بقلم الأسير: أحمد محمد عبيد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يعاني بعض شبابنا اليوم من حالة انفصام في شخصياتهم فُرضت عليهم بسبب التناقضات التي يجدونها من خلال محاضن التربية المعهودة ،وأحيانا يتولد عندهم ازدواجية في التعامل والتصرفات والسلوك وما ذلك إلا بسبب الضعف التربوي والتنسيق العام ما بين المحاضن التربوية المختلفة والتي يجب أن تكون متممة لبعضها البعض في إعداد الجيل الناشئ ليكون صالحاً في نفسه ونافعاً لغيره ومصلحاً لمجتمعه، ويسعى إلى الرقي والتطوير في شتى مجالات الحياة لتحقيق السعادة والرفاهية في حياته الدنيا وتحقيق الهدف العام وهو إعمار الأرض كما أمر الله عز وجل وصولاً إلى الهدف الأسمى الذي يطمح به كل شخص وهو رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته.
وهذه المحاضن التربوية المتمثلة بالأسرة والمدرسة والمجتمع والمسجد، هي في الحقيقة تشترك بطريقة أو بأخرى مع بعضها في صياغة الشخصية المرجوة، وذلك إذا حصل تعاون حقيقي فيما بينها ضمن برامج وخطط مدروسة لاكتشاف مواهب الفرد وما يصلح له من أجل إتمام إعداده، ولكن وكما أشرناً سابقاً فإن هنالك حالة ضعف في التنسيق والذي قد يكون معدوماً أحيانًا؛ مما يتسبب بخلل في العملية التربوية برمتها، فلذلك تعتبر الأسرة هي الأساس الأول الذي يرتكز عليه مهمة صياغة شخصية الابن خاصة في السنوات الأولى السبع من عمره كما بينت كثير من الدراسات، وأن ما يأتي بعد ذلك من مؤثرات تربوية مختلفة إنما هو تعميق وتفصيل وتكميل وهذا يعني أن الأسرة هي صاحبة التأثير الأكبر في الشخصيات الناشئة، كما أكد الدكتور التربوي عبد الكريم بكار.
فغياب اهتمام الأبوين في تنشئة ابنهما التنشئة الصالحة لسبب أو آخر يؤدي إلى انتقال التربية من الأسرة إلى الأقران والأصحاب في المجتمع أو المدرسة بشكل تلقائي ،مع أن هذا الالتقاء لا ينفصل عن الفرد فهو يلتقي بهم في الحارة أو المدرسة أو المجتمع وفي كل بيئة خاصة بها، والأقران بشكل عام لهم تأثير بشكل قوي جدًا على تكملة شخصية الطفل، ولذلك إذا كانت التربية الأسرية صالحة والتقى الطفل بأقران صالحين فحتما ستنجح عملية التربية المقصودة وتنمو شخصية الطفل بالاتجاه الإيجابي والعكس صحيح، وإذا كانت المدرسة لا تقوم بالتربية الحقيقية فستكون كذلك سبباً في انحراف الطفل، والمسجد إذا غاب عن الواقع وتراجع قيام الدعاة بواجبهم فهيهات أن تنتج عناصر بنّاءة في المجتمع.
والحل في هذه الحالة هو تعزيز وتطوير التعاون والتنسيق بين المحاضن التربوية سالفة الذكر وبدرجة عالية من خلال رسم الخطط والبرامج لتحقيق الأهداف، فالعبء الأول على سبيل المثال في تربية الطفل في البيت ينصب على جسمه وأخلاقه والعبء الأول في المدرسة ينصب على التربية العلمية، والعبء الأول في المسجد ينصب على التربية الروحية كما أكد النابلسي، وإذا حصل التعاون تكون التربية ناجحة وفاعلة ومنتجة، وإذا لم يكن سيحصل التضارب والازدواجية والانفصام في شخصية الطفل.
الأسير أحمد محمد عبيد
أسير مقدسي محكوم مؤبد منذ العام ٢٠٠٢ متزوج وله خمسة من الأبناء، حاصل على عدة شهادات البكالوريوس في التربية، وبكالوريوس في التاريخ، ويدرس حاليًا ماجستير.