاقم البحثي بأنّ نطاقها كان محدودا جدا.
ينبغي على الفلسطيني أن يكون "قديسًا معذبًا" لتخلو كتبه المدرسية من أمثلة كهذه بالذات في ظل الاحتلال، والنهب المستمر وشيطنة الفلسطينيين من قبل الطرف الأقوى في هذه المعادلة!
لكن وبالرغم من محدوديات البحث المعروفة مسبقا وإطاره تنفيذه، إلّا أنّ هذه التحليلات مهمة جدًا؛ بل وعليها التحول إلى مرجعية لتحديد حد معايير الأبحاث المستقبيلية الأدنى.
يستحسن، بالطبع، أن تكون هذه الأبحاث مُقارِنة تأخذ بعين الاعتبار الاحتلال كي تحظى بلقب "الموضوعية".