عندما تزداد وتيرة المطالبات ويبدأ نفاذ الصبر لكنها تبقى مجرد ضغوطات

فالح حبيب

محلل سياسي

مكان

مقال بقلم الصحفي والمحلل السياسي فالح حبيب

عندما تزداد وتيرة المطالبات ويبدأ نفاذ الصبر، لكنها تبقى مجرد ضغوطات


بعد مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة الجديدة ما هي الانجازات التي حققتها الموحدة في هذه الفترة وهل لها من مبرر للبقاء في الائتلاف.

مئة يوم على تشكيل الحكومة، مئة يوم على الدخول للائتلاف الحكومي وتسجيل سابقة في مجتمعنا العربي، قسم رحب بها وباركها ورأى بها ضرورة مُلحة، وآخر اِعتبرها خطيرة ومسا صارخا بالثوابت و "خيانة"، خاصة وقد اِعتادت الجماهير العربية على نمط التصويت التقليديّ الخالي مِن التأثير الجماعيّ، "يصوّتون لكنهم لا يؤثرون"، حتى ضاقت بهم الحاجة ذرعا في الجانب المدني والخدماتي، وعلى شبه اِتفاق ترسخ في الوعيّ الجماهيريّ لطالما شكّل حالة مِن المفهوم ضمنا، بحسبه يجب أن تبقى الأحزاب والقوائم العربية خارج الحكومة والائتلاف الحكوميّ، تُستثنى "اتوماتيكيا" مِن حسابات تشكيل الائتلاف مسبقا، وبالتالي مِن دائرة التأثير المباشر بشكل دائم أو على الغالب في القضايا التي تخص المجتمع العربي، وهناك مَن فضّل أن يكون التأثير بالوكالة أو بالنيابة، وحتى لا أُلغي تجربة الدعم "كشبكة أمان" وككتلة مانعة لحكومة رئيس الحكومة السابق "يتسحاق رابين"، فأحد مِن التيارات السياسية والأحزاب العربية لم يجرؤ على كسر حاجز النمطية والمُتبع وتخطي حدود البقاء في دائرة الدارج لاعتبارات كثيرة سياسية واجتماعية وأبعاد تاريخية وطنية وقومية وسياقات كثيرة ومتعددة لا تخلو مِن الوصم والقسم، وبقيت الأحزاب العربية في الكنيست في المعارضة، وفي المعارضة وما أدراك ما المعارضة؟ ما تم تحقيقه مِن "إنجازاته فُتات" لا يسد احتياجات مجتمع بأكمله، وكانت اجتهادات فردية وشخصية على هامش العمل البرلماني تعتمد على قدرات وحنكة السياسي الفرد وعلاقاته وفهمه لقواعد اللعبة داخل البرلمان نظرا لميزان القوى الذي يفرض النغمة والتحرك داخل الكنيست بعيدا عن الجماعية والمجموعة.

فجاءت العربية الموحدة متمردةً على النمطية والتقوقع في المفهوم ضمنا وانضمت بشكل مباشر كشريك للائتلاف لتنتقل مِن خانة ودائرة "المفهوم ضمنا" الى " لا للمفهوم ضمنا"، عاملة مِن خلال نهج تعتمد فيه على سلم الأولويات والموازنات والتوازنات الحساسة، وتُزين خطواتها بالميزان الذهبي بكل دقة، وراحت تسير في حقل الغام يتطلب استشعارا قويا للمخاطر فيه، لا تدعو لتفريط أو إفراط، بل كل ما في الأمر هو أنها تسعى لنبش القضايا الحارقة التي تخص المجتمع العربي على وجه الخصوص مِن خلال التأثير ليس على صُنّاع القرار، بل مِن خلال التواجد في موقع "طبخ القرار" ليكون بحجم المجتمع وتفصيله تماما، ليبدأ "عداد" عد الإنجازات بالمقابل مع ذلك، وكيف لا؟ وقد ربطت صحة نهجها بحجم تأثيرها، وبالتالي إنجازاتها، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، فالمجتمع ينتظر تحقيق التعهدات والوعود منها، والموحدة تنتظر هي الأخرى أن يفي الائتلاف بتعهداته لها ومعها، لتتغلغل وتصل للشارع والناس.

بدأ أنصارها على وجه الخصوص والمجتمع العربي بشكل عام بإحصاء إنجازاتها ويرددون ما الفائدة مِن إقدامها على هذه الخطوة إذا لم تُسَجْل اِنجازات عينية ضخمة تُشكل نقلة نوعية وسابقة؟! والعلاقة الطردية بين الوقت والضغط تتعزز.

بمعنى، كلما مر الوقت أكثر، اِزداد حجم الضغط على الموحدة وفي داخلها أكثر مع شح الانجازات وحجم التأثير اللاملموس بالشكل الذي تريده، بعيدا عن العيش في فقاعة القادة وعلاقاتهم بقادة الائتلاف، فما يرونه هم مِن هناك ليس بالضرورة ما يراه الناس والمجتمع، فما يراه المجتمع حتى اللحظة زيارات وتمهيد للعمل و "إنجازات طفيفة" لا تعكس تلك الضخمة الموجودة على الورق، وزرع بذور دون قطف ثمارها حتى اللحظة، وفي السياسة غالبية الناس لا تحتسب التحركات اِنجازات إلا إذا قطفت ثمارها على المدى القريب وليس البعيد، لهذا ترى السياسي دائما يركض خلف تسجيل الانجازات سريعا، فلديه "قريبا انتخابات"!


صحيح، صدقا، المئة يوم ليست بفترة طويلة زمنيا، لكنها كافية، وبناءً على المؤشرات، أن تكشف النوايا، نوايا الائتلاف، فالتحركات مؤشرات وللمؤشرات في عالم السياسة أهمية قصوى، الموحدة حتى اللحظة تلعب دور العجوز الحكيم الذي يراعي سلامة البيت والحفاظ عليه والوقت يمر و ما زال "عدّاد" عد الانجازات يعمل، لا يكترث لاجازات في الكنيست أو أعياد، فهذا حال "المزاجميتر" في المجتمع.


 ليُلقي هذا الوضع المركب بظلاله على الموحدة وقيادتها وتحركاتهم المحسوبة بالخطوة، وليبدأ "الأخذ والعطا" والضغط والنقاش الحاد بين الموحدة والائتلاف يأخذ شكلا مغايرا عما ظهر طيلة الفترة السابقة، فالموحدة تعلم أن أحد أهم محطات الضغط على قادة الائتلاف لتحقيق ما يجب تحقيقه وتحصيله في هذه المرحلة هو الميزانية، فتمريرها على الأقل سيمنح عامين مِن الاستقرار والثبات للحكومة وجرعة أكسجين كبيرة ومساحة هدوء لا بأس بها، وإذا لم يكن الضغط ذا جدوى الأن فمتى إذاً؟! ليزداد الضغط داخلها أكثر.

فالناس لها بالظاهر وليس بالخفي المستور، والعودة للناخب بخُفيّ حُنين لن يكون بالأمر الهين، ولا بد وحتما، أن تكون له تداعياته على "الصندوق"، خاصة وأنها اِختارت السير في حقل الألغام على القعود في "المنطقة والمساحة الآمنة".


الموحدة تريد المصادقة على القرى غير المعترف بها اليوم قبل الغد وتوسيع دائرة الاعتراف لتشمل أخريات


بدأت كما هو متوقع الحركشات وتفعيل الضغوطات، لتُأكد لي مصادر مطلعة عن وجود نقاش وخلاف بين الموحدة والائتلاف، وذلك حول طلب ومساعي الموحدة الرامية لتوسيع دائرة الاعتراف لتشمل قرى غير معترف بها أخرى في النقب، بالإضافة لتلك التي تم الاتفاق حولها وعلبها ضمن المفاوضات وشملتها الاتفاقيات الائتلافية، فالاتفاق يشمل الاعتراف الفوري بثلاث قرى غير معترف بها في النقب خلال 45 يوم منذ بدء عمل الحكومة، في الوقت الذي تؤكد فيه المصادر أن "يمينا" و "تكڤا حدشا" يرفضان ذلك ويهددان بعدم جلب الموضوع وطرحه للبت فيه خلال جلسة حكومية، إلا إذا تراجعت الموحدة عن طلبها والتزمت بالاتفاق الأساس، رغم أن الاتفاق الاساسيّ لم يُنفذ بعد! ليثقل هذا الموضوع مع وفاة النائب الراحل سعيد الخرومي وما خلّفه غيابه مِن فراغ سياسيّ كاهل الموحدة.

الموحدة ترى بذلك ضرورة سياسية ومجتمعية وانسانية مُلحة، خاصة بعد وفاة النائب سعيد الخرومي.

أما مصدر كبير في الموحدة يتطرق لموضوع النقاش والخلاف وكان قد عقب لي: "نحن نقوم بواجبنا تجاه النقب ومجتمعنا وهذا ما يحركنا. ومتوقع أن تكون خلافات".

هذا الرد الديبلوماسي "الضبابي" يترك الأمور مفتوحة على مصراعيها دون تأكيد أو نفي، لكن لمن يقرأ خلف السطور يرى أن الموحدة تتوقع أي خلاف في أي لحظة، ليس فقط حول قضايا النقب التي تمنحها أولوية قصوى، بل في جميع قضايا المجتمع العربي الحارقة التي تسعى جاهدة لحلها أو تحقيقها، وذلك نتيجة لتوليفة الائتلاف الحكومي الحالية، حكومة التناقضات والفجوات العميقة الموجودة بين مركبات الائتلاف، التي تزيد وتُعزّز امكانيات الاختلاف في وجهات النظر ووقوعها بأي لحظة أكثر.

لا تندم على حرب أنضجتك! الموحدة بين مطرقة المطالب وسندان عدم خرق التوازنات وكسر قواعد اللعبة

الموحدة حتى اللحظة تجد نفسها بين اتفاقات لم تترجم بعد إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع بالزخم الذي تريده وعلى الشكل الذي يُرضيها، في الوقت الذي فيه هناك أطراف عربية أخرى داخل الائتلاف تحاول مزاحمتها على نفس "الانجازات"، بل وأخذ الرعاية عليها والرصيد ("الكريديت") التي تخص المجتمع العربي الذي تحاول أن تفرض وصايتها عليه بنفسها، ما يزيد مِن حجم التحدي، وفي نفس الوقت، الإحباط والعض على الشفاه! وكما أشارت جهات سياسية في الموحدة: "الكل حقق مكاسبه ونفذ اتفاقياته حصلوا على وزارات ونيابات ولجان الخ، إلا الموحدة ما زالت تنتظر!" رغم أن ذلك ليس بدقيق جدا وفيه ما فيه مِن السطحية السياسية، ولكن فيها تحليل يعكس نبض الشارع.

ليأتي وزير المالية ليبرمان، أحد أقطاب الائتلاف الحالي، ويُصرّح: "لا توجد مع الموحدة أي خلافات حول الميزانية، بل لديها قضايا أخرى نعمل على حلها"، بإشارة منه أن قضايا الموحدة لا تتعلق بالأموال والميزانيات المُتفق عليها، بل بمحاور وملفات أخرى كملف النقب وغيره.

الموحدة بنهجها الحالي ودخولها الائتلاف أرادت شطب "التوهم" والانتظار ودخلت الطريق الوعر الخطر، لهذا تعمل على أن لا يفوتها القطار وسريعا تحقيق شيء "للدار".

هل ما تقوم به الأن الموحدة هو مجرد تفعيل ضغط و"تهويش" وتهديد وكأن لسان حالها للنقب يقول: مستمرون، عن دربك سعيد لا نحيد، أم أن التلويح بفك الشراكة، وبالتالي الائتلاف مِن خلال التهديد والوعيد هو فقط مادة إعلامية للصحافة العبرية بالذات، لتصل الرسالة لقادة الائتلاف أسرع والإعلام يلعب دور الوسيط؟!

الخلافات وفرص وقوعها كبيرة مع وجود التناقضات والفجوات وتفعيل الضغوطات، لكن لدى قادة الائتلاف هناك قناعة، تعززت مع مرور الوقت، أن الموحدة تشد الحبل وقد تصل به لآخره، لكن لن تقطعه، لأنها أدركت ما جميعنا ندركه، الموحدة لن تذهب إلى انتخابات رغم التسريبات التي وصلت لبعض الصحافيين اليهود أن الموحدة بدأت بالاستعداد للانتخابات! قناعة أن الموحدة لم تصل بعد لنقطة "اللا بقاء في الائتلاف" ونقطة "الخروج الآمن" منه التي تُتيح لها العودة للناخب بهامة مرفوعة وفواتير مدفوعة، وفي السياسة اللامثالية لا مكان للمقولتين: لا تندم على حرب أنضجتك، ولا نتوب عن أحلامنا مهما تكرر انكسارها!

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023