بقلم المستشار/ أسامة سعد
"أملنا لم يضع بعد، الأمل الأزلي أن نعود إلى بلاد آبائنا، وأن نكون أمة حرة في بلادنا بلاد صهيون وأروشليم القدس"، هذه العبارات هي مقدمة نشيد هتكفا الذي ألفه الشاعر اليهودي النمساوي هرتس إمبر، هذا النشيد استمر نشيداً وطنياً غير رسمي لدولة (إسرائيل) منذ عام 1948م حتى صدر قرار عن الكنسيت الصهيوني في عام 2004م باعتباره نشيداً وطنياً لدولة (إسرائيل)، وفي فلسطين اعتمد مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2005م نشيد الفدائي الذي ألفه الشاعر سعيد المزين نشيداً وطنياً لفلسطين بعد أن كان نشيداً للثورة الفلسطينية منذ العام 1972م، كلمات النشيد الوطني الفلسطيني في البيت الأخير منه تقول: بحق القسم تحت ظل العلم، بأرضي وشعبي وثار الألم، سأحيا فدائي، وأمضي فدائي، وأقضي فدائي إلى أن تعود.
الوزيرة الصهيونية "إيليت شاكيد" أنشدت النشيد الوطني الصهيوني بكل فخر في قطر وفي الإمارات، وكانت دموعها تسيل وهي تغني نشيد "بلادها" الوطني بكل فخر في أرض العرب، الذين حاربتهم وقتلت أبناءهم وارتكبت هي وأسلافها العديد من المجازر بحقهم، ثم ها هي تغني نشد هتكفا في عواصمهم بكل فخر، لا شك أن مصدر فخرها كان ترديد عبارات مغرقة في الصهيونية في بلاد الأعداء العرب، وعلى وجه الخصوص الشطر الأخير من النشيد الذي تقول "أن نكون أمة حرة في بلادنا بلاد صهيون وأورشليم القدس"، دون أن يعترض العرب على ذلك، ليس للبعد الإسلامي والعربي إن كان هذا يخجلهم، بل للبعد القانوني الدولي الذي صدرت به عشرات القرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تؤكد أن القدس مدينة عربية محتلة.
ومن الطبيعي أن يتوارى نشيد الفدائي ويتراجع للخلف أمام هتكفا في بلاد العرب عندما يجد هتكفا كل هذا الترحيب والاحترام، ولا يجد الفدائي إلا الإعراض بل وعدم الاحترام والتنكر له حتى في المحافل الرسمية العربية، التي أصبحت لا تخجل من البوح بما تكنه صدورهم من كره لحق الشعب الفلسطيني الذي تمثله المقاومة، ومن ثم إلصاق صفة الإرهاب بها، وفي المقابل تجد رحابة الصدر بشاشة الوجه وحسن الوفادة وكرم الضيافة التي تلقتها شاكيد ورفاقها وموطنيها في بلاد العرب، ليصل إلى الحد إلى أن يتمنى صاحب الفدائي الرسمي الرئيس عباس لقاء شاكيد وهي مجرد وزيرة في حكومة، لترفض الأخيرة بشدة في استخفاف واضح بطالب اللقاء الذي ما زال يفتح ذراعيه منذ زمن أملاً في أن يقبل عليه من يمثل نتفالي بينت بلا جدوى، وذلك بعد يأسه طبعا من لقاء بينيت نفسه الذي لا يعترف بمحمود عباس ولا بسلطته أصلاً، شاكيد عندما ترفض لقاء أبي مازن فإنها بهذا العمل تعبر عن إيمانها بـ (النشيد الوطني الصهيوني) لأنه يقول إن القدس هي للشعب اليهودي، وأبو مازن حسب زعمها ينكر المحرقة وما زال يعلن انه يتمسك على الأقل بشرقي القدس عاصمة لدولة فلسطين، هذا طبعا إن لم يكن خلف الأكمة ما خلفها من مواقف لا نعلمها نحن الشعب الفلسطيني، ولكن دعونا نحسن الظن خصوصا وأن أبا مازن قد ألغى الانتخابات التشريعية لأجل عيون القدس كما أعلن، ولكنه الآن لا يعترض على استثناء حكومته للقدس من الانتخابات المحلية التي تجرى في الضفة، فهل هانت القدس في الانتخابات المحلية بعد أن كانت عزيزة في الانتخابات التشريعية؟ أم أن هذه الخطوة عربون صداقة لشاكيد علّها تقبل لقاء أبي مازن؟
ليس غريباً أن يهان الفدائي بهذا الشكل ويعلو هتكفا بالمقابل، في ظل زعامات من أمثال قيادتنا الرسمية التي انحدرت في مواقفها إلى حضيض عالم السياسة إن كان للسياسة حضيضاً، في الوقت الذي يشمخ فيه الشعب الفلسطيني حتى يطاول العلياء بهامته فخراً وكبرياء مستحق عن تضحية وفداء عز نظيرها في عصرنا الراهن.
تتشابه كلمات هتكفا والفدائي في معانيهما، ولكن شتان بين نشيد يعبر عن باطل مصطنع ونشيد يعبر عن حق أصل، وشتان بين قيادات تؤمن بنشيدها الوطني حتى لو كان باطلا ومزيفا وقيادات تهين نشيدها الوطني الصادق الذي يعبر عن حق لا يمحوه الزمن، صحيح أن الفدائي يشعر بالخذلان اليوم من تخلٍ رسمي عربي معلن دشنته اتفاقات أبراهام العلنية، وما خفي منها هو أعظم بلا شك، ولكن ما زال الإيمان بالفدائي حاراً في نفوس أبناء الشعوب العربية التي ما اختبرت يوماً بحب فلسطين إلا وأثبتت عن جدارة هذا الحب والعشق الأزلي لها ولشعبها، قد يتوارى الفدائي بعضاً من الوقت بفعل قيادات فلسطينية وعربية هزيلة، ولكن إيماننا مطلق بأنه سيُنشد في القدس الحرة قريباً تحت ظل العلم الفلسطيني وفي ساحة المسجد الأقصى، وبدون تلك القيادات التي الفلسطينية والعربية التي تسلقت حاضر شعبنا في لحظة تاريخية عابرة.