هل استطلاعات الرأي الأخيرة تنصف الموحدة وتعكس حجم منجزاتها أم أنها تدق الناقوس؟

فالح حبيب

محلل سياسي

هل استطلاعات الرأي الأخيرة تنصف الموحدة وتعكس حجم منجزاتها أم أنها تدق الناقوس؟


المصدر: مكان

بقلم: فالح حبيب



"عطر يمكن شمّه لكن أبدا لا يمكن شربه"، حالها كحال الصورة الفوتوغرافية تُوثق لحظات من عمر فرد أو مجموعة في مجتمع، ما يعني أنها قابلة للتقلّب والتغيّر لربما تتغير يوم ما بعد إجرائها، هي الاستطلاعات، فما بالك حين لا تكون البلاد تعيش أجواء انتخابات! لهذا كل الاستطلاعات ضعيفة غير دقيقة ما لم تكن هناك انتخابات، لأنه يكفي دخول لاعب جديد، شخص أو حزب سياسي جديد كما تجري العادة في السياسة الاسرائيلية قبيل كل منافسة انتخابية، ليُعيد توزيع خارطة المقاعد في الساحة الحزبية من جديد. لهذا، ولأنها لا تعكس بشكل عام الواقع الحقيقي، أميل إلى عدم اعتماد نتائج الاستطلاعات الأخيرة.  


ومع ذلك، ما يُلفت الانتباه في الاستطلاع الأخير لشركة أخبار القناة 12 ليست استطلاعات توزيع المقاعد التي لم تتنبأ بما هو جديد منذ فترة، بل استطلاعات "الرأس بالرأس" بدت مُلفتة حقا، استطلاعات الأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الحكومة، بينيت مقابل نتنياهو، والتي حصل من خلالها نتنياهو على 43% مقابل 36% لبينيت.  


ما هو الملفت في الأمر؟ المُلفت هو أن يمينا برئاسة بينيت تحصل على 42% من أصوات المُصوّتين المحسوبين على المركز يسار، وفي استطلاع حكومة برئاسة نتنياهو أو برئاسة بينيت؟ يمينا تحصل على 64% من مجمل أصوات المركز يسار مقابل 16% و 22% من أصوات اليمين، الأمر الذي لا بد أن يُثير حفيظة وزيرة الداخلية شاكيد التي ترى بنفسها الممثل الأبرز لليمين داخل الحكومة وصقره ويده المُعارِضة الطويلة داخل الحكومة.  


هذه النتيجة تعكس التوجه ذاته الذي يرافقنا منذ فترة ويُشير إلى تراجع شعبية يمينا في صفوف اليمين بشكل منهجي لاعتبارات كثيرة، أهمها مواصلة اتهامه بخيانة ثقة الناخب وغيرها من وجهة نظرهم طبعا.  


وهنا لا بد أن يجد نفسه بينيت أمام خيارين: إما مواصلة محاباة اليمين والعمل على استعادته وعدم رفع الراية البيضاء تسليما، قاعدته الانتخابية المركزية، أو بدء العمل على استراتيجية توجه جديدة للناخب، ولكن هذه المرة، من المركز مركز يسار، ولكن السؤال الذي يُطرح، هل المركز يسار صوّت لبينيت كبينيت أم مع بينيت ضد نتنياهو؟! واضح أن جمهور المركز يسار صوّت لصالح بينيت مع بينيت ضد نتنياهو.  


تغيّر الحال مُحال حاليا! سيبقى ليّ الأيادي ضمن مساحة المُناورة المُتاحة ..


النتائج التي أظهرتها الاستطلاعات على الغالب ستُبقي الحال على ما هو عليه، دون حدوث أي تغييرات دراماتيكية تقلب الأمور رأسا على عقب، فأحد من أحزاب الائتلاف الحالي لن تكون لديه أي مصلحة للذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة، وعلى وجه الخصوص أحزاب اليمين، "يمينا" التي تتراجع شعبيتها و "تكڤا حداشا" التي لا تجتاز نسبة الحسم في الوقت الذي يعمل فيه وزير القضاء ساعر على مأسسة حزبه لتجربته الغنية في الليكود سابقا ومعرفته المسبقة أن حزب بدون مؤسسات وقاعدة جماهيرية في الميدان مصيره التلاشي عن الساحة الحزبية، حاول ويحاول ذلك من خلال انطلاق المؤتمر التأسيسي الأول لحزبه الذي عُقد مطلع الأسبوع الحالي، وبالتحديد يوم الأحد الماضي 5/12/2021، فكيف للحزبين أن يُقدِمان على كسر قواعد اللعبة السياسية والخروج عن حدود دائرة مساحة المناورة الداخلية المُتاحة والخيارات ضئيلة والبديل نتنياهو ربما بحكومة يمين كاملة هذه المرة؟! بحاجة لجرأة كبيرة تحمل في ثناياها الوصول لمرحلة اللاعودة واعطاء الضوء الأخضر والذهاب لانتخابات، لكن من نقطة انطلاق منخفضة جدا، والحال نفسه ينطبق على أحزاب المركز يسار التي لم تتراجع وفقا للاستطلاع، لكنها وحدها لا يمكنها صحيح حتى اللحظة تشكيل ائتلاف مستقل يعتمد على أحزاب مركز يسار فقط.  


أما الأحزاب العربية فما زالت تحافظ على قوتها، وللمنافسة حصة الأسد في ذلك. المشتركة بدورها المعارض الشرس تتأكد أن نهجها يؤتي أكله حتى اللحظة، فماذا عن الموحدة؟  


الاستطلاع يعكس واقع منقوص، والاستطلاع يجب أن يدق للموحدة الناقوس


للوهلة الأولى قد يعتقد البعض أن النتائج التي حصلت عليها الموحدة غير كافية، 5 مقاعد مقابل 6 مقاعد للمشتركة، لأنها لم تعكس حجم منجزاتها،  ليسأل مَن سأل: "رغم كل هذه الإنجازات والمنجزات ومع ذلك بقيت الموحدة في نفس القوة، معقول؟!"


هنا لا بد أن نُشير إلى أن الماضي القريب علّمنا أن استطلاعات "قنوات التلفزة العبرية" لم تُصب دائما كبد النتائج الصحيحة التي تتعلق بالموحدة لأسباب كثيرة على رأسها مثلا عدم وصول المُستطلِعين و "وحدات العينات" للنقب الذي يُعد معقلا للموحدة، ما يعني أن قوة الموحدة لربما تتساوى مع قوة المشتركة على أرض الواقع.


لكن من جهة أخرى، نتيجة عدم رضا الجمهور عن الحكومة يجب أن تدق الناقوس للموحدة لماذا؟


عندما تكون "حكومة التغيير" تغيير بالشكل لا بالمضمون، فلا بد أن يميل الجمهور للنسخة الأصل (نتنياهو) لا التقليد (بينيت).

هذا الاستطلاع يجب أن يُغيّر توجهات الحكومة وإلا سينطبق عليها القول: "كأنك يا أبا زيد ما غزيت"! وستجد نفسها بتراجع جماهيري مستمر، فتغيير نتنياهو لم يعد بحد ذاته هدف "تريندي - صرعة" والذاكرة الجماهيرية ضيّقة. أما بعد! ماذا عن عملها وانجازاتها؟!


حكومة تناقضات، هذا كان معروفا ولا جديد بذلك، لكن أن تبقى تناقضاتها تُثقل كاهلها وتُعيق تقدمها وتُكبل أياديها وتبقى ذريعة لعدم تسجيل أي تقدم بمحاور عديدة يجب أن تضع ختم تغييرها عليها، تلك هي الاعاقة بحد ذاتها.


وهناك أحزاب ستدفع ثمن فشلها، بحالة وفشلت الحكومة، حتما لأنها تتحمل المسؤولية، المسؤولية الجماعية، وإن لم ترغب بذلك وحاولت وتحاول التنكر لذلك دائما.


بكلمات أخرى وأكثر وضوحا وصريحة، الموحدة ستتضرر لا محالة لأنها تتحمل جزءً من المسؤولية لكونها جزءً من الائتلاف، حتى وإن تنكّرت للحكومة لاعتباراتها التسويقية الترويجية الخاصة، تنصلا من مسؤولية أي اِخفاق للحكومة.


أحقا هناك مَن يعتقد أن الناس وعامة الجمهور تُفرّق كثيرا بين الائتلاف والحكومة؟! بالنسبة للناس الائتلاف هو الحكومة والحكومة هي الائتلاف والموحدة "حكومة العربي".


على فكرة! نقطة هامة يجب أن نُشير إليها أيضا، جزء من هذه النتيجة يأتي لمجرد وجود الموحدة في الائتلاف أو "الحكومة" وكجزء من عملية مواصلة نزع الشرعية عنها لوجود العربي فيها.


لهذا جزء من يمين الحكومة يرى بالموحدة عبء، لكن ما في "يده حيلة"، بدونها لا يمكنه "البقاء" وتشكيل حكومة، لهذا أي تغيير في المعطيات السياسية الحالية قد يُعيد الموحدة لدائرة عدم التأثير المباشر، وهذه النتائج تأتي أيضا كنتيجة مباشرة للتحريض وإعادة الموحدة للمربع الأول، مربع خارج الشرعية السياسية.


في السياسة لا يوجد أبيض أو أسود فبينها من الرمادي الكثير ولا داعي للتذكير..


في الموحدة هناك تفاؤل حذر، وإن بدا هناك للوهلة الأولى انقسام في وجهات نظر تفسير الأمر. قيادي بارز جدا في الموحدة أكد لي من خلال محادثة جانبية أن المواطن لم يلمس بعد انجازات الحكومة، وبالتالي الموحدة على أرض الواقع، لهذا مع الوقت وكلما التمس المواطن المنجزات ستتغير هذه النتائج، بمعنى عامل الوقت بالنسبة له مهم جدا، وبالمقابل قيادي آخر لا يقل بروزا من الموحدة، أكد لي هو الآخر أن المُنجزات لا تأتي "بكبسة زر" نظرا لواقع المجتمع العربي المأساوي والتمييز الممنهج وتراكمية السنين، لهذا لم يلعنوا الظلام بل يحاولون إشعال شمعة لطرده، شمّروا عن سواعدهم ويعملون بكل كد وجهد وسط تحديات جسام، وهذا كافي لتقدير الجمهور لهم ولعملهم من وجهة نظر بعضهم.  


تفاؤل ربما مفرط وفيه مثالية حد الثمالة، ولكن مَن يدري كل شيء وارد!


انظروا أن كلاهما يُعوّلان على العامل الزمني، بمعنى فرضيتهم تقول: كلما تقدم الوقت أكثر ستتعزز قوة الموحدة وأيضا الحكومة أكثر، فماذا لو تعثّرت الحكومة وتفكك الائتلاف خلال فترة وجيزة قبل أن يلمس المواطن هذه المُنجزات على جلده؟! ربط الزمن بتحقيق الانجازات فيه مخاطرة، ولكن ربما تكون محسوبة، لأن ما وضحته أعلاه تعلمه جيدا الموحدة: أحد من الأحزاب لن يُقدم حاليا على الغالب للذهاب إلى انتخابات قبل تحقيق مُنجزات عينية حقيقية تضمن له العودة الآمنة لناخبه ونقطة انطلاق عالية لدخول مضمار المنافسة الانتخابية.


الموحدة تستمر بشق المجهول بخطوات محسوبة، لكن بغالبيتها مبنية على أرض رملية متحركة كل شيء وارد وقابل أن يحدث فيها وعليها!


هي سياسة "الخبط على الجمر" وعدم البقاء في المنطقة الآمنة، لكن مع مخاطرة كبيرة، والموحدة ترى أن المجتمع العربي يستحق هذه "التضحية".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023