"ريح السموم" في مواجهة "رياح الجنوب"

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين 
14 10 2021

يجهد قادة العدو؛ سياسيوهم وعسكريوهم عند انتهاء خدمتهم أو انتقالهم من منصب إلى آخر، يجهدون في تعداد إنجازاتهم وتسليط الضوء على ما كان يجب أن يفعلوا أثناء خدمتهم، ولكن الحظ لم يسعفهم في تنفيذه لاعتبارات سياسية أو إدارية حالت دونهم ودون تنفيذ ما كانوا يخططون له، ومن هؤلاء القادة؛ قائد سلاح المشاة أو ما يعرف بذراع البر عند العدو الإسرائيلي الجنرال "يوئيل ستريك" الذي أنهى خدمته التي امتدت لمدة سنتين ونصف كقائد لهذا السلاح، ويجهز الآن نفسه للخروج في إجازة دراسة بحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، ونشير هنا إلى أن هذا الجنرال من المرشحين المحتملين لتولى منصب رئيس هيئة أركان العدو القادم، حيث نشرت صحيفة هآرتس مقابلة لهذا الجنرال مع الصحفي "عاموس هرئيل "مجيباً فيها على الأسئلة التي وجهت له حول الفترة التي قضاها قائداً لسلاح المشاة، وأين أخفق وأين نجح؟ ولماذا لم يتم تفعيل سلاحه بشكل أكبر في المعارك التي خاضوها في مواجهة المقاومة في غزة؟ هل أن المانع عدم ثقة المستوى السياسي بقدرات القوة البرية؟ أم أن أمراً ما حال دون هذه القوات والتشغيل؟ وهنا أشار هذا الجنرال إلى أمر مهم يجب أن ينتبه له كل قائد عسكري، حيث رد في معرض الإجابة على هذا السؤال بمبدأ مهم يضبط تشغيل أي قوة عسكرية، فقد أشار في إجابته عن سبب عدم تفعيل قدراتهم البرية في تلك المعارك بقوله " أنت لا تقوم بهجوم بري في أراضي العدو من أجل أن تثبت قدراتك أو من أجل رفع المعنويات الوطنية، أنت تقوم بهجوم بري عندما تكون هناك حاجة لذلك، في النهاية يوجد سياق استراتيجي لكل معركة، نحن سنقوم بالهجوم البري عندما يخدم ذلك أهداف الحرب "، ثم عرج في إجاباته إلى ثلاث تدابير قيادية تحكم عقيدتهم الهجومية ألا وهي أنه يجب أن يكون الهجوم قصير الوقت منخفض الثمن عالي الجدوى !!. هذه هي الخلاصة المهمة لهذا القائد والتي تنم عن أنه قائد يفهم المهمة ولا يطيشه تعليق المعلقين ولا عتب العاتبين، الأمر الذي يجب أن يتحلى به أي قائد عسكري ليحقق النجاح في مهمته. ثم نشر موقع الهدهد ترجمة لمقال "عومري دوستير " في مجلة معروخوت والذي عنونه بعنوان " كيف سيحسم الجيش الإسرائيلي المعركة القادمة في غزة؟ " حيث ركز الكاتب في مقالته على العودة إلى تفعيل سلاح المشاة في حسم المعارك في غزة أو في الشمال، ذاكراً أنه قد تم بلورة خطة عمل تحت مسمى " رياح الجنوب " للتعامل مع قدرات المقاومة المتنامية في غزة، هدف هذه الخطة يتحقق من خلال خوض معركة مشتركة وتشابك أذرع القدرة العسكرية الإسرائيلية البرية والجوية والبحرية في مهمة واحدة تُستثمر فيها كافة القدرات الخشنة والناعمة المعادية من أجل تحييد قدرات المقاومة وضرب مراكز ثقلها والوصول إلى عيون أنفاقها ( لفقئها )، في جهد يجب أن يكون متفوقاً على العدو ( المقاومة ) قصير المدة وحاسم الإجراءات، وهذه هي نفس المفاهيم التعبوية التي تطرق لها الجنرال "يوئيل ستريك"، والتي تشكل فحوى خطة "تنوفا" التي أقرها الجنرال كوخافي مع بداية تسلمه منصبه في رئاسة هيئة الأركان. 
إذن نحن أمام خطة عمل تهدف إلى الوصول السريع إلى مراكز ثقل المقاومة لتدميرها وتحييد عناصر قوتها عبر استخدام كافة القدرات النارية والاستخبارية المتاحة للقوات المناورة، في حركة أشبه ما تكون برياح عاصفة تلف منطقة العمليات لتنجلي ـــ كما يخططون ــ عن مشهد دمار وخراب لا ينهي المقاومة ولا يستأصل شأفتها؛ وإنما يجز ما راكمت من قدرات وحشدت من طاقات. أمام هذه الرياح التي يجب أن تكون كما قال العدو قصيرة الوقت فلا ينتبه لها إلا وقد أنهت مهمتها، ولا تفقد من زخمها، فما ستدفعه من ثمن وتتكبده من أكلاف يجب أن يكون منخفضاً محتملاً، تأتي على أخضر المنطقة ويابسها. أمام " رياح الجنوب " هذه، يجب أن تثير المقاومة " ريحاً " صرصراً عاتية تفشل العدو وتحول دونه ودون تحقيق ما يصبو له من أهداف، فتعمل هذه " الريح " على : 

  1. إطالة وقت رياحهم:
     أما وأنهم يريدونها قصيرة الزمن، سريعة الهبوب، فلا يفطن لها ولا ينتبه لمفاعيلها إلا بعد خمودها، ولا يرجى لها علاج لسرعتها وتنقلها من منطقة إلى أخرى، فلا يُلحق بها ولا يمسك لها بطرف، أما وأن نيتهم هذه؛ فإننا يجب أن أن نطيل زمنها عبر الآتي من الإجراءات: 
  • منع الحشد:
     إن أول إجراء يطيل زمن هذه المعركة وتلك الرياح هو، منع حشد القدرات المعادية أمام مناطق المسؤولية، وضربها في مقارها الابتدائية المتوقعة كمناطق حشد وتجميع. إن هذا الإجراء سوف يطيل زمن العمليات الإدارية التمهيدية المصاحبة للعملية العسكرية، مما سينعكس حكماً على الجداول الزمنية للعمليات التعبوية المطلوب تنفيذها من قبل قوات المناورة. 

  • ضرب التنظيم القتالي للعدو: 
    كما أن ضرب التنظيم القتالي للقوات المناورة سوف يحيل عملها المنظم والمخطط له، إلى عمل عشوائي لا يسير وفق ما رسم وخطط له، وهنا أيضاً ستتقدم قوات وتتأخر أخرى في تأدية واجباتها القتالية، مما يعني تمهل المسرع المتقدم، ليلحق به البطيء المتعثر، وفي تمهل المسرع فرصة لاستجماع القوة الذاتية وحشدها، وفي إبطاء المتعثر فرصة أخرى لتكبيده خسائر. 

  • زيادة الأهداف ونشرها في عرض وعمق منطقة العمليات:
    كما أن زيادة الأهداف ونشرها في عرض وعمق منطقة المسؤولية، يفرض على العدو تقسيم قواته وجهوده، واشتباكه في أكثر من موقع، مما يزيد فرص تأخر بعض هذه القوات في تنفيذ المهام، الأمر الذي يعني زيادة الوقت الكلي للعمليات، مما يعني بدء تشكل رافعة ضغط داخلية ضد قيادة العدو، تطالبه الانتهاء السريع من العمليات العسكرية التي تشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة والشعب، وجعلها مكلفة كما يجب على " ريحنا " أن تفرض على العدو أكلافاً وتجبي منه خسائر، بشرية ومادية، وليكن التركيز على البشري منها، فالخسائر البشرية هي التي تجبر العدو على التراجع، وهي التي تشكل عامل ضغط عليه من قبل مواطنيه، وهنا نشير إلى أن رفع الأكلاف على العدو من الممكن أن يتحقق عبر الآتي: 


  • ضرب العمق المعادي: إنها البطن الرخوة للعدو، فيها يتركز مواطنوه، وفيها مراكزه الحيوية، وفيها أسباب الحياة التي يبحث عنها كل ( مواطن ) في كيانه، وهي مناطق لا يمكن أن تتم حمايتها بشكل كامل، ولا تغطيها بفاعلية؛ لا قبة حديدية ولا قبة فولاذية، وسيبقى هناك ثغرات تنفذ منها نار المقاومة القوسية أو المباشرة، لذلك فضرب هذا العمق يعني فشل العدو في حماية كيانه ومواطنيه، مما يعني فقدان مبرر الوجود وداعي التبجيل والاحترام له من قبل مواطنيه، وفي هذا مصلحة صافية للمقاومة. 

  • ضرب مناطق الحشد: كما أن مناطق الحشد كونها مناطق مؤقته، فإن إجراءات التأمين التي تتخذ فيها تكون في أغلب الأوقات غير ذات فاعلية، وكفاءتها منخفضة، واستهداف هذه المناطق بصليات النار القوسية والمباشرة، يلحق بالعدو خسائر مهمة، قبل أن يبدأ في تنفيذ المهمة، وفي هذه المناطق الخسائر ظاهرة مرئية من قبل الجنود، مما ينعكس سلباً على روحهم المعنوية، وكفاءتهم القتالية.

  • الاشتباك القريب مع العدو: تبقى نار إسناد العدو، القريبة منها والبعيدة، فاعلة وتعمل عملها إلى حين التحام الصفوف، والقتال من مسافة الصفر، عندها تُحيّد قدرات العدو النارية التي تعطيه الأفضلية، لذلك يجب الحرص على سلامة مقاتلينا، وعدم زجهم في المعارك من بدايتها، بل يجب أن يُصبر إلى حين اقتراب المقاتلين من بعضهم البعض، الأمر الذي يعقبه رفع نار الإسناد المعادية عن منطقة العمليات، عندها يخلّى بين المقاتلين والاشتباك مع عدوهم من مسافات قريبة، الأمر الذي يمنحنا يمزة نابعة عن شجاعة مقاتلينا وجبن مقاتليهم. 

  1. وتقليص نتائجها: كما يجب منع العدو من تحصيل نتائج عدوانه عبر منعه من تحقيق أهدافه التي تحدث عنها في خطة " رياح الشمال " من ضرب لأصول المقاومة؛ البشرية منها والمادية، عبر الإجراءات الآتية: 
  • رعاية أصل التأمين الشامل: إن أهم ما يمكن أن يحول دون العدو والوصول لأهدافه وتحقيقها ـــ بعد فضل الله وستره ــ هو رعاية أصل التأمين الشامل القاضي بحفظ أمن المقاومة في أصولها الثلاثة الأهم ألا وهي : الأفراد والمعلومات والمنشآت، إن بناء المقاومة إنما يقوم على هذه الأثافي الثلاثة، فحرمان العدو من المعلومات يعني فقء عينه وتركه على غير هدى، يخبط خبط عشواء، وبحفظها ـــ المعلومات ــ تحفظ الأفراد والمنشآت، وتحمى الخطط والإجراءات، فلا يصيب منا مقتلاً ولا يهدم لنا منزلاً ولا منشأة. 

  • استخدام تكتيكات الدفاع السلبي: إن هذا العدو يتفوق علينا بما يملك من أدوات وقدرات قتالية، عالية التقانة، قادرة على التعامل مع أي هدف يلوح لها في الأفق، والتصدي له يجب أن يراعي في جزء منه أصول الدفاع السلبي التي تعني في مجملها عدم التعرض لقدرات العدو المهاجمة بقدرات دفاعية نشطة، قد تعيقه ولكنها لن توقفه، واستخدام هذه القدرات يعني كشفها لناره بمختلف صنوفها ومدياتها، ومظنة خسارتها دون أن تحقق في العدو مقتلاً أو تلحق به ضرراً. 
    ​​​​​​​
  • زيادة مراكز ثقل المقاومة ونشرها في أوسع مساحة ممكنة: فمثل هذا الإجراء يمنع العدو من الحاق أضرار قاتلة في المقاومة عن طريق تدمير هذه المراكز، ويجعل من المقاومة ثابتة القدم، لارتكازها على أكثر من نقطة ثبات وارتكاز، فلا تتخلخل أو تتزعزع بضرب هذه الأصول أو تلك المراكز، فإن ضرب أحدها؛ ارتكزت إلى آخر، وإن دمر بعضها؛ شغلّت واستثمرت ما تبقى منها، في عملية خلاصتها، حرمان العدو من تسديد ضربة سريعة حاسمة قاضية للمقاومة، فتطول معركته التي أرادها قصيرة، تهب هبوب رياح موسمية سريعة تعصف بما راكمته المقاومة من قدرات وحققته من إنجازات. 

كانت هذه إطلالة سريعة على " رياح " العدو الجنوبية، التي نظن أن مثل هذا الإجراءات الوقائية وغيرها، قد يجعله يواجه " ريحاً سموماً " تطيش عقله وتخيب فأله. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023