لا مكان للتعصب أو الخصخصة والمحاصصة فالقضية قضية شعب بأكمله
مكان


الصحفي والمحلل السياسي فالح حبيب يقدم تحليلا لما يجري في صفوف الاحزاب العربية من مناكفات في ظل هشاشة الائتلاف الحكومي وسعي غانتس الى التربع على كرسي رئاسة الوزراء


يدور الحديث عَمّا يجري على الساحة السياسية في المجتمع العربي، المنجزات التي تحققها الموحدة أو المشتركة والقوانين التي تُطرح من قبلها أو من قبل المشتركة بالمقابل، وتتصدر العناوين في المجتمع العربي، قانون ربط البيوت بالكهرباء للنائب وليد طه أو قانون الاعتراف بذكرى مجزرة كفر قاسم لعضو الكنيست عايدة توما سليمان، سأحاول فتح المكبر والعودة بعدسته للخلف لنرى مشاهد أخرى تجري في المشهد السياسي العام قدر المستطاع والمشهد بأكمله غير المذكورة، فهناك ما يحدث بهدوء على الساحة السياسية العامة في البلاد، كرة ثلج متدحرجة بعنوان "غانتس ينتظر ساعة الصفر".


غانتس لم يتخل عن حلمه تولي رئاسة الحكومة وينتظر "ساعة الصفر" للانقضاض عليه وتحقيقه

يبدو، وقد بات واضحا أكثر من أي وقت مضى، أن وزير الأمن (الدفاع) بيني غانتس لم يتخل عن حلمه ليصبح رئيسا للحكومة الإسرائيلية، فتحركاته وتصريحاته باتت مؤشرا فاضحا، باعتبار أن السياسية تصريحات وتحركات والتصريحات والتحركات هي مؤشرات، باتت تصريحاته مؤشرا حقيقيا لما يضمره غانتس بصمت، لم يتخل عن حلمه، لكنه لم ينس خلفيته العسكرية ويُدرك ضرورة ضبط النفس والانتظار لساعة الصفر بكل هدوء للانقضاض على رئاسة الحكومة في التوقيت المناسب.  


تصريحات وتحركات غانتس تعكس سياسيا يحاول مسك العصا من نصفها، فتارة تراه متصالحا ومواقف المركز يسار من خلال زيارته المعلنة للمقاطعة ولقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإجراءات خلق ظروف معيشية أفضل للفلسطينيين من خلال استراتيجية "المال والحياة الأفضل، ليكون لديهم ما يخسروه" مثلا، وتارة يميل لليمين أكثر وتراه متصالحا مع مواقفهم، فها هو مؤخرا، ولاعتبارات أمنية بحسب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، يُعلن عن ستة منظمات مجتمع مدني فلسطينية كمنظمات "إرهابية" ويطالب بوضعها على لائحة المنظمات الإرهابية، فلماذا يا ترى؟ هل حقا يريد أن يُثبت أنه مركز ويعمل بشكل مهني دون أي اعتبار سياسي؟ أشك! ليس فقط. غانتس يُدرك أن ما كان قبل عام لن يكون بحجم وقوة وطأته كما سيكون بعد شهر مثلا، وما يكون اليوم مؤكد ليس كما كان عليه أمس.


بمعنى، الاعتماد على العامل الزمني والذاكرة الجماهيرية الضيقة معا. دعوة نتنياهو له لتشكيل حكومة مع اليمين برئاسته لم يكن ليستوعب الأمر الجمهور، جمهور ناخبيه، لو فعلها وقبلها في حينه، خاصة وهو قد خرج ثائرا على نهج نتنياهو وارثه، مفككا "حكومة التساوي" منتقما منه ومصرا على العمل بملوكية من خلال حكومة "تقود إسرائيل على طريق العقلانية" كما طالب هو وشركاؤه للائتلاف، فكيف بتلك الفترة كان سيُقنع الناس لماذا ائتلافه مع نتنياهو بات فجأة جيدا وضرورة ملحة للبلاد حتى وإن ضمن له رئاسة الحكومة على صعيد شخصي؟! هو يعلم أن الشارع غير مهيأ وجاهز بعد، ولن يكون قادرا على استيعاب وهضم هذا التحرك بحالة وحصل، فتروى. وبعد إعلانه عن تحركه الرامي لإقرار إقامة لجنة تحقيق بقضية "الغواصات والقطع البحرية" كان قد طوى صفحة أي إمكانية لتحالف مع نتنياهو والليكود للكثير من الاعتبارات، فكيف له أن يأتلف مع مَن يرى بطريقة أو ما به أنه غير قادر على إدارة البلاد بنزاهة؟! مُحرِج حقا!

لهذا، وكما قالها لي، أحد المقربين عليه: "الرجل لم ولن يتخلى عن حلمه أن يكون رئيسا للحكومة وينتظر أن يكون الخلاف من مركبات الائتلاف وليس منه"، لماذا؟  

الاعتبارات كثيرة يقف على رأسها تفسيراته للجمهور والبعد التسويقي بحالة وفكك الائتلاف، في الوقت الذي هو بنفسه خرج ضد نتنياهو ونهجه ونهج الليكود الذي اتهمهم دائما بتغذية التصدعات والتحريض والالتفاف على مؤسسات الدولة وأجهزة تطبيق القانون وماذا لا، فكيف سيأتلف معهم الأن؟! أيُعقل في فترة قياسية يكون قد تبدل الليكود وبات حملا وديعا؟! أيُعقل بهذه السرعة وما زالت قيادته هي ذاتها التي ثار عليها وثأر منها؟! كل هذه التساؤلات وغيرها كانت ستُطرح حتما.  


أما أبرز الاعتبارات السياسية:

إذا فكك الائتلاف في هذه المرحلة يجب أن ينسى تماما إمكانية دعمه مستقبلا من حزب يمينا ونفتالي بينيت، لأنه سيكون قد حرم بينيت من استنفاد كامل فترته الزمنية في رئاسة الحكومة، وكذلك الأمر بالنسبة لتكڤا حدشا وساعر الذي لا يمكنه أن يجد نفسه في حكومة واحدة مع نتنياهو، حتى وإن لم يكن رئيسا لها، كما أيضا بالمقابل، "يش عتيد" ولبيد سيفسرونها طعنة مسمومة مبيتة بسبب عدم قدرته على نسيان وتجاوز خلافات حجرة قيادة كاحول لڤان بقيادتها الرباعية والماضي، طعنة في خاصرتهم وتفويت فرصة حصولهم على استحقاق التناوب ورئاسة الحكومة، بهذه الحالة لم ولن يبق أمامه، إلا الليكود والأحزاب الحريدية فهل سيفعلها؟ الموضوع مرهون بالتطورات التي ربما تساهم برفع الحرج الجماهيري عنه إذا فعلها وربما لا، لهذا ينتظر التوقيت الصحيح لفعلها وأن يكون الآخرين هم السبب بتفكيك الائتلاف وليس هو، وإلا كيف؟ يمكن تفسير قوله: أنا ملتزم بالاتفاقيات لطالما بقي الشركاء ملتزمين بها". انتظاره لساعة الصفر ليس عبثا. ليبقى بنهاية المطاف هذا التهديد يلوح بالأفق ويُلقي بظلاله على الحكومة الحالية وائتلاف بأكمله بين الحين والآخر، وفي نفس الوقت رادعا لها (للحكومة)، ولهذا أيضا ليس صدفة شاكيد هاجمت بكيدية غانتس كما يظهر من خلال التسجيلات المُسرّبة التي نشرها الصحافي "عميت سيچال" والتي من خلالها تهاجم غانتس بانتقادات لاذعة. بحالة وحصل ذلك، ماذا سيكون محل الموحدة من الإعراب؟ ربما ستجد نفسها خارج دائرة التأثير بشكل مطلق تماما، فحاليا ظروف الخارطة السياسية هي التي تصنع تأثير الموحدة أيضا، لهذا هي تعلم أن شباك تحقيق المنجزات سرعان ما قد يُغلق، ولكن لطالما بقي نتنياهو على الساحة سيبقى هو صبغ هذه الحكومة والائتلاف، خاصة وهو يُشكل محفز وردع في نفس الوقت لجميع مركبات الائتلاف تقريبا، وكل لاعتباراته السياسية الواضحة.


غانتس ينتظر ساعة الصفر ولحظة الانقضاض الدقيقة التي تضمن له رئاسة الحكومة وحسم ذلك بأقل خسائر وأضرار جماهيرية.


نقاش مجزرة كفر قاسم حامي الوطيس في الكنيست، ملك عام مشاع محظور ووقف مكفول، وخصخصتها منقصة تمس بروح الاجماع الوطني، أليس منكم رجل رشيد مسؤول!


بعد أن نجحت الموحدة بتمرير قانون ربط البيوت بالكهرباء للنائب وليد طه، وكان لها حصة كبيرة بتحويل المغار من قرية لمدينة ليس بمفهوم التسمية فحسب، ولكن بما يترتب على هذا التحول من مزايا أيضا، وفوّتت على المشتركة فرصة مناكفتها وتحميلها مسؤولية فشل عدم تمرير قانون الاعتراف بذكرى مجزرة كفر قاسم وتخليدها، وبالتالي الباسها لباس العمل ضد مصالح أبناء شعبها، تتمكن الموحدة من تسجيل نقطة أخرى تكتيكيا لصالحها خلال هذا الأسبوع بصمت، بعد نجاحها أيضا تفويت فرصة احراجها جماهيريا.  


فما الذي كان؟ الموحدة طرحت قانونا مماثلا لقانون النائب عايدة توما لحاجة داخلية قبل يومين تقريبا من التصويت، وكأن لسان حالها يقول: نحن أولى الناس بكفر قاسم وطرح قضاياها، خاصة وكفر قاسم تُعد معقلا للحركة الاسلامية والموحدة، وقسم كبير من مؤسساتها موجودة فيها، وقسم من قادتها هم أبناؤها، رغم أن في هذا الطرح سلخ للمجزرة وتجريدها من هويتها الوطنية العامة وخصخصتها بطريقة تشكل مسا وضربة واضحة لها. الموحدة أدركت أن هناك مَن يزاحمها حتى في معقلها، فطرحت القانون، لكن أدركت بالمقابل أن عليها تفويت فرصة احراجها، بالذات، في مثل هذا الموضوع الحساس للجماهير العربية وتوقيت طرحهم لقانونهم يُثير التساؤل، فقررت دعم قانون النائب عايدة سليمان لقطع الطريق على أي استغلال لمناكفتها، ولكن لماذا؟  

مجزرة كفر قاسم تُعتبر موضوعا جامعا عابرا للأحزاب العربية وغالبية النواب العرب، حتى الموجودين في أحزاب صهيونية.


قضية عليها اجماع وطني والاعتراف بها ضرورة جماهيرية ليست موضع خلافات، الموحدة تُدرك ذلك، لهذا ربما عملت بمقولة: الندية في غير موضعها منقصة والصمت أفضل ترياق للخلاف.


فالليكود ونتنياهو لن يصوتا لصالح قانون من هذا القبيل، ما يعني أن سيناريو قرار لجنة التحقيق في شؤون التربية والتعليم لن يكون ويتكرر، فهناك اجماع لدى غالبية أحزاب اليمين، سواءً من المعارضة أو الائتلاف على عدم التعاون مع المشتركة وغيرها بأي قرار أو قانون بالبعد الأمني الوطني القومي لدواعي احراج الحكومة. هي بقرات مقدسة لا يُزج بها في دوامات موازين القوى البرلمانية واللعبة السياسية الضيّقة.  


الليكود لم يكن ليسمح لنفسه أن يتعاون مع المشتركة في قانون الاعتراف بمجزرة كفر قاسم، ليس بورديته ووردية نتنياهو يمر مثل هذا القانون، ودعم الموحدة للقانون كان واضحا أنه سيدفع بهم للاعتراض أكثر، لأن الليكود وحلفائه حاليا سيجدون أنفسهم بحالة ودعموا القانون نكاية بالائتلاف، محرجين مرتين وعلى أكثر من جبهة، مرة عندما يساهمون بتمرير قانون هو مأخذ على الائتلاف من وجهة نظرهم، فكيف سيأمرون بينيت بالبر وينسون أنفسهم ويدعمون القانون، والمرة الثانية حين يدعمون قانون تدعمه الموحدة التي لطالما خرجوا ويخرجون ضدها مُشهّرين بها لنزع الشرعية عن الحكومة لوجود الموحدة، العربي بما يمثله من قضايا سياسية، في الائتلاف.


لهذا الموحدة قرّرت التصويت مع القانون، لأنها معه قلبا وقالبا أولا، وليس فقط حتى لا نكون مثاليين حتى الثمالة، ونحن جميعا نعلم ما يجري خلف الكواليس، بل لعلمها المُسبق أيضا أنه لن يمر، وبهذا تضمن تفويت فرصة أن يُستغل ذلك ضدها وتتحمل مسؤولية فشله وحرجه. فصوّتت مع، لكن هذا لم يمنع من التوترات أن تطفو على السطح بشكل فاضح في الهيئة العامة، وكل لاعتباراته الشخصية والسياسية والعامة.


المشادات الكلامية، بل المناوشات والصراخ أظهرت غالبية النواب العرب بشكل مُسيء لهم ولقضايا مَن يمثلونهم، فالقضايا التي تحظى بالاجماع الوطني يجب أن تكون خارج دائرة المناكفات، وتصفيق "بن چڤير" في هكذا موقف شامتا، هو نفسه الذي لا تتوقفون عن شجبه وما يحمله من فكر متطرف وازدراء لقضايا الجماهير العربية واستعلائية، كافية لأن تُعيدوا حساباتكم في القضايا التي هي محط إجماع، وبالتالي العمل فيها على الأقل بتنسيق كامل داخل الكنيست لإيجاد الآليات الأنجع والأمثل التي تضمن طرحها وتقديمها وتمريرها دون تسفيه أو تسطيح وتقزيم ومس بهالتها وتدنيس لقدسيتها، وكلكم مسؤولون أمام الله والتاريخ أيها النواب! فمجزرة كفر قاسم لا تحتمل الخصخصة والمُحاصصة وقضايا المجتمع العامة تبقى مشاعا محظورا المس فيه.  


وهنا يبقى امتحان الموحدة استراتيجيا، هل سينجحون والوزير عيساوي فريج الذي صرخ من دم قلبه بحرقة كابن لكفر قاسم وعائلة ثكلة والنائب غيداء ريناوي زعبي وعلي صلالحة وغيرهم، بإقناع شركائهم وتمرير قرار الاعتراف بتخليد ذكرى مجزرة كفر قاسم من خلال الائتلاف وقرار حكومي.  


الوقت سيكشف لنا ذلك. النوايا موجودة، لكن وحدها فقط غير كافية لتمريره.


بيان الموحدة بين البُعد التسويقيّ التكتيكي والامتحان العينيّ الحقيقي

انتهت الدراما في الكنيست لتنشر الموحدة بيانا تدعو فيه التحلي بالمسؤولية والتعقل والتعاون في القضايا المصيرية وغيرها، موجهة رسالة ليس للمشتركة فحسب، بل لجميع أحزابها وهذا ليس صدفة، فهي تُخاطب كل منهم على حدة لوجود تباين في الكثير من المواقف والقضايا بينهم.  


بيان بكلمات أخرى جاء ليؤكد أن القيادة الحقيقية هي تلك التي تقود حيث يجب وليس حيثما يُراد.  

وعلى ذلك يمكن القول: أمامك اختياران في الحياة، أن تقبل الظروف كما هي أو أن تقبل مسؤولية تغيير هذه الظروف.

هل حقا الموحدة سعت من خلال بيانها لطيّ صفحة المناكفات وفتح صفحة جديدة من التعاون، أم أنها تحاول تقمص دور الراشد المسؤول الحكيم، وبالتالي الواعظ، فتبدو محاربة للمناكفات بنفس أدواتها (أدوات المناكفة)، ولكن بمناكفة هذه المرة مُجمّلة ومبطنة و"مسلفنة"؟!  


على كل، حسن الظن مطلوب ورقصة "التانچو" لمن يُجيدها بحاجة لطرفين، والنوايا وحدها لا تكفي، بل يجب أن يترجمها الطرفان بأفعال.  


فكيف ردت المشتركة؟ بدبلوماسية أكثر منها.  


النائب أيمن عودة: "سنطرح يوم الأربعاء المقبل قانون اقامة مستشفى في سخنين، تفضلوا وادعموا القانون، نضع بيانكم في امتحان".  


بكل الأحوال، المنافسة الشريفة تبقى أفضل من عدمها، والتنسيق في الأمور التي تخص عصب المجتمع العربي الحساس المكشوف وقضاياه الجامعة مطلوب بل واجب وحتمي، وزجها بدوامة المناكفات السياسية الحزبية الضيّقة هي منقصة لمن يفعلها.

الشعب بحاجة لوحدة في القضايا المصيرية العامة الجامعة التي لا تحتمل اجتهادات.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023