دست أصبعها في عين وليد طه! هي مجرد أزمة أم حقيقية و "لراية النصر" انتكاسة؟

فالح حبيب

محلل سياسي


قانون الكهرباء يعود مجددا للواجهة ليُكهرب الكنيست والعلاقات داخل الائتلاف، فما كان ضمن دائرة المفهوم ضمنا تم خرقه، كسر واضح لقواعد الاتفاق المفهوم ضمنا والذي بحسبه لطالما أبقيا رئيس لجنة الداخلية النائب وليد طه ووزيرة الداخلية آيليت شاكيد حديث جلساتهما بعيدا عن الإعلام والخوض بتفاصيلها علنا لاعتبارات عديدة، أهمها أن لا يقود الخوض بالتفاصيل إلى ضغط يضع كلاهما في حرج جماهيري.

شاكيد التي ترى بنفسها يد اليمين الطويلة في الائتلاف تتأثر كثيرا من اليمين خاصة وقانون الكهرباء لم يعد مجرد قانون، بل أخذ صبغة سياسية قومية وطنية.  

أما النائب وليد طه فهذا القانون هو "علم سفينته" التي تُبحر وتشق طريقها في محيط صاخب، والموحدة ككل تُعوّل عليه أن يكون أحد أبرز إنجازاتها، مع التذكير أنها تحمّلت المسؤولية بعد إسقاط قانون الكهرباء للنائب الطيبي وتعهّدت أن تأتي بقانون يصب في صالح المجتمع ككل في البلاد والمجتمع العربي على وجه الخصوص، قانون لا يقود فقط لربط البيوت بالكهرباء، بل إلى تعجيل التخطيط والبناء في البلدات العربية التي لطالما عانت من تمييز ممنهج في الشأن المذكور.

أمس ومع صعود آيليت شاكيد إلى منصة الكنيست بدا واضحا أكثر من أي وقت مضى أنها تعيش أجواء ضغط كبيرة وتتأثر من الأجواء العامة التي تعصف بيمينا سياسيا وباليمين، فشاكيد جسدا بالائتلاف، لكن روحا وقلبا في يمين المعارضة، وواضح أنها لا تُريد إغلاق باب العودة لليكود أو المعسكر الوطني بشكل كامل، وما زال لديها أملا أن تتعزز قوة يمينا أو العودة لغيره بأقل تقدير، ولهذا ليس صدفة بالأمس تحدث النائب وليد طه أن عليها أن تحسم قرارها إذا كانت تُفضّل الشراكة مع الموحدة أم مع "بن غڤير" و "سموتريتش".

بالأمس كسرت قواعد هذا الاتفاق المفهوم ضمنا ودسّت أصبعها في عينه مُحرِجةً له أمام جمهوره، وعلى وجه الخصوص، أمام النقب الذي يُعد معقلا للموحدة بتصريحاتها، ليخرج النائب وليد طه رادا لها الصاع صاعين، متهما إياها بترويج الأكاذيب والكذب البواح، فهل حقا كذّبت أم كشفت؟ لتدخل على الخط وزيرة الطاقة "كارين الهرار" وتكتب "مُغردةً" أن وليد طه صادق.  

وليد لم يبق مديونا لشاكيد وكشف هو الأخر عن تفاصيل ستزيد من حرجها أمام جمهور ناخبيها واليمين.

بالنسبة للموحدة، ورغم أن حالها كحال باقي أحزاب الائتلاف، تعمل ضمن موازنات دقيقة ومساحة المناورة المُتاحة حتى لا يكون هناك كسر لقواعد اللعبة ولا تقود إلى انتخابات جديدة، والمؤشرات جميعها تُشير إلى أن أحد من أحزاب الائتلاف غير معني بالذهاب لانتخابات في هذه المرحلة، وكل لاعتباراته، ولكن بالنسبة لها هذا القانون هو "راية النصر"، النصر على يمين الائتلاف ويمين المعارضة والمشتركة الذي لطالما بلعت الضفدع وانتظرت بلوغ ساعة الصفر، نضوجه متحملة الكثير ضمن معركة محمومة على كسب الرأي العام، فأي تأتأة في القانون تُعتبر انتكاسة لها، لهذا النائب وليد طه صاحب القانون يُدرك ذلك ويعتبره إنجازا شخصيا بقدر ما هو مجتمعيا لا تراجع فيه وعنه، ليبدو هذه المرة متصلبا أكثر في مواقفه.  

أما رئيس الموحدة النائب منصور عباس فقد أكد لي أن نقطة الخلاف هذه سيتجاوزها الائتلاف وبالنهاية سيجسرونها، لكنه لم يخفِ تمسّك الموحدة بالقانون وعدم تقديم أي تنازلات فيه.

ما لا شك فيه أن قانون الكهرباء هو راية نصر الموحدة وسيواصل كهربة الأجواء حتى تمريره وربط البيوت بالكهرباء وإنارة مصابيحها.

حراسة شخصية بسبب التهديدات المستمرة. هو الجزاء المتوقع لكل مَن يريد قضاء فترة من عمره لخدمة الناس وجمهوره؟!

نظرا للتهديدات التي تصله بشكل مستمر ودرجة التهديد العالية التي وجد نفسه فيها، رئيس الكنيست يأمر بوضع حراسة شخصية مُلازمة لرئيس القائمة العربية الموحدة النائب منصور عباس الذي عبّر خلال محادثة جانبية معي عن ألمه لذلك، ولكن بالنهاية القرار كان خطوة وقائية لا بد منها، وكما يُقال درهم وقاية خير من قنطار علاج:"مَن قرّر بطبيعة الحال إرفاق حرس شخصي لي هو ضابط الكنيست وهو الذي يُقرر أيضا متى يجب رفع الحراسة وفقا لاعتباراته الأمنية والمهنية، كل أسبوع يكون هناك تقييم للوضع وبناءً عليه يتخذ ضابط الكنيست قراره المهني.

مؤسف أنني أسير مع حراسة، ولكن لم يكن ليكون هذا الوضع لو لا التحريض المزدوج الذي تتعرض له الموحدة، وبطبيعة الحال، أنا لكوني في رأسها.

هذا التحريض كاف لأن يدفع بشخص ما أن يُحوّل التحريض لفعل، لا يوجد ضمانات، لهذا قرر ضابط الكنيست وضع حراسة عليّ بسبب درجة التهديد العالية جدا. علينا كسياسيين أن نرتقي باسلوب الحوار وعدم الانزلاق به لمستويات يمكن أن ندفع ثمنها جميعا. هذا التحريض هدفه واضح النيل من مكانتنا السياسية وتأثيرنا واعادتنا لدكة الاحتياط بالتأثير السياسي بأقل تقدير".

المُلفت أن النائب منصور عباس لم يتطرق كثيرا معي ولم يُسهب في التحريض والتهديد الذي يتعرّض له من داخل المجتمع العربي وغيره ("العرب")، ربما لكي لا يُوفّر غطاء لليمين المتطرف، بمعنى حديثه عن الشأن قد يدفع بأحدهم لارتكاب جُرم ما، وبالتالي يُلصَق الفعل للعربي بشكل اتوماتيكي، حتى لا يُقال المُنفذ لا بد أنه عربي وليس مِن اليمين المتطرف نتيجة التحريض عليه من داخل المجتمع العربي وخارجه، لأن معلوماتي تُشير إلى أن قرار ضابط الكنيست لم يأت فقط بسبب التحريض والتهديد من اليمين المتطرف فقط، بل لأن هناك تحريض وتهديد من داخل المجتمع العربي أيضا.

وواضح أن الموحدة تحاول استغلال قضية الحراسة لابراز تحريض اليمين المتطرف ووضعه في الواجهة، خاصة والهدف منه نزع الشرعية عن كل ما هو عربي في البلاد، أي الكشف عن أن اليمين المتطرف يستهدف بذلك كل مواطن عربي في البلاد وإقصاءه وإعادته إلى مربع عدم الشرعية والتأثير المباشر وغير المباشر.  

هتاف اليمين: "منصور عباس مُخرّب"! هو أمر خطير ومقلق، لأن المُخرّب من وجهة نظرهم حكمه "القتل والإعدام الميداني"، فمن يضمن أن يأخذ أحدهم هذه الترّهات على محمل الجد ويرتكب فعل مشين ولنا في التاريخ عبرة؟!

قُتل رئيس حكومة، وليس ببعيد أيضا تم سكب شاي ساخن على النائب الطيبي وغيرها، والمُقدم على سكب الشاي لن يمنعه فعل ما هو أشنع فقط لمجرد أنه فكّر القيام بفعل وعمل مشين.

بمعنى ساكب الشاي يمكنه أن يُغيّر الأداة لمجرد أن التحريض حرّكه ودفع به القيام بفعل وعدم الاكتفاء بالهتاف أو الكتابة والتشهير والقذف الخ، استباحة المحظور!

التحريض قد يصل بالبعض إلى الحضيض، لهذا الجهات الأمنية المسؤولة المهنية لا تُخاطر وتتخذ قرارات رادعة لردع هذه الظاهرة.

في السياسة التحريض والتهديدات ليست جديدة، لكنها خطيرة ومقلقة تعكس انحطاط، فهل مَن يريد قضاء فترة مِن عمره في خدمة الجمهور هذا ما يستحقه أو ينتظره؟!!

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023