هآرتس
شيرين فلاح صعب
اقعدي عَ السكت
ها هو مشهد إخراس النائبات العربيات في الكنيست عنوة، يتكرر مجددا: "تتفلسفيش واقعدي عَ السكت"، هذا ما قاله النائب أحمد طيبي للنائبة غيداء ريناوي موبخًا إياها خلال جلسة تداول قانون الكهرباء الذي طرحته القائمة الموحدة.
تردد صدى صراخ النائب طيبي المتكرر لإسكات عضوة الكنيست غيداء ريناوي قائلا: "اقعدي عَ السكت" في أنحاء صالة الجلسات، ثم تلاه باللغة العربية: "عيب عليكي".
كانت مخاطبة زعبي بالعربية أمرا مفاجئا، إذ حملت في طياتها رسالة إضافية يدركها فقط من يجيدون العربية ويعرفون الثقافة العربية المحلية عن قرب. فقد حملت عبارة "عيب عليكي" في طياتها كل معادلة القوى الجندرية التي تطفو على السطح عند مخاطبة الرجال العرب النساء العربيات.
وكما تعرفون جميعًا، تقترن كلمة "عيب" من منظور العديدين بفعل قامت به امرأة عربية في حالتنا، لطخ شرفها وشرف عائلتها.
ولكن بمَ يتوجب على غيداء ريناوي الخجل؟ فكل ما فعلته هو التعبير عن رأيها وموقفها خلال الجلسة بكل صراحة، ألا يحق لريناوي مخالفة الآخرين الرأي في جلسة الكنيست، خاصة إذًا كانوا رجالًا؟ بل ولم يجب تحقيرها علنا؟
من حق ريناوي التعبير عن رأيها كما تشاء، لكن يبدو أن هذا المبدأ لا ينطبق على المجتمع العربي، حيث ينبغي على النساء العربيات وإن كنّ عضوات كنيست، تبني الآراء الذكورية التي تحدد نوع الخطاب السائد في الحيز العام، فمن خلال كلمة "عيب"، تعمد طيبي تذكير ريناوي بحجمها وبمكانتها على السلم الاجتماعي الهرمي، كي لا تنسى!
طالت عادة إسكات أعضاء الكنيست العرب لعضوات الكنيست العربيات عنوة، النائبة عايدة توما الذي خاطبها عيساوي فريج في السابق وخلال جلسة مناقشة إحياء ذكرى مجزرة كفر قاسم قائلًا: "اسكتي، اسكتي".
كان الجمهور العربي والإسرائيلي شاهدًا على مسرحية الإسكات المهينة هذه، ولكنهما اختارا عن وعي تام التزام الصمت.
علي الاعتراف أن محاولات إخراس عضوات الكنيست العربيات ليست لُب القضية هنا، فلبها الدعم الاجتماعي الواسع الذي يحظي به الطيبي وأمثاله من الجمهور العربي؛ حيث كتبت إحدى المُعقبات على الواقعة قائلة: "هيك بنرد على مَرا زي هاي".
يكشف هذا الخطاب السائد في المجتمع العربي عن نفاقه، بل وعن تطّبيعه للعنف ضد جميع النساء. ينقل أعضاء الكنيست العرب وفيما يتعلق بالعنف ضد النساء رسالة مزدوجة، فمن ناحية نراهم ينضمون للتظاهرات ضد العنف، بل ويناضلون أيضًا ضد الاحتـــلال، ولكن من ناحية أخرى، لا يجدون حرجا بالصراخ في وجه عضوات كنيست عربيات لإسكاتهن، فلا علاقة بين الأمرين!
وعليه، فمشاركتكم في الندوات والمحاضرات التي تناهض العنف في المجتمع العربي عبثية، فأنتم تمارسون العنف بأنفسكم! إنّ نضال عضوات الكنيست العربيات والنساء العربيات مُضاعف؛ وذلك لأنّهن يواجهن معادلة قوى وآليات قمع قومية وجندرية داخل مجتمعهن العربي أيضًا.
تجدر الإشارة وفي هذه الفترة تحديدًا، على مشارف يوم مناهضة العنف العالمي، أنّ النساء العربيات ما زلن بعيدات كل البعدعن تحقيق المساواة والعدالة الجندرية، خاصة في ساحة النضال ضد العنف الجندري.
آسفة لتحطيمي هذا الوهم، ولكن سبب تطبيع العنف الجندري الرئيسي، هو الدعم الاجتماعي الواسع الذي يحظى به الرجال العنيفون والذي يهدف على المدى البعيد إلى إخراس النساء العربيات بل وتقويض نضالهن.
من حسن حظنا أنّ ريناوي-زعبي وتوما-سليمان خاضتا المعترك السياسي من خلال الكنيست، فمن خلال خوضهن هذه التجربة يذكرننا بأهمية اندماج النساء العربيات في السياسة من على كل المنابر الاجتماعية-الثقافية؛ لأننا عنجد زهقنا! لن نقبل بعد اليوم هذا الإخراس السياسي والهيمنة الذكورية، لن نقبل باستمرار معادلة القوى الحالية والتوجه الأبوي على الساحة السياسية. "طيبي-عيب عليكي"، ما رَح يخرس جيل النساء العربيات الجديد!