ضم الضفة بين أحلام نتنياهو وخيار الدولة الواحدة

معتصم كامل

كاتب وباحث في الدراسات الإقليمية

​​​​​​​
شكل الأمن الديمغرافي حجر الزاوية لكثير من القرارات والاستراتيجية الصهيونية، قبل وبعد قيام دولة الكيان، وحتى يومنا هذا ما زال الأمن والديمغرافيا أساسًا للرؤية الصهيونية في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية ومجالات أخرى أقل أهمية كالمياه مثلًا.
وقد سعت الحركة الصهيونية دومًا إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة مع أقل عدد من السكان العرب، واليوم وبعد أكثر من سبعون عامًا على قيام دولة الكيان، يتصدر الحديث عن ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المشهد السياسي في المنطقة برمتها، حيث يأتي الحديث عن ذلك في ظل وجود رئيس أمريكي داعم ومتبني للمواقف الصهيونية يقوة، وفي ظل إجماع صهيوني على ضرورة الضم. 
وبالرغم من أن فكرة الضم جاءت كجزء من خطة ترامب للسلام، والتي تتضمن إلى جانب ذلك قيام دولة فلسطينية معزولة ومنزوعة السلاح، على ما يتبقى من الضفة الغربية (65%) إلا أن اليمين الصهيوني برفص ذلك بشدة ويعتبر قيام مثل تلك الدولة خطرًا وجوديًا على دولة الكيان، وهذا بالطبع سيفقد الخطة أي تأييد عربي محتمل لها، سواء سري أو علني، وحتى من الدول العربية التي تعتبر صديقة لدولة الكيان، إلى جانب استحالة أخذ موافقة فلسطينية عليها بأي حال من الأحوال، وهذا سيعيد إلى الواجهة السؤال عن مصير أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، كما سيكون بقاء واستمرار السلطة الفلسطينية محل شك بحد ذاته، إن ذلك كله يثير التساؤل عن دوافع نتنياهو إلى السعي نحو هذه المغامرة غير محسوبة النتائج. 
لاشك أن هناك دوافع أيدولوجية وسياسية واقتصادية وأمنية تقف وراء اصرار نتنياهو إلى السعي لضم أجزاء من الضفة إلى دولته، ولكن بالتأكيد هناك دوافع شخصية تقف وراء هذا التوجه؛ فالرجل الذي يجلس على كرسي رئاسة الوزراء في دولة الكيان لأكثر من أربعة عشر عامًا، ويريد أن يسجل اسمه في كتاب التاريخ الصهيوني وأن يترك وراءه وارثًا حقيقيًا يمتدح به، فمناحم بيجن قاد عملية السلام مع مصر وأخرجها من دائرة الصراع نهائيًا، ورابين وقع اتفاق أوسلو الذي قضى فعليًا على انتفاضة الحجارة، وأعاد القضية الفلسطينية إلى الوراء عقودًا، أما أيهود باراك فيفتخر بإخراجه للجيش الصهيوني من الوحل اللبناني، بينما سيسجل التاريخ لأرئيل شارون إخراجه للصهاينة من جحيم فطاع غزة المتفجر، وهكذا يسعى نتنياهو جاهدًا إلى استغلال الفرصة التاريخية والتي ربما لن تتكرر، والمتمثلة بوجود رئيس أمريكي داعم وبقوة لأفكار اليمين في إسرائيل، إلى جانب تخاذل عربي وصمت دولي غير مسبوق. 
أحلام نتنياهو تلك ورغم الظروف المساعدة له، تصطدم بواقع معقد على الأرض وظروف متغيرة باستمرار في الشرق الأوسط، وإلى جانب اشتراط الإدارة الأمريكية، قيام دولة فلسطينية بموازاة الضم، الأمر الذي يرفضه كل قدة اليمين الصهيوني، وإلى جانب تراجع عربي عن تأييد الضم، وتهديد أردني ربما بإلغاء عملية السلام، وإلى جانب معارضة دولية وأوروبية، تحديدًا لهذه الخطوة المخالفة للقوانين الدولية، تبقى القضية الأهم، وهي رفض الفلسطينيين لها جملة وتفصيلًا، وبالتالي طرح مصير أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، قد تجد الاحتلال الصهيوني نفسه مضطرًا للعودة ولحكمهم مباشرة، وإدارة كل شؤون حياتهم في حال انهيار السلطة الفلسطينية، فهناك غالبية في الشارع الفلسطيني ترى أن دور السلطة أصبح في غالبيته يقتصر على الدور الأمني، والذي جله يحدم المصالح الصهيونية، وتحديدًا من المستوطنين. 
إن إقرار الضم فعليًا سيعني خنق الضفة الغربية تمامًا، والقضاء على أي أمل للفلسطينيين بالحصول على كيان سياسي حقيقي، وبالتالي فإن خيار حل السلطة، والعودة إلى منظمة التحرير كدولة مراقب في الأمم المتحدة؛ لتكون بديلًا لإدارة الصراع مع الاحتلال، الذي سيكون مسؤولًا مباشرًا عن كل نواحي الحياة في الضفة الغربية، وهذا الخيار سيحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وسيؤدي إلى انهيار علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، إن ذلك كله سيعقد الخلافات أكثر فأكثر داخل المجتمع الصهيوني، وفي حال نشوب انتفاضة وتمرد شعبي في الضفة الغربية ضد دولة الأبرتايد وهو متوقع بشدة، فإن أحلام نتنياهو ستتحول إلى كابوس مزعج لن يقدر على العيش معه طويلًا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023