أفتانا يوسف من سجنه
بقلم المستشار / أسامة سعد
يوسف ذو التسعة والعشرين عاماً، ابن مخيم جباليا ذلك المخيم الذي كان مشعل الثورة في الانتفاضة الأولى وبقي خزانا للثورة ضد المحتل في شتى مراحل الكفاح، ومنه تخرج الابطال والقادة العظام، ولقد مرت بيوسف أيام الفخر التي خاضها مخيم جباليا بمعركة أيام الغضب، تلك المعركة التي قدم فيها شمال غزة وعلى وجه الخصوص مخيم جباليا ما يزيد على مائة شهيد، وكان شعار المعركة الذي أطلقه الشهيد القائد نزار ريان " لن يمروا" حينما تقدمت مائة دبابة بغطاء من الطيران المروحي لاجتياح شمال غزة، ولقد كان للثوار ما أرادوا، ولا شك أن يوسف شرب سقاء العزة والكرامة من مثل هذه المواقف، ونشأ على سير العظام من الشهداء والقادة فتعلم الرجولة في سن الطفولة، ولذلك كان يوسف ممن اشتروا الاخرة بالدنيا فانطلق مجاهدا في سبيل الله والوطن، ويشاء الله سبحانه أن يُغيّب السجن يوسف ليعيش حياة الرجال في سجن نفحة.
يوسف لم يلبث في السجن إلا بضع سنين، فلم يُتم بعد إلا ثلاث سنوات من مدة حكمه البالغة سبعة عشر عاماً، يوسف لديه زوجة وأطفال ينتظرون يوم اللقاء، وكان يوسف دائم التفكير بزوجته وأطفاله، يشتاق إليهم ليشم رائحتهم ويقبلهم ويحتضنهم، لم يكن يوسف إلا بشراً له مشاعر وعواطف وأحاسيس، ولكن يوسف لديه أيضاً نخوة ورجولة وشرف، يوسف السجين لم يقبل على رجولته أن تمتهن الحرائر، لأنه تصور كل واحدة منهن أماً وأختاً وزوجة، ولقد كان لصرخات الحرائر صدىً في نفس يوسف وكأنها تستغيثه "يوسف أفتنا في ظلم السجان وقهره"، فيسرها يوسف في نفسه ولم يبد ما جال بخاطره لأحد، فأعد ما وصلت إليه يده من أدوات يمكن ان تجرّد للثأر، فصنع ما يشبه السكين، وانتظر الفرصة المواتية فانقض على سجانه فطعنه طعنةً ربما لم تكن مزهقة لروح السجان ولكنها كانت قاتلة لغطرسته وظلمه وجبروته المصطنع من خلف الأبواب المغلقة، لذلك أصبحت طعنة يوسف حياة له ولرفاقه وموت لسجانيهم ورفعة وللحرائر اللواتي حاول السجان امتهانهن، طعنة يوسف أصبحت حديث الناس بالعز والكرامة لأن يوسف لم يتخل عن رجولته بعذر السجن، ولم يصرفه حبه لزوجته وأطفاله عن الواجب، فقرر أن يكون الفدائي الذي يُذْهب نفسه حماية لشرف حرائره، لم يأبه يوسف لمصيره بعد عملية الطعن ولم يفكر كثيرا في كم من الوقت يمكن أن تزيد فترة حكمه، بل أجزم ان يوسف لديه من اليقين ما امتلكه يوسف النبي عليه السلام عندما قال رب السجن أحب الي مما يدعونني إليه، وأظن أن حال يوسفنا يقول رب طول السجن أحب الي من أن أقبل ذل حرائرنا في السجن، وإن ليوسفنا عين اليقين بأن الله سيفرج كربه بعز كما فرج كرب يوسف عليه السلام، واظن ظن خير بأن أمثال يوسف سيبقون في عين إخوانهم من المقاومة التي لن تألو جهداً في إخراجهم من سجنهم رغم أنف سجانيهم، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان وأي إحسان أكبر من الثأر للأسيرات من سجان لئيم خبيث، ما أجملك يا يوسف وأنت تعيش السجن كما عاشه يوسف عليه السلام وتصبر على الظلم كما صبر يوسف وتقدم روحك تضحيةً كما يوسف وتتمسك بقيمك ومبادئك، فكنت يوسف فلسطين الذي ذكرنا بسيرة يوسف عليه السلام، وان كان لكل من اسمه نصيب فكان نصيبك من اسمك ان دخلت السجن عزيزا كريما، ومكثت فيه صابرا محتسبا، وحملت هم الحرائر وأنت تعاني ما يعانين من الم وقهر السجن، ورغم ذلك انتفضت شرفاً وكرامةً فأرسلت رسالة بالدم دون الكلام "أن الحرائر خط أحمر" ولسنا نحن الذين نقبل الضيم في حرائرنا، فسلام عليك أيها الصديق فلقد كنت صديقا في جهادك وأمسيت صديقا في تضحيك وستكون بإذن الله صديقا في خروجك من السجن عزيزا كريما.
غزة في 22/12/2021م