الموحدة بين نارين: بدء ظهور تصدعات في الاجماع الداخليّ وهجوم دائم خارجيّ!

فالح حبيب

محلل سياسي

بقلم:

فالح حبيب



"دولة "إسرائيل" ولدت يهودية وستبقى يهودية"، كان متوقعًا أن هذا التصريح ما أن سيقع على مسامع الجمهور العربي في البلاد وخارجها حتى تبدأ ثورة ضد صاحبه النائب منصور عباس، ولكن ما هو واضح أنه خاطب من خلاله الشعب اليهودي وليس غيره، لكن لماذا؟

في السياسة هناك هفوات وزلات لسان عفوية ومنها ما يكون مقصود لتوصيل رسالة.  

ما هو واضح أن النائب منصور أراد بكل تأكيد نقل رسالة مفادها: "المهم ماذا نريد وليس ما لا نريد في هذه المرحلة!"

أما النائب منصور في جملة و "ستبقى يهودية" فواضح أنه لم يُعبّر عن موقف، بل تقدير موقف. 
بالإضافة إلى تأكيده أنه ضد قانون القومية خلال الحوار، مشيرا إلى أنه قد شارك في المظاهرة ضد القانون، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا ليشفع له، فوجد نفسه في عين العاصفة وردود فعل غاضبة وهجوم منه ما هو عفوي حقيقي ومنه ما هو ممنهج لمآرب سياسية مبيّتة.  

ما هو واضح أنه لم يتراجع عن مواقفه، ولكن كما صرّح لي فور انتهاء المؤتمر: أخوض المعركة الحقيقية الموجودة في سلم أولويات كتلتنا السياسية وهي مكانة وحقوق المواطن العربي الفلسطيني في البلاد، أي المجتمع العربي، تحت عنوان ماذا نريد؟ وليس ماذا لا نريد؟.

ولكن أين أخفق؟

انصافًا وليس دفاعًا النائب منصور عباس أكد خلال المؤتمر أن "إسرائيل" وُلدت يهودية لتبقى هكذا ليس معبرا عن موقفه الشخصي، موضحًا أن أبناء الشعب الإسرائيلي هم مَن اختاروا أن يعرّفوا أنفسهم كذلك، وأن ما يهمه في هذه المرحلة هو مكانة العربي حاليا في البلاد، معتمدًا مبدأ أن لكل شعب كامل الحق بتقرير مصيره وتعريف نفسه كما يريد، محاولًا أن يوضح أن بالنسبة له مكانة الأقليات داخل هذه الدول هو ما يهمه.  

هناك من فضّل أن يسمع فقط ما يريد ويفهم ما يريد معتمدا على جزء من حوار كامل.

كان واضحا أن التصريح سيُحمّل تأويلات وتحليلات بعيدا عن معناه الجاف وأن النائب منصور سيُقوّل ما لم يقل ليجد نفسه في عاصفة جديدة.  

منصور عباس لمن استمع للحوار لم يبد دعمه ليهودية الدولة كما فهم البعض وراح بعض آخر ينشر ذلك خلال المؤتمر لأهدافهم ومآربهم الخاصة، بل من باب نقل الكلمة كما هي والنقل أمانة، خاصة ومجتمعنا بغالبيته يتأثر بثقافة النقل، يسمع ويُردد دون أن يتحرى بنفسه الدقة، هو أكد أنه هكذا اختار أن يُعرّف أبناء الشعب اليهودي أنفسهم، وما يراه مهم في هذه المرحلة هو مكانة المواطنين العرب في الدولة وتحقيق المساواة وعدم التمييز وتحصيل الحقوق وتعزيز مكانة هذه الأقلية الخ، بمعنى لم يُسلّم بهوية الدولة كما حاول البعض تحميل تصريحه، ولم يُعبّر عن موقفه رغم تجرؤه على الخطاب السائد التقليدي.  
أما إخراج التصريحات عن سياقها الصحيح، فهذا يؤكد أن وراء الاكمة ما ورائها ولا شأن لي بذلك ويصب في مصب التنافس بل التناكف بمعنى أدق، ولأن الوضع هو كذلك، على قادة الموحدة انتقاء مسمياتهم وتوضيح تصريحاتهم بشكل واضح ناضج المعنى وحساب كل خطوة. فالواقعية المفرطة من أسبوع لآخر تضع الموحدة والنائب منصور عباس الذين يحاولون الاشتباك مع الواقع لتحسين مكانة العربي في البلاد بحسب تصريحاتهم في وضع حرج، وها هم مرة أخرى من جديد يلعبون لأيادي منافسيهم ويقدمون لهم عناوين لاستغلالها وإحراج الموحدة والتشهير بها على طبق من ذهب تكتيكا.

كان يمكنه التعبير عن نفس الرسالة بدون السقوط في هذا المطب، لهذا التصريح في شكله غير موفق بتاتًا.  

وعلى ذلك أقول: الواقعية بحاجة لحنكة وإلا ستتحول تحركات الموحدة كل يوم لضجة وهناك مَن سيحولها لفتنة!

النائب وليد يخرج بشكل علنيّ ضد منصور بتصريحات ليست عبثية ربما تُؤسس لطموحات مستقبلية

هذه التصريحات الرسمية في شكلها، ما هي إلا نقطة نظام في جوهرها، تشمل نوايا مستقبلية تعتمد استراتيجية استباقية. ليُسأل السؤال، لماذا يبدو النائب وليد طه كمن يخرج علنا ضد النائب منصور عباس بتصريحاته؟ خاصة والتوقيت هو ما يُثير تساؤلات عديدة، مثلا: لماذا تأتي بالذات هذه التصريحات يوم ما بعد تصريحات النائب منصور عباس وهو ما زال في عين العاصفة؟ أهي تحركات عبثية مثلا؟ بكل تأكيد لا كمن يعلم النائب وليد وحنكته، ما لا يدع مكان للشك أن هناك ربط زمني بين التصريح وتصريحات منصور عباس بدون أدنى شك، ولماذا جمع بين ضرورة الالتزام بدستور الحركة الإسلامية ومؤسساتها؟  

هذا الربط أبدا ليس عبثيا، بل هو "دهائي" فيه ما فيه من الحنكة إذا حقا هذا هو الاتجاه (حاولت الاستفسار).

بحسب دستور الحركة الذي ينص بشكل واضح على أن كل عضو تقتصر ولايته على 10 سنوات أو ثلاثة دورات لضمان "تداول السلطة" السلس وفتح المجال أمام الأجيال الشابة من باب استمرارية الحركة والموحدة وسيرورتها، وبحسب هذا البند ودستور الحركة بالمعنى الجاف، فإن النائب منصور عباس يكون قد أنهى "رصيده الزمني"، بمعنى لا يمكنه الترشح مرة أخرى لدورة أخرى، أي في الانتخابات القادمة لولاية أخرى (بحسب مصادر عديدة في الحركة)، في الوقت الذي من فترة لأخرى يتبادر إلى مسامعي أن النائب وليد طه بالمقابل يرى بنفسه جاهزًا لترأس الموحدة ولديه النية لذلك والطموح، ولكن وفقا لنهجه والعودة إلى النهج "التقليدي" إذا صح الوصف غير الدقيق، المغاير لنهج النائب منصور عباس الحالي بكل تأكيد.
 حديثه عن الالتزام بالدستور واضح أنه يرمي لعدم التجرؤ على الدستور وإحداث أي تغيير فيه يُتيح بالتالي للنائب منصور عباس الترشح مرة أخرى من جديد، ومن جهة أخرى تصريحاته هذه تضمن له خط رجعة يضعه في خانة مغايرة عن النائب منصور عباس، وبالتالي تُموضعه في خانة القيادي المُستقل الذي يتمتع باستقلالية الرأي والنهج ووجود التمايز والفروقات بالرؤية والتكتيك والاستراتيجية، فهل هذا يعني حتمًا، والطموحات دائما مشروعة، أن النائب وليد طه تصريحاته هذه استراتيجية تحمل نوايا مستقبلية استباقًا؟  

باعتقادي المتواضع، أنه لو لم يكن هناك هدفا من التصريحات لاكتفى بها النائب وليد طه داخل الغرف المغلقة بين زملائه ولم يجهر بها علنا، خاصة وأنها تبدو توضيحا مبطنا يُحمِّل المسؤولية بشكل مباشر لأصحابها، في الوقت الذي يُدرك فيه أن التصريحات لا تحصل على التغطية فقط، بل تُوثّق أيضا أكانت سلبية أم إيجابية، ويمكن دائما سلّها واستخدامها عند الحاجة في وقتها ومكانها الصحيحين إذا لزم الأمر واقتضت الحاجة إلى ذلك.

بكل الأحوال، هذه التصريحات وما عقبها من تصريحات للقيادي في الحركة الإسلامية، رئيسها وموحدتها النائب السابق إبراهيم صرصور، وكذلك أيضًا رئيس الموحدة النائب السابق مسعود غنايم وأصوات أخرى لكنها أكثر همسا، ليست عفوية في هذا التوقيت بقدر ما تعكس بوادر خلافات داخلية في وجهات النظر وتعكس تصدعات في الاجماع الداخليّ في ظل الهجوم الدائم الخارجيّ، فقد نفذ صبر الكثيرين وقدرة تحمل البعض وانقطاع النفس قبل وصول خط النهاية الذي تسير في اتجاهه الموحدة، وصدقا نهج "المغامرة" للموحدة ليس بسيطا أو سهلا فكل جديد مخيف ومحفوف بالمجهول والمخاطر والتحديات الجسام! هناك خلافات وإن تظهر حاليا بشكل ديبلوماسي مبطن أيضًا، كان مهم للنائب وليد طه على ما يبدو أن يُسجل موقفًا من خلالها يضمن الحفاظ على سيرورة الإسلامية واستمراريتها، خاصة وأن هناك أصوات تتحدث عن أن ذلك لم يعد عامل ضغط بالنسبة للنائب منصور عباس الذي يعمل بأريحية بعكس غيره من زملائه الذين "رصيدهم الزمني" بحسب دستور الإسلامية لم ينته بعد وينفذ، لهذا ما زال مهم جدا لهم الحاضر والمستقبل.  

على فكرة! يمكن أن نستشف أيضًا أن هناك خلاف بين النائبين وليد طه ومنصور عباس حول جدوى البقاء في الائتلاف من عدمه، لأنه كما يبدو واضحا النائب منصور عباس يريد الاستفادة من البقاء في الائتلاف حتى وإن كلّف ذلك على ما يبدو ثمنا جماهيريا للنائب وليد طه الذي بدا جماهيريا يُهدد أكثر مما يُنفذ خاصة على ضوء قانون الكهرباء، وهذه الصورة الجماهيرية التي لا يُريد، بكل تأكيد وبكل الأحوال، أن تلتصق به حتما ولديه طموحاته السياسية المستقبلية، ولكن الخروج علنا ضد النائب منصور عباس في هذه المرحلة قد يُفسره البعض بالمقابل أيضا ليس دعوة لصحوة وتصحيح مسار، بل تمردًا يزعزع ثبات الموحدة واستقرارها، وبشكل عام هذا يُولّد رد فعل عكسي لا يصب في صالح استراتيجيته وبالتالي هدفه، لأن الأحزاب اعتادت تفضيل الحفاظ على الوضع القائم وعدم التمرّد.

على كل، هو مجرد تحليل اجتهادي، وأحد لا يمكنه اقناعي أن هذا التصريح عبثي ومحض صدفة في هذا التوقيت ولدي مصادري، لربما جاء لأهداف أخرى غير التي ذكرتها، ربما!  

حاولت التوجه للكثيرين ممن يشغلون مواقع مؤثرة في الموحدة لاستيضاح بعض المعلومات والنقاط أو الحصول على تعليق وتعقيب عليها، منهم من قرأ ولم يرد، ومنهم مَن فضّل التجاهل ومنهم مَن بعث وحذف الخ على غير عادتهم، يبدو أن منسوب قلقهم من الصحافة يزداد من يوم إلى آخر؛ بسبب صدمات التصريحات وما يعقبها من تأويلات، كل شيء وارد. 
لهذا أرجو أن لا يتم تحميل مقالي أكثر مما يحتمل، فأنا لست هناك تماما، فالكلمة أمانة ومثل هذه التصريحات الضبابية المطاطية في ظل عدم التوضيح هي وحدها التي تقودنا لنجتهد في ظل التعتيم المقصود.

ختاما، النائب منصور عباس ما زال يخوض في المجهول ويُطلق رسائل يستبق من خلالها الوقت الذي يُنضِج المجتمعات لتُقبل تصريحاته، ما يُشكّل صدمة دائما لهم وتضعه في حرج دائم، لهذا هو دائما يخطو في دائرة "التنافر المعرفي" و "حقل الطابو" والسير في هذه الحقول يستوجب سير بين النقاط وحنكة، وإلا سيجد نفسه دائما في "قفص الخيانة" المطاطية مُتَهَما! مع الأخذ بعين الاعتبار أن الموحدة ستتقاسم معه بنجاح النهج، لكنها ستُحمّله وحده المسؤولية إذا لم يُثبت نفسه على أرض الواقع "نهجهم الجماعي"، فلم يكن ليكون هذا النهج لو لم يكن له دعم داخل مؤسسات الإسلامية وخارجها.  

بالمقابل بكل تأكيد، النائب وليد طه لا يُفتش ربما عن "الأنا" وزعزعة أو ضعضعة، بل ربما صحوة مما أسماه هفوة أو هفوات متعاقبة يتحملون مسؤوليتها جميعا دائما من باب المسؤولية الجماعية تجاه أبناء الحركة الإسلامية والمجتمع بأكمله.

"قضية الشعب الفلسطيني" بصدقها وعدالتها أكبر وأشمل من أن تتأثر بتصريحات أكانت صحيحة أم محرّفة.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023