سيدي رئيس الحكومة .. حق الشعوب بتقرير مصيرها ليس "صفقة" ولا يأتي بالمتاجرة

فالح حبيب

محلل سياسي



سيدي رئيس الحكومة، حق الشعوب بتقرير مصيرها ليس "صفقة" ولا يأتي بالمتاجرة!


المحلل السياسي فالح حبيب يعلّق على تصريحات رئيس الوزراء نفتالي بنيت بشأن رؤيته السياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.


الحكومة الحالية حالها كحال سابقاتها وقد بات ذلك واضحا جليا كلما مر الوقت أكثر، تعززت هذه القناعة أكثر، أنها حكومة ميزانيات ومدنيات بالمقام الأول، و لن تجرؤ على الخوض بأي تحديات، التحديات السياسية والتوصل لتسويات في المنطقة نظرا لتركيبتها اللامتناغمة والهشة جدا في المحور والبعد "السياسي القومي الوطني".


بينيت أهتم بمصالحه السياسية، لكنه أحدث ضررا للموحدة على دراية منها


التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء "نفتالي بينيت" لسلطة البث الجديدة ("كان 11") خلال جولة حواراته الاعلامية، وعلى وجه الخصوص التي تطرّق مِن خلالها لرؤيته السياسية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، بطريقة أو ما، تُسيء جدا للموحدة كشريك سياسيّ وتُحدث لها ضررا، خاصة وأنها تؤكد انتقادات منافسيها ضدها. رئيس الحكومة بينيت عندما صرّح قائلا:

"لا توجد أي مشكلة، نعمل كل شيء كالعادة بشكل طبيعي".


انتبهي! أنه مرة كانوا يُفوتون الرد على البالونات الحارقة والمتفجرة، اليوم نحن نرد بشكل حازم وأقوى.


دائما سأتخذ القرارات الأمنية وفقا لمعايير مهنية دون الالتفات للمعايير السياسية. بشكل عام يجب القول أن الموحدة ومنصور عباس يعملون فقط في الجانب المدني، هذا هو الموضوع ومِن أجل ذلك هو انضم للائتلاف".


اليمين ومحاباته في هذا التصريح، وفي اللاوعي، حاضرا، وحاضرا بقوة حتى اللحظة، ما يؤكد أن بينيت يحاول اصلاح ما وقع بينه وبين أنصاره في اليمين مِن قطيعة، وبالتالي لم يتنازل بعد عنهم ولم يذهب مفتشا عن جمهور آخر موجود على وسط الخارطة السياسية الإسرائيلية مثلا صحيح حتى اللحظة، خاصة وهناك مَن يُثقل كاهله بالارشيف الذي لا يخلو مِن التصريحات وفيما بعد القيام بعكسها.  

في هذا التصريح بينيت لم يأخذ بالحسبان مصالح شركائه السياسية أو حاول أن يرتكز عليها للخروج مِن مأزقه، فقد أظهر الموحدة كتلك التي تفتش عن مصالح مدنية و "ميزانيات" دون أي اعتبار سياسي للبعد القومي الوطني.

بمعنى، تسعى فقط للميزانيات وتحقيق مصالح المواطنين العرب في اسرائيل دون الزج بنفسها في القضايا السياسية ذات البعد الوطني.  

وهنا مِن خلال الاعلام كمسرح، كل فيه يؤدي دوره وفقا لما تفرضه عليه الحاجة الجماهيرية مِن تصرف لا يعكس أحيانا كثيرة المواقف الحقيقية المكنونة، هناك هندسة واضحة للوعي الجماهيري يؤكد مِن جهة على هشاشة وضعف تأثير الموحدة في القضايا الأمنية والسياسية القومية، ومِن جهة أخرى هناك تعريف واضح للدور "العربيّ" في أي ائتلاف، وعلى نفس "العربيّ" التزام الصمت في البعد السياسيّ القوميّ والوطنيّ إذا أراد البقاء في الحكومة والائتلاف، لكن بينيت وغيره يُدركون أنه دون الموحدة لا يوجد ائتلاف.  

الأمر الذي يترك انطباعا للوهلة الأولى أن شركاء اليوم يفتشون عن شركاء آخرين للغد لإعادة العربي إلى مكانه الطبيعيّ مِن وجهة نظر السياسي والمجتمع الاسرائيلي اليهوديّ على حد سواء، المعارضة، ما يؤكد المقولة: جاري التفتيش عن توسيع الائتلاف، هذه رسالة واضحة.

أما في قضية الميزانيات، مثل هذه التصريحات تعكس وضعا غير مقبول، وكأن رئيس الحكومة بينيت وغيره يصنعون معروفا في المجتمع العربي وللمواطنين العرب في البلاد عندما يقومون بواجبهم تجاهه.

ما زالت في اللاوعي لدى السياسي الاسرائيلي تقبع الرؤية التي تُقولب العربي كدرجة "ب" بأقل تقدير، ليس مواطنا متساويا مع غيره له كامل الحقوق، وإلا ما داعي توظيف "التفاخر" بقضية الميزانيات، أليس الحديث عنها وذكرها دائما يعكس حقيقة الوضع السابق، التمييز المُمنهج، في هذا الجانب؟! وهناك مَن يحاول فرض معادلة الوسيط على الموحدة، وسيط بين المجتمع العربي والسلطة الحاكمة بشرط أن لا يتدخل إلا بالمدني، أمر يخدم مصالحها السياسية كتلك التي تقوم بفرض الوصاية على كل ما يتعلق بقرارات حكومية تخُص المجتمع العربي، ما يؤكد مرة أخرى أنها حكومة مدنيات وميزانيات، لن تجرؤ على الخوض في القضايا السياسية ذات الأبعاد القومية والوطنية أو التوصل لأي تسويات مع الجانب الفلسطينيّ، وهذا ما أكده رئيس الوزراء بينيت في نفس الحوار الاعلامي.


وهنا السؤال الذي يراود الكثيرين، لماذا تصمت الموحدة وتضطر على "بلع الضفدع" وموقفها يبدو ضبابيا؟

الموحدة ستجد نفسها مجبرا أخاك، لكن المرة، بطلا على الصمت، "تبلع الضفدع"، في كل مرة تطفو فيها القضايا القومية الوطنية على السطح.

الموحدة لا تريد الذهاب لانتخابات في هذه المرحلة وتُدرك أن عليها تسجيل اِنجازات عينية حقيقية قبل الوصول لمرحلة "اللابقاء في الائتلاف" أو اِنهياره لأي سبب كان، وتدرك أيضا أن منظومة التفكير العسكري الراسخة في الوعي الجماهيريّ الإسرائيليّ، وكون أن المعيار الأمني يبقى تلك البقرة المقدسة

التي يُحرّم المس بها ويقف في رأس سلم أولويات المجتمع الاسرائيليّ، يفرض عليها ضمن قواعد اللعبة الموجودة أن تحتفظ بالضبابية وأن تعمل مِن خلالها، لأنها تُتيح مساحة وبحبوحة مناورة داخل الائتلاف وتساعد شركائها في مثل هكذا مواقف.

فالقرارات بنتائجها، ولذلك، وبما أن موقف الموحدة الراسخ، ولا شك بذلك، هو ضد أي تصعيد عسكري وتُصلّي يوميا لئلا تجد نفسها في هكذا وضع، هي تحاول مسك العصا مِن نصفها، أو للحاجة بمعنى أدق، تزن الاعتبارات "بالميزان الذهبي" الدقيق جدا:

مِن جهة هي لا تريد أن تُصرّح أنها ضد أي تصعيد عسكري وأنها ستقوم بتفكيك الائتلاف لئلا تدفع بشركائها، خشية استغلال ذلك مِن قبل معارضة نتنياهو وحلفائه الذين لا يتوقفون عن مواصلة نزع الشرعية عن الحكومة لوجود العربي فيها، "منصور رئيس الحكومة" الخ، إلى تشديد مواقفهم والعمل على اِثبات عكس ذلك والخروج إلى حملات عسكرية تصعيدية، وبالتالي تكون الموحدة سببا في الحرب بدلا مِن منعه بعكس ما تريده وموقفها الراسخ. ومِن جهة أخرى، هي لا تريد أن تظهر فقط كتلك المعنية بالمجال الاجتماعي الميزانياتي والمدني فقط لئلا يعتمد على ذلك شركائها ويستغلونه للخروج أيضا إلى "حرب"، فقط لأنهم ضمنوا الموحدة كشبكة أمان دائمة، لهذا هي تُبقي موقفها ضبابيّ، خاصة وأنها تعلم أن قرار الحرب والسلم ليس بيدها فقط، وبهذا هناك حنكة لطالما بقيت تريد اِثبات نجاح مشروعها السياسي مِن خلال اِثبات صحة نهجها بحجم اِنجازاتها. هو الانتظار لساعة الصفر، ساعة تحقيق مصالحها ومصالح المجتمع العربيّ، لهذا تجدها دائما في كل مرة تُسأل عن موقفها بحالة واِندلعت حرب، سرعان ما تُجيب أن هذا السؤال هو افتراضي، "لمّا يجي الصبي بنصلي على النبي"، بمعنى لا تستبق الاحداث قبل وقوعها، وبذلك تمنح مساحة مِن المناورة لنفسها ولشركائها مِن شأنها أن تُعزّز الثقة بين الشركاء ولكسب الوقت أيضا! أما تصريح بينيت الذي مِن شأنه أن يُحدث ضررا، فيمكن قراءته بوجه آخر مختلف تماما أيضا، كرسالة مزدوجة، صحيح أن في تصريحه رسالة طمأنة للمجتمع الإسرائيليّ ترمي لترسيخ قاعدة أن المعايير في المجال الأمني هي فقط مهنية صرف، وبالتالي يُسلّط الضوء على ضعف تأثير الموحدة في الشأن، بنفس الوقت يمكن اِعتبارها رسالة طمأنة للموحدة بخصوص أي تصعيد، وكأن لسان حال بينيت للموحدة يقول: اِطمئنوا لن أخرج بأي اجتياح أو تصعيد بسبب الضغوطات وبدوافع "الشعبوية" لتسجيل نقاط سياسية، فقط ليُثبت أنه سيّد الأمن وبطل الحرب بعكس ما تروج المعارضة. وبهذا، وبكلتا الحالتين، الموحدة تحاول ضمان وتأمين أن لا يكون أي تصعيد عسكريّ في المنطقة.


لهذا الموحدة ترتكز على النتائج وخواتيمها وليس التصريحات وبداياتها.

هذه المرة مال و "ارتكز" بينيت على الموحدة ليخرج مِن مأزقه أمام جمهور ناخبيه وجمهور هدفه، وبالمقابل اِحتوت ذلك الموحدة بقدرة تحملها وسعة احتوائها، ليُسجل نقطة على حسابها، في حين أنه، بينيت، عدّل قراره فيما يخص الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى في فترة الاحتجاجات الأخيرة اِرضاءً للموحدة ونزولا عند رغبة النائب منصور عباس وعدم تأجيج الوضع في المنطقة لتكون النتيجة تعادلا واحدا لواحد (وحدة بوحدة).


بينيت معني بكسب الوقت ويقبل غانتس باستراتيجية لبيد: تعزيز الاقتصاد مقابل الهدوء

رئيس الوزراء بينيت خلال الحوار أكد ما مهدت له منذ ساعات الظهيرة التي سبقت الحوار شريكته للحزب وزيرة الداخلية شاكيد: لا يوجد شريكا سياسيا. أبو مازن ليس شريكا.

بينيت خلال الحوار شدد أنه ضد اقامة دولة فلسطينية، لكنه يرى أن المنفعة "للبعض" هي منفعة "للجميع"، بمعنى تحسين الأوضاع المعيشية مِن خلال التجارة وتعزيز الاقتصاد في " يهودا والسامرة"، وقد تعمّد استخدام هذا المُسمى كعادته (رسالة لتيار الصهيونية الدينية وليس فقط)، مِن شأنه أيضا أن ينفع الجيران الفلسطينيين وتشملهم المصلحة على حد وصفه.

وقد تحدث بمفاهيم عالم الأعمال والأموال والصفقات، مغفلا حقيقة واضحة وهي أن حق الشعوب بتقرير مصيرها ليس صفقة ولا يأتي بالمتجارة، بل بالجلوس مِن حول طاولة، طاولة المفاوضات والخوض في القضايا المركبة ومواجهتها وليس دحرها وكسب الوقت.

وفي هذا السياق تحدث عن الموحدة والنائب منصور عباس، وكأنه استثناهم مِن السياق الوطني ودائرة الاجماع الوطنيّ الفلسطيني، وكون أن الحديث كان عن لب الصراع والقضية الفلسطينية وكيفية التوصل لتسويات فيها، حديثه عن الموحدة بهذا الشكل يُسيء لها كشريك أساس في الائتلاف ويضعفها أمام جمهور هدفها.

على كل حال، كان واضحا منذ البداية أنه كلما طفت القضايا القومية الوطنية على السطح، الموحدة ستجد نفسها مُحرجة، وفي نفس الوقت، تلتزم الصمت تكتيكا مُغلِّبة له بشكل مؤقت في سبيل نجاح الاستراتيجية وترجمة مشروعها السياسي على أرض الواقع لتقطف ثماره بالمحصلة النهائية، في واقع مركب كل خطوة فيه لها تداعياتها وانعكاساتها على عصب حساس مكشوف دائم.

وما زال السلام يفتش عن السلام في أرض السلام وما زالت الحياة السياسية والاعلامية مسرحا كل فيه يؤدي دوره وفقا للحاجة الجماهيرية التي تخدمه وتفرض نفسها عليه.

المصدر: مكان


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023