"أبو يائير" لا تهدم المحراب ولا تغلق الأبواب، فمن يدري؟

فالح حبيب

محلل سياسي

مكان

"أبو يائير" لا تهدم المحراب ولا تغلق الأبواب، فمن يدري؟

بقلم: الصحفي والمحلل السياسي فالح حبيب


انطلقت هذا الأسبوع الدورة الشتوية للكنيست بعد الاجازة الرسمية، هي شتوية لكنها ستكون صيفية ساخنة وملتهبة حارة ومُرهقة لجميع الجهات السياسية الفاعلة فيها نظرا للتحديات والمقاصد التي تقف أمام الائتلاف وسيسعى لتمريرها، وأهمها الموازنة العامة، الميزانية الغائبة عن المشهد منذ 3 أعوام في البلاد، وذلك ليتسنى للحكومة بايفاء وعوداتها للجماهير مِن جهة، وتعهداتها للشركاء السياسيين ومركباتها مِن جهة أخرى.

هذه التحديات والأهداف، بل وأكبر منها بكثير ينتظر الموحدة التي تسعى لبدء قطف الثمار وتسجيل انجازات تُمكنها مِن العودة الآمنة للناخب العربي في البلاد، لهذا ينتظر الموحدة أسابيع حاسمة، خاصة وهي تعلم أن الميزانية هي محطة تفعيل الضغط الكبرى وقد تكون الأخيرة، وإذا ليس الأن فمتى إذاً؟! وهذا ما عبّر عنه مصدر كبير في الموحدة خلال محادثة جانبية معي:

"أمامنا شهر حاسم جدا، نحتاج فيه لإنهاء الخطة الخمسية وإقرار الميزانية، ومن جهة أخرى نريد اتخاذ مجموعة قرارات تخص بلداتنا العربية كتوسيع مناطق النفوذ وتحويل مجالس محلية إلى بلديات، وغير ذلك من الطلبات العينية الخاصة بالمجتمع العربي".

أما النائب وليد طه فهو الآخر كان قد وضح لي بشكل قاطع، إن الموحدة جادة بتصريحاتها وستذهب لانتخابات بحالة ولم تُنفذ الاتفاقات معها حتى منتصف شهر نوفمبر (11).

ومع ظهور نتائج استطلاع الرأي العام التي نُشرت تزامنا مع افتتاح هذه الدورة، يزداد الضغط داخل الموحدة أكثر، وهذا طبيعي ومتوقع، لكن القلق حتى اللحظة لا، خاصة وأنه لا يوجد انتخابات في هذه المرحلة، وما يساعد الموحدة بذلك هو أن "يمينا" بالكاد تجتاز نسبة الحسم و "تكڤا حداشا" تتلاشى عن الساحة السياسية، ما يعني أنها بالمنطق السياسي لن تجرؤ على الذهاب إلى انتخابات في هذه المرحلة، ما يمنح الموحدة نفسا و "وقتا" وشعورا بالارتياح المرحلي المؤقت حتى تبدأ بتحقيق أول إنجازاتها العينية الضخمة لماذا؟

وإن كانت الاستطلاعات كالصورة توثق لحظات مِن عمر الفرد وتُستغل ضمن الحرب النفسية إما لتعزيز قوة أو اضعاف قوة ولا يوجد حاليا انتخابات ولكن، ولكن باعتبار أنها تُوثق مواقف وأراء وتعكس توجهات، ربما هي متغيرات تتأثر بالتحركات والاحداث الخ، استطلاع كميل فوكس على سبيل المثال يُشير إلى أن الموحدة تتراجع بمقعد عن الاستطلاع الذي سبق الحالي على الورق. هل هذا مؤشر لتراجع منهجي؟

هذا يأتي بسبب ضجر الجماهير التي بشكل عام تعمل بالكُن فيكون وتريد تحقيق الانجازات على أرض الواقع والمدى القصير، لهذا دائما ترى الكثير مِن السياسيين يقودون حيثما يُراد وليس حيثما يجب ويسعون لصرف الفواتير بشكل سريع، وقد باتت الموحدة جزيرة في قلب محيط عاصف.

الموحدة لا تضغط عبثا لتحقيق التعهدات وتطبيق الاتفاقيات، فهي تعلم تماما أن الرأي العام مُتقلّب وهي تسير على أرض رملية متحركة، هذا يُدخلها إلى حالة مِن الضغط لمواصلة ضغطها على الائتلاف، لكن لا يرفع منسوب القلق داخلها.

أما التحدي الآخر والذي على الائتلاف تجاوزه، فهو التوقف عن مزاحمة العربية الموحدة على الانجازات التي تخص المجتمع العربي، إذ يظهر مؤخرا مِن خلال تحركات أحزاب "جناح المركز يسار" التي ترى بالمجتمع العربي جمهور هدف وبنك أصوات، فوضعته على مرمى التوجه إليه، وبدأت بمزاحمة الموحدة على "الكريديت"، كل ذلك في الوقت الذي تلعب فيه الموحدة وما زالت دور الوصيّ على المجتمع العربي ودور البوابة الحصرية له، وإلا كيف يمكن تفسير ما حدث خلال زيارة الوزيرة ميراڤ كوهين إلى مدينتيّ الطيرة وجلجولي واحتجاج النائب منصور عباس؟!

وللمعلومة الموحدة وقادتها أجرت اتصالات مع العديد من الأطراف، وعلى رأسها مع وزير الخارجية، رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لبيد كنقطة نظام ولمحاولة فهم إذا كانت هذه المزاحمات عفوية أم أنها مقصودة وبتوجيهات مباشرة منه.

هاجس شراكة نتنياهو جانتس تلقي بظلالها، لكنها شراكة قُبرت قبل ولادتها، واكرام الميت دفنه

مغازلة نتنياهو لجانتس وسيناريو التحالف بينهما لم يعد واقعيا..

هذه المغازلات سيتم الاحتفاظ بها في الأرشيف، وإمكانية التحالف بين نتنياهو وجانتس لم تعد واقعية بعد عودة الحديث، وبقوة، عن لجنة تقصي الحقائق فيما يتعلق بقضية الغواصات التي يقف خلفها جانتس.

إمكانية هذه الحكومة باعتقادي لم تعد واقعية وقائمة، ناهيك عن الحاجز التسويقي الاستراتيجي، "تنهون عن خلق وتأتون بمثله"، في الوقت الذي فيه نتنياهو يُهاجم بينيت تحت ذريعة عدم وجود شرعية جماهيرية له بسبب 6 مقاعده، فماذا عن ثمانية مقاعد كاحول لڤان وجانتس مثلا؟!

سيناريو غير قابل للتحقق رغم أن في السياسية لا يوجد منطق أحيانا كثيرة وكل شيء وارد.


الموحدة ستواصل الضغط لبدء صرف الفواتير ومنصور عباس يصيح "أبو يائير" لماذا?

عندما قاطع النائب منصور عباس خطاب نتنياهو وصاح به بكنيته "أبو يائير" لم يكن ذلك عبثيا، فهو صاح بنتنياهو: "أبو يائير كلامك غير صحيح" كان قاصدا، أراد مِن خلال ذلك أن يضرب بحجر واحد أكثر مِن "عصفور" وهدف، فهو قصد تلطيف الأجواء مع بينيت التي شهدت توترا في الأيام الأخيرة بعد أزمة الغاء الزيارة مِن أم الفحم في ظل نزع الشرعية عن الحكومة المتواصل لوجود العربي فيها، رسالة لليمين والمجتمع الإسرائيلي. ومن جهة أخرى سعى ليُعيد إلى الأذهان ذلك النتنياهو الذي تحوّل لأبي يائير بهدف حصد الأصوات في المجتمع العربي، وجميع مغازلاته للموحدة والنائب منصور عباس ومحاولاته بناء تعاون وشراكة معهم في فترة الانتخابات، وركوعه على مرفقه في النقب وصب القهوة السادة وغيرها، وذلك للحصول على أصوات العرب، وليس هذا فحسب، بل لتذكيره مرة أخرى بكل الاتصالات والتوسلات لإقامة ائتلاف بدعم الموحدة مِن داخله أو خارجه، فكيف أصبح وتحول النائب منصور عباس فجأة رافعة لتوجيه ضربات للائتلاف الحالي، في الوقت الذي فيه سعيت أنت بنفسك نتنياهو لتحويله رافعة لائتلافك أم هو الكيل بمكيالين؟!

وهناك تفسير آخر أيضا، هي رسالة لنتنياهو ألا "يهدم المحراب" ويُغلق الباب وأن لا يهدم جسور التواصل، فمَن لا تحتاج وجهه اليوم ربما تحتاج "..." غدا، خاصة والموحدة تحاول في هذه الأثناء تفعيل ضغط على الائتلاف لتمرير جُملة مِن القرارات تُسجَّل لها كإنجازات قبل اغلاق محطة الضغط الهامة مع تمرير الميزانية، وبالتالي أبو يائير اِستُغل رافعة لضغط الموحدة المتواصل على الائتلاف،

ولسان حال النائب منصور عباس: أبو يائير لا تهدم المحراب ولا تغلق الباب فربما تعود الكَرّة، ولكن ربما هذه المرة، أقول لك باي باي فمن يدري.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023