العدو الإسرائيلي و(أتمتة) القدرات

عبد الله أمين

08 11 2021

القراءة والدلالات

لا تزال تطالعنا المنشورات الإسرائيلية حول بناء القدرات المعادية، وما تدخله قيادة هذا الجيش على منظومة القدرة من وسائل القتال الآلية، التي يتحكم بها ويشغلها الجنود عن بعد، فبعد أن كان العدو يعتمد على القدرات المؤتمتة من الكاميرات الثابتة والمتحركة، ورادارات الأفراد والآليات، التي ترصد كل شاردة وواردة وكل حركة وسكنة في عمليات المراقبة، والسيطرة على حدوده مع الدول العربية، شمالاً وجنوباً وشرقاً، غدا اليوم يدخل وسائل القتال آلية التحكم في معظم تشكيلاته المقاتلة، فلا تكاد وحدة من وحداته المقاتلة بمستوى كتيبة تخلو من هذه الوسائل، كالطائرات المسيرة، وروبوتات كشف الألغام والعبوات، وإبطالها وصولاً إلى الرشاشات المتوسطة، التي يفعلها جنود المشاة عن بعد.

إن هذا الأمر ـــالأتمتةـــ إن كان مفهوماً ومبرراً استناداً إلى حرص القادة على تأمين أفضل وسائل القيادة والسيطرة، وتفعيل القدرات من أجل تحقق أهداف العمليات بأقل الأثمان وأسرع الأوقات، إلا أنه يستبطن في داخله مجموعة من الدلالات التي تقول، أن في هذا الأمر ما فيه من ستر (لعورات) في مسار بناء هذه القدرات؛ لو فُطن لها وعُمل عليها؛ كانت من أهم الأسباب التي تساعد في تسديد الضربات الموجعة لهذا العدو، مهما بلغ من قوة، وبغض النظر عما يمتلكه من قدرات، إن هذه المقالة تُعنى بتسليط الضوء على أهم (العورات)، التي يحاول العدو سترها من خلال ما يعلن عن امتلاكه له من قدرات عالية الأتمتة والتقنيات، والتي من أهمها:

تقدم قيمة حياة الجندي على حياة المواطن المدني: الجندية مهنة من المهن التي يمتهنها الناس والمواطنون في بلدهم، فكما أن أية مهنة مدنية لها شروطها الخاصة ومتطلباتها الموضوعية؛ فإن للجندية أيضاً متطلباتها الخاصة وما يترتب على امتهانها من واجبات ومسؤوليات، ومن أولى هذه الواجبات؛ التضحية بالنفس والوقت والراحة الذاتية، في مقابل الحفاظ على حيوات المدنيين والمواطنين وراحتهم، وهنا مكمن الخطر، ففي اللحظة التي يصبح القادة والجنود يرون أن حياتهم مقدمة على حياة مواطنيهم، وراحتهم أولى من راحة أهلهم، في هذه اللحظة يقع المحظور وتنعكس الآية، ويصبح الُجبن والتولي يوم الزحف وعدم تجشم الصعاب، والمخاطر في سبيل تنفيذ المهام والقيام بالواجبات، مبرراً وأمراً عادياً غير مستهجن، فالحفاظ على الذات يصبح ضابطاً حاكماً في كل المهمات، وتدبيراً واجب التنفيذ، فتخلو الساحة من الشجاع والمقدام، الذي يحمل على القوم ويشق صفوفهم ويقتحم خنادقهم، ويصبح التهويش بالقوة بلا معنىً، وليس هناك ما يسنده أو يؤيده من فعل أو إجراء على أرض الواقع، ولا تلبث المعارك أن تنتهي قبل أن تبدأ.



نقص الدافعية وانخفاض الروح المعنوية: الدلالة الثانية التي يمكن استقراؤها من خلال الركون إلى الأتمتة العالية هي، نقص الدافعية وانخفاض الروح المعنوية، فلو كانت الروح المعنوية عالية والدافعية لدى المقاتل في أحسن أحوالها؛ لما استعيض عنها بآليات تدار من بعيد، ووسائل قتال تشتبك مع الأعداء والخصوم من خلف الجدر والتحصينات، وهنا تجدر الإشارة إلى أن لازمة الخوف الزائد عن الحد على حياة الجندي، لازمة هذا الأمر نقص الدافعية لديه وانخفاض روحه المعنوية، كما تجدر الإشارة إلى أن الجندي وإن كانت كفاءته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشخصه وذاته وكفاءة سلاحه الذي بين يديه، فإنه يعوض نقص كفاءة وسيلة القتال التي يملك بفائض الروح المعنوية والدافعية القتالية، لذلك فإن دلالة الركون إلى الأتمتة هي انخفاض الروح المعنوية التي هي في جزء منها ناتجة عن تماسك الوحدات القتالية، التي يقول عنها العدو في المسح الذي أجراه "معهد العلوم السلوكية" في جيشه، أن نسبة من يتطلع لها بإيجابية في جنوده لا تتجاوز 45 %، وفي هذا ما فيه من دلالات،


نقص الكفاءة القتالية: ينظر البعض إلى كثرة التمارين والمناورات التي يجريها العدو على أنها دليل صحة، ومؤشر نشاط، الأمر الذي إن صح في وجه من وجوهه، فلا يصح في باقي الأوجه، فكثرة التمارين والمناورات في أحد دلالاته مؤشرٌ على عدم بلوغ القوات المستوى المطلوب من الكفاءة القتالية، على مستوى الفرد والجماعة، الأمر الذي يتطلب الخروج بشكل متكررٍ ومتقاربٍ زمنياً إلى تمارينَ وتدريباتٍ تعبويةٍ، كما أنه يؤشر إلى ضبابية لدى المستويات القيادية في طبيعة تقديراتهم للتهديدات، والمخاطر التي ستواجههم مستقبلاً، فلا يكاد القائد ينتهي من تمرين إلا ويخرج إلى تمرين آخر، مختلف السيناريوهات والتهديدات، في عملية أقل ما يقال عنها أنها استنزاف للقدرات وزيادة للشك في نفوس القوات. لذلك فعندما يصبح الموقف على هذه الشاكلة؛ فإن القادة والجنود يركنون إلى الآلة لسد هذا العجز وستر هذه (العورة).



عدم الثقة بالقدرات البشرية: من أخطر ما يمكن أن يدلل عليه الركون إلى الآلة بدل الجندي هو عدم ثقة القائد بالمقاتل، والمقاتل بالقائد، لذلك يركن القائد إلى وسائله التقنية، التي يرى أنه يملك عليها كامل الصلاحية، ولا يمكن أن تعصى أوامره وتوجيهاته، في تنفيذ المهام القتالية، كما أن الجندي في الميدان لا يركن إلى كفاءة قائده، فيميل لسد عوزه وحاجته إلى ما بين يديه من قدرات قتالية تؤمن احتياجه المعلوماتي أو غطاءه الناري، على سبيل المثال لا الحصر، ولا يلتفت إلى ما يصدر عن قيادته من توجيهات أو تعليمات أو أوامر وتدابير، وهنا لا بأس من الإشارة إلى أن المسح الذي ذكر سابقاً، والذي قام به "معهد العلوم السلوكي" في جيش العدو، أشار إلى أن 67%، من قادة الجيش يؤمنون بقدرة وحداتهم على أداء مهامها!!



نقص في القدرات القتالية الحاسمة: كما أن من الدلالات التي تؤشر لها زيادة الأتمتة، هي نقص في القدرات القتالية الفعلية المطلوبة لحسم المعارك وتحقيق أهدافها النهائية، فعدونا لديه آلة قتالية عالية التقانة، تمنحه كثافة نارية عالية، يمكن أن يصبَّها على الأهداف الأرضية فيحقق فيها دماراً كبيراً، ولكنه في كل حروبه الأخيرة، لم يحقق من هذه الكثافة النارية العالية ما يصبو له من أهداف، والتي على رأسها قتل الروح القتالية لدى المقاومين، وردعهم عن التصدي له ومنعه من تحقيق أهدافه، لذلك فإنه من خلال الركون إلى وسائل القتال الآلية، من طائرات بدون طيار إلى روبوتات القتال مختلفة المهام؛ إنما يعوض العدو نقصاً في قدراته العملياتية القادرة على حسم المعارك لصالحه، من سلاح دروع ومشاة وما شاكلها من صنوف القوات، التي تحسم المعارك وتغرس الأعلام.  

كانت هذه بعض أبرز الدلالات، التي يمكن استقراؤها للركون الزائد لأتمتة القدرات عند العدو الصهيوني، وهي دلالات يجب البحث فيها وإخضاعها للدراسة والتمحيص، للبناء على نتائجها وما يمكن أن تعكسه من إجراءات وتوجيهات لدى قوى المقاومة في مسار بنائها للقدرات. لذلك وأمام هذا الموقف فإننا نوصي بالآتي:

متابعة حركة مسار بناء القوات لدى العدو وما يطرأ عليه من تغييرات وتبدلات في كل الصنوف والقدرات.

رصد عمليات التغيير التقني والأتمتة التي يقوم بها العدو لقدراته، ومعرفة نقاط القوة، التي تضيفها هذه الأتمتة على منظومته القتالية، وما تولده من نقاط ضعف فيها، ليبنى على الشيء مقتضاه.

عدم مجاراة العدو في أتمتة القدرات الذاتية واللعب في ملعبه وضمن شروطه، لما توفره هذه الأتمتة للعدو من فرص للنفوذ إلى منظومة المقاومة، وكشف قدراتها والسيطرة عليها وتوجيهها.

الاستفادة بالحد المطلوب والمعقول من الأتمتة، في رفع كفاءة قدرات المقاومة القتالية، مع عدم الركون إلى هذا المسار وجعله مسار جهد رئيسي في بناء القدرات والقوات .

توطين مسار الأتمتة ـــ ما أمكن ــــ وجعله مرتبطاً بجهود البناء والتطوير الذاتي، وعدم الاعتماد على القدرات الخارجية في هذا المضمار. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025