المسؤولية الوطنية لدى الأسرى الفلسطينيين

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

المسؤولية الوطنية لدى الاسرى الفلسطينيين  

مداخلة في الندوة السياسة التي اقاَمها مركز أطلس للدراسات-غزة 

 بتاريخ 27-9-2021
ناصر ناصر 



تحياتي واحترامي لكافة الأخوات والاخوة المشاركين في هذا النشاط العلمي الوطني المتميز حول قضية الأسرى في أعقاب عملية نفق الحرية في جلبوع ولكافة أبناء شعبنا وامتنا وأحرار العالم أجمع يدرك الاسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال قدرهم في عقول وقلوب أبناء شعبهم الفلسطيني الكبير كرموز للنضال من أجل حريته وكرامته وتقرير مصيره وكرواد للتضحية والعطاء لتحقيق الأهداف الوطنية العامة، وكذلك مكانتهم كممثلين أوفياء للقضية الفلسطينية العادلة، وقد أسهمت عملية انتزاع الحرية في نفق جلبوع في أيلول الحرية والنصر في 2021 في إبراز وتجلاي هذه المكانة، بل في تعزيزها لدى أبناء الشعب الفلسطيني والعالم؛ لذا قام السرى سابقا ويعملون حاليا وفق جهدهم وطاقتهم لرفع ودفع المشروع الوطني الفلسطيني وفهموا وأدركوا مدى المسؤولية الوطنية الكبيرة التي تقع على عاتقهم والتي حمّلها لهم أبناء شعبهم على الرغم من صعوبة وتعقيد أوضاع الأسرى داخليًا، وأصعب منها وأعقد ظروف الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في الضفة الغربية وغزة والشتات.

أود التركيز في هذه المداخلة التي تشرفت بها على مظهرين رئيسيين من مظاهر المسؤولية الوطنية التي يتمتع بها الأسرى ،ثم استدراك هام أختم به هذه المشاركة.

الأولى تاريخيًا وقبل عملية الحرية في جلبوع والثاني أثنائها وبعدها حتى الآن.
 

أما الأولى: فقد كانت مشاركة الأسرى في رأب الصدع ومحاولة إنهاء الخلافات الفلسطينية الداخلية من خلال مبادرتهم بتقديم وثيقة الأسرى والتي تشرفت شخصيًا بالمشاركة الفاعلة فيها بصفتي مسؤولاً ومنسقاً للهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في السجون إلى جانب الشيخ عبد الخالق النتشة والقائد مروان البرغوثي والمرحوم عبد الرحيم ملوح ومصطفى عمارنة ،وقد نجح الأسرى حينها في مشروعهم حيث تبنى الشعب الفلسطيني بكافة فصائله هذه الوثيقة التاريخية لتصبح وثيقة الوفاق الوطني ومرجعًا مهمًا لأي عملية مصالحة، أو توافق وطني تمت أو نأمل ان تتم وتنجح في الفترات القادمة

 ولا بد هنا من الإشارة أن ظروف الأسرى الداخلية والتي تأثرت بوضوح وللأسف الشديد بالانقسام الفلسطيني البغيض وكذلك ظروف الشعب الفلسطيني التي ازدادت تعقيدا لا تسمح في تقديري الخاص في أن ينجح الأسرى من جديد في تكرار هذه التجربة في الوحدة والمسؤولية الوطنية، ومع ذلك فلن نيأس وسنستمر كأسرى في محاولة إبداع مقاربات جديدة لتوحيد الصف الفلسطيني والتوصل للمصالحة ومن ثم للوحدة الوطنية وإلى جانب ذلك تعزيز الخطاب الوطني الديموقراطي التحرري في مواجهة الاحتلال الغاشم وأدواته في المنطقة.

أما الثانية فقد ظهرت في المسؤولية العالية التي أدركها قادة الأسرى في أثناء اتخاذهم لقرارات مواجهة سلطات مصلحة السجون وإجراءاتها التعسفية الجارفة ضدهم في أعقاب فشلها الذريع أو بالأحرى للتغطية على فشلها الذريع في منع ثلة من الأسرى من انتزاع حريتهم في جلبوع، فقد أدرك الأسرى وعلموا من خلال اتصالاتهم بقادة فصائل المقاومة وتحديدًا في قطاع غزة من ان اصرارهم على تحقيق 100% من مطالبهم قد يؤدي إلى جولة عسكرية عنيفة تطال كل أبناء شعبنا وتحديدا في قطاع غزة، لذلك جدولوا مطالبهم وفق الأولويات الوطنية واكتفوا في تحقيق 90% من مطالبهم في هذه الجولة والاستمرار في المطالبة ببقية المطالب بطرق ذكية أخرى تضغط سلطة السجون ولكنها لا تؤدي إلى حرب في قطاع غزة، وإن لم يعتبر هذا التصرف مسؤولية وطنية من الأسرى فما الذي يعتبر؟؟


واستدرك وأقول أنَّ من المسؤولية الوطنية أيضا صبر الأسرى وثباتهم وتحملهم سنين الاسر والمعاناة الطوال على أمل وتوقع قيام فصائل العمل الوطني التي ارسلتهم للنضال والمقاومة باستعادتهم وتحريرهم في صفقات تبادل وطنية مشرفة، فحرص الاسرى على معنويات شعبهم وتحديدًا وهو يواجه آلة القمع الصهيوني ويناضل مجاهدًا من أجل حريته وكرامته واستقلاله يمنعهم ومن منطلق المسؤولية والحس الوطني العالي من توجيه انتقادات مبالغ بها رغم مصداقيتها وأحقيتها تجاه اخوانهم في فصائل العمل الوطني، ولا يعني هذا عدم إدراك الأسرى لأهمية التذكير المتواصل والمطالبة المستمرة بقيام الفصائل بواجبها الشرعي والوطني بإطلاق سراحهم ولكن بهدوء وبما لا يضر المناعة الوطنية أو يخدم أهداف الاحتلال وأعوانه.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023