INSS معهد دراسات الأمن القومي والبحوث الاستراتيجية والابتكارية والموجهة نحو السياسات..
في العام الماضي، عملت "إسرائيل" ومصر على توسيع علاقاتهما الاقتصادية، بما يتجاوز الشكل المحدود الموجود حتى الآن. تم تسجيل أولى إشارات الزخم في العلاقات في آذار (مارس) 2021، عندما قام وفد اقتصادي إسرائيلي برئاسة وزير المخابرات آنذاك، إيلي كوهين، وبمشاركة حوالي 20 رجل أعمال من مختلف المجالات، بزيارة شرم الشيخ. والتقى أعضاء الوفد برؤساء الشركات المصرية وممثلي الحكومة لتوسيع التعاون بين الدولتين في مجالات متنوعة منها الزراعة وتحلية المياه والكهرباء والمنسوجات ومنتجات البناء والأغذية وبرك الأسماك والسياحة.
عزز اجتماع القمة في 13 سبتمبر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان أول زيارة علنية لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ أكثر من عقد، العلاقات اقتصاديًا بشكل أساسي. وذكر بيان للرئاسة المصرية أن الاجتماع تضمن مناقشة "عدد من القضايا الثنائية". المزيد من التفاصيل وردت في إعلان السفارة الإسرائيلية في القاهرة، والذي بموجبه تناول الاجتماع زيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وإعادة فتح الخطوط الجوية بين الدولتين.
على خلفية التوجهات الإيجابية، شارك ممثلا "إسرائيل" ومصر في تشرين الأول / أكتوبر في مؤتمر عُقد في الإمارات العربية المتحدة لتعزيز التعاون الإقليمي. كما أفيد أن وزير المخابرات المصري، عباس كامل، أعرب لوزيرة الاقتصاد والصناعة، أورنا باربيباي، عن اهتمام مصر بتوسيع الأنشطة في معبر نيتسانا الحدودي، وهو طريق السلع الرئيسي بين "إسرائيل "ومصر"، من أجل تصدير و استيراد الأسمنت والحديد والكيماويات وغيرها من المنتجات. ومن المتوقع أن تزور الوزيرة القاهرة لتعزيز العلاقات.
الموقف: مجالات التعاون الاقتصادي
يعكس انفتاح مصر على توسيع العلاقات الاقتصادية مع "إسرائيل" الأجندة، التي وجهتها في السنوات الأخيرة. تعطي القاهرة أولوية عالية لاحتياجاتها المادية في تصميم السياسة الداخلية والخارجية. وتعمل على زراعة مناطق الازدهار المشترك مع دول شرق المتوسط والبحر الأحمر والشام، وتعتبر ذلك وسيلة لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، خلقت "اتفاقيات إبراهيم" مناخًا إقليميًا جديدًا، مما دفع مصر أيضًا إلى جني الثمار الاقتصادية للسلام مع "إسرائيل"، ومنحها مزيدًا من الشرعية للقيام بذلك.
هناك ثلاثة مجالات رئيسية في قلب العلاقات الاقتصادية بين البلدين:-
الطاقة: لقد عملت صفقات الغاز على "تسخين" السلام "البارد" لعدة سنوات. في فبراير 2018، تم توقيع عقد لبيع الغاز الطبيعي من "إسرائيل" إلى مصر (جزئيًا للتسييل والتصدير إلى أوروبا) بقيمة 15 مليار دولار لمدة عشر سنوات، وفي أوائل عام 2019، تم عقد "منتدى غاز شرق المتوسط '' (EMGF)، التي أصبحت منذ ذلك الحين منظمة دولية. في يناير 2020، بدأ الغاز بالتدفق من "إسرائيل" إلى مصر، وفي فبراير 2021، قام وزير الطاقة المصري طارق الملاح بزيارة نادرة لوزير الاقتصاد المصري إلى "إسرائيل"، تم خلالها الاتفاق على مد خط أنابيب من غاز ليفياثان إلى منشآت الإسالة المصرية. علاوة على ذلك، أفادت الأنباء في أكتوبر / تشرين الأول أن البلدين يفكران في مد خط أنابيب غاز بري ليتم بناؤه في شمال سيناء في غضون 24 شهرًا، وسيعالج النقص العالمي في الغاز.
التجارة: وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد والصناعة، فإن حوالي 80 %من الصادرات الإسرائيلية من البضائع إلى مصر في عام 2020 تمت بموجب اتفاقية المنطقة الصناعية المؤهلة (الكويز)، على غرار السنوات السابقة. الاتفاقية الموقعة في ديسمبر 2004 بين "إسرائيل" ومصر والولايات المتحدة، خلقت حافزًا للتعاون بين الشركات الإسرائيلية والمصرية من خلال منح إعفاء جمركي لتصدير المنتجات المصرية، التي تشمل المدخلات الإسرائيلية (على الأقل 10.5 بالمائة) إلى سوق الولايات المتحدة. في أكتوبر، أفادت الأنباء عن مشاركة 1104 شركة مصرية في الاتفاقية (13 منها جديدة)، معظمها في المنسوجات وبعضها في قطاعات الأغذية والزراعة والكيماويات والجلود والمعادن، إلى جانب حوالي 25 شركة إسرائيلية.
توفر الاتفاقية مصدر رزق لمئات الآلاف من العمال المصريين وحوالي 1500 إسرائيلي، وتحت رعايتها، أصبحت الولايات المتحدة شريكًا تجاريًا رئيسيًا لمصر. وفي إطار ذلك، سجلت الصادرات المصرية للولايات المتحدة زيادة بنسبة 55% في النصف الأول من عام 2021، لتصل إلى 553 مليون دولار. كما ارتفعت التجارة المتبادلة بين "إسرائيل" ومصر بشكل معتدل في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021، لتصل إلى 162 مليون دولار (مقارنة بحوالي 200 مليون دولار في عام 2020 ككل). واستقرت واردات البضائع من مصر إلى "إسرائيل"، وبلغت 110 ملايين دولار في عام 2020 (بزيادة حوالي 16٪)، معظمها من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والمواد الكيميائية والمنسوجات.
السياحة: تعتبر صناعة السياحة في مصر، مصدرا رئيسيا لعائدات النقد الأجنبي والتوظيف، لكنها تعرضت لضربة خلال فترة كورونا. قبل ذلك، كان مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين يزورون ساحل سيناء كل عام، وكان آلاف السياح المصريين (معظمهم من الحجاج الأقباط) يزورون "إسرائيل". تم إغلاق معبر طابا في مارس 2020 بسبب الوباء، وأعيد فتحه جزئيًا بعد عام، وعاد إلى النشاط المنتظم في سبتمبر 2021. في أغسطس، قررت "إسرائيل" خفض مستوى التهديد "الإرهابي" في جنوب سيناء وشرم الشيخ من المستوى 1 إلى المستوى 3، وناقش الطرفان افتتاح خط طيران مباشر بين "إسرائيل" وشريم الشيخ. علاوة على ذلك، في أكتوبر، بدأت شركة الطيران الوطنية المصرية، مصر للطيران، تشغيل طريق مباشر بين القاهرة وتل أبيب لأول مرة، والذي من المتوقع أن يسهل مرور السياح ورجال الأعمال بين الدول، والسماح برحلات الترانزيت عبر القاهرة إلى وجهات أخرى.
النقابات العمالية: عائق أمام العلاقات الدافئة؟
يتم تغطية العلاقات الاقتصادية مع "إسرائيل" في الغالب في وسائل الإعلام المصرية من دون لفت الأنظار، ربما بسبب الخوف من ردود فعل الرأي العام المصري. من الجهات الرئيسية في معارضة مصر للتطبيع مع "إسرائيل" تقليديا النقابات العمالية، التي تمثل ملايين العمال. وقد منع العديد منهم على مر السنين رفاقهم من الانخراط في التطبيع وفرضوا عقوبات على "المذنبين". وقد منعت هذه الممارسة الأفراد والشركات من تطوير العلاقات الاقتصادية وغيرها مع "إسرائيل"، من بين أمور أخرى خوفًا من الإضرار بوضعهم المهني والوظيفي في مصر والعالم العربي. تجذر هذا الواقع مع الموافقة الصامتة للسلطات، كجزء من سياسة السلام "الباردة".
كانت "الروح الحية" في معارضة النقابات للتطبيع مع "إسرائيل" هي جماعة الإخـــ وان المسلمين، إلى جانب القوى العربية واليسارية. بدأ الأخوان خوض الانتخابات النقابية عام 1984، وفازوا بالعديد من المقاعد وتولوا منصبًا رئيسيًا. وبالتدريج أصبحوا قوة تحدد النغمة في نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين والعلماء والمهندسين الزراعيين والصحفيين والتجار. موقفهم في إدانة التطبيع كان مبرراً بالتضامن مع القضية الفلسطينية، وكذلك بالخوف من هجوم "اقتصادي" وثقافي إسرائيلي. وحذروا من تدفق النفوذ الإسرائيلي السام والأجنبي إلى مصر قلب العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي من شأنه إفساد قيمها واستعباد مواردها. وبينما لم يتم الاستجابة لدعواتهم لإلغاء اتفاقية كامب ديفيد وفتح أبواب الجهـــ اديين لمحاربة العدو الصهــــ يوني، سمحت النقابات - على أقل تقدير - بإفراغ السلام من محتواه.
بعد "الربيع العربي" عام 2011، كان الإخـــ وان يأملون في إحكام قبضتهم على النقابات، وبالفعل سجلوا نتائج جيدة في الانتخابات لبعضها. ومع ذلك، أدت ثورة 30 يونيو 2013، التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وما تلاه من صعود الرئيس السيسي، إلى إخراج الإخـــ خارج القانون، وإزالة نفوذها من النقابات واستبدالها بالقوى الموالية للنظام الحالي وسياساته. بعد ذلك، أوقف أعضاء النقابات التعبيرات المناهضة لـ"إسرائيل"، مثل حرق الأعلام الإسرائيلية.
على الرغم من "الرياح الجديدة" التي هبت على النقابات في السنوات الأخيرة، لا يزال جدار رفض التطبيع قائما. هناك عدة أسباب لذلك: -
أولاً، إن معارضة التطبيع ليست فقط من اختصاص الإخـــ وان، ولكن أيضًا قوى أخرى في الجمهور المصري، بعضها متأثر بالأفكار الناصرية، والبعض يدعو إلى تقييد التطبيع كتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين.
ثانيًا، حتى في غياب الحضور الرسمي للأخــ وان، يتعاطف بعض أعضاء النقابات مع أفكارهم ويكرهون اتجاهات التطبيع للاتفاقيات الإبراهيمية، واحتمال أن تحذو الحكومة المصرية حذوها.
ثالثًا، يستخدم النظام المصري أحيانًا النقابات لرسم "خطوط حمراء" لمواطنيها، والتي في نظره، لديها الشكل المطلوب للعلاقات مع "إسرائيل". قد يشمل هذا الشكل التعاون الاقتصادي الذي ترعاه الحكومة، ولكن ليس بالضرورة التعبيرات "الشعبية" للروابط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تتنوع الأمثلة على موقف النقابات تجاه العلاقات مع "إسرائيل"، وتذكر نقابة الصحفيين على سبيل المثال في تقاريرها السنوية أن "معارضة التطبيع مع الكيان الصهــــ يوني، هي الموقف الرسمي للشعب المصري، ومن بينهم الصحفيون". في فبراير 2016 دعت نقابة المهندسين والأطباء والصيادلة والأطباء البيطريين، إلى اتخاذ إجراءات ضد النائب المصري توفيق عكاشة، الذي استضاف سفير "إسرائيل" في القاهرة في بيته آنذاك الدكتور حاييم كورين.
وتلقى المطرب المصري محمد رمضان، ردا مماثلا بعد التقاطه صورة في دبي في نوفمبر 2020 مع المطرب الإسرائيلي عومر آدم. علق ممثلو نقابات الفنانين المصريين نشاطه بتوضيح أن "هناك فرق بين العقود الرسمية التي تتطلب الحكومات العربية، والموقف الشعبي والثقافي والفني من قضية التطبيع".
في حين أن العلاقات "الشعبية" مع "إسرائيل" تعرضت لانتقادات حادة من قبل النقابات العمالية، فإن العلاقات التي ترعاها الدولة، على سبيل المثال في مجالات الطاقة والتجارة والسياحة، لم تثير احتجاجات منها حتى الآن. علاوة على ذلك، فإن مقاطعة التطبيع مع "إسرائيل" غير منصوص عليها في الوثائق الأساسية لمعظم النقابات. غالبًا ما تظهر تعبيرات المعارضة حول سياقات نقطة بنقطة.
الاستنتاجات والتوصيات
يحمل التعاون الاقتصادي بين "إسرائيل" ومصر إمكانات كبيرة في ضوء القرب الجغرافي بين البلدين، والتحديات المشتركة التي تواجههما والخصائص الفريدة، مثل المعرفة والأيدي والأسواق الجديدة، التي قد يقدمها كل منهما لجارته. إلى جانب التعاون طويل الأمد، يمكن لـ"إسرائيل" ومصر أيضًا الاستفادة من التعاون المتبادل في العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك الطاقة المتجددة، والأمن المائي، والأمن الغذائي، والزراعة الصحراوية، وإدارة تغير المناخ، والبيئة البحرية، والذكاء الاصطناعي، والطب الإلكتروني.
على الرغم من المعارضة الواسعة النطاق بين النقابات العمالية للتطبيع، إلا أن هذه لا تشكل حاجزًا أمام التقارب الاقتصادي الأخير بين الحكومات. يقتصر دورهم الأساسي على فرض التمييز بين المصالح الاقتصادية للدولة "المشروعة" والسلام الشعبي "المدان". ومع ذلك، فإن هذا التمييز مصطنع إلى حد كبير، وقد يحجب محاولات البلدان لتطوير روابط اقتصادية مثمرة. علماء الطاقة على سبيل المثال، سيجدون صعوبة في تبادل المعرفة والخبرة مع زملائهم في ظل مقاطعة أكاديمية. ستجد الشركات الخاصة صعوبة في الترويج للصفقات والاستثمارات الرأسمالية، وقد يخجل السائحون من السفر والزيارات في ظل جو عام سلبي وعدائي. من ناحية أخرى، سيساعد المناخ العام الداعم على تعزيز العلاقات البارزة وتحسين الاعتراف بقيمة السلام.
لدى "إسرائيل" ومصر مصلحة في تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما، لكن تحقيق إمكاناتهما الكاملة يتطلب تنمية "السلام الشعبي"، الذي سيمكن المهنيين والشركات الخاصة ورجال الأعمال المهتمين بالقيام بذلك، للمساهمة في الاتجاهات الإيجابية التي تقودها الحكومتين. لم يكن محكوما على النقابات العمالية بلعب دور سلبي في العلاقات بين الطرفين، بل يمكنها المساعدة في تمهيد الجسور لتحركات من شأنها أن تعود بالنفع على اقتصاديات البلدين ورفاهية شعبيهما.