تجارة الخردة: قاتلة تسمم الفلسطينيين في الضفة الغربية


تايمز أوف "إسرائيل"
​​​​​​​ترجمــة حضـــارات
عندما تم تشخيص إصابة طفل فلسطيني يبلغ من العمر 4 سنوات بسرطان الدم، لم تمض الأم الكثير من الوقت في التساؤل عن السبب؟. كان الجواب في كل مكان حولها: الضباب الدخاني السام والنار، التي يشعلها فلسطينيون لحرق خردة إلكترونية إسرائيلية لاستخراج معادن الخام القيمة منها.

قالت إسراء التي تعيش في بيت عوا، وهي بلدة صغيرة بالقرب من الخليل: “لا يوجد منزل في شارعنا لا يوجد فيه شخص مصاب أو توفي بالسرطان”.

في تلال غرب الخليل، يعيش الفلسطينيون وسط سحب من الدخان الأسود المتصاعد الذي يتسبب فيه جيرانهم من خلال إشعال النار في النفايات المهملة، التي تأتي كلها تقريبا من إسرائيل، من أجل جمع النحاس بداخلها.
تدعم الصناعة المربحة آلاف الفلسطينيين وعائلاتهم، وتدر ملايين الشواكل للاقتصاد المحلي، لكن السكان الفلسطينيين يدفعون ثمنا باهظا للتلوث الناجم عنها.

معدلات الإصابة بالسرطان في البلدات المجاورة مرتفعة للغاية؛ حيث يصاب الأطفال بالمرض القاتل بمعدل أربعة أضعاف المتوسط في باقي أنحاء الضفة الغربية، وفقا لبحث أجراه خبير البيئة الإسرائيلي يعقوب غارب.

وقال مسؤول صحي محلي إن بيت عوا، التي يبلغ تعداد سكانها 8000 نسمة، دفنت أربعة مصابين بالسرطان في أسبوع واحد فقط في منتصف نوفمبر، معظمهم من اليافعين.

وقال شادي سويطي، من سكان البلدة: “نحن نعيش في أرض مسمومة”، شادي سويطي، توفي شقيقه محمد؛ متأثرًا بسرطان الكبد أواخر نوفمبر عن عمر يناهز 48 عامًا.
تحاول إسراء، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، حماية أطفالها من خلال إغلاق النوافذ عندما يمتلئ الهواء بالخارج بالدخان الشديد. وتضع نباتات مورقة خضراء في جميع أنحاء منزلها في محاولة للتصدي للتلوث.

وقالت: “لو كان بإمكاني، كنت سأصطحب أطفالي وأهرب من هذا المكان، أخشى أن يمرضوا يوما ما أيضًا، لا سمح الله”.

ينتقل الدخان الأسود السام أيضا إلى منطقة لخيش جنوب "إسرائيل"، الأمر الذي يقلق الإسرائيليين بشأن مستقبل أطفالهم.

وتقول تيمناع عيدان، من سكان ألياف، وهي بلدة إسرائيلية تقع على بعد كيلومترين من بيت عوا: “لم نلحظ أية آثار بعد لكننا نعلم أنها مسألة وقت فقط”.

تعهدت كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية بمحاربة أعمال الحرق السام، لكن الفلسطينيين يعيشون في ظل سلسلة من الأنظمة المتداخلة، مما يجعل فرض القانون يبدو وكأنه مهمة شبه مستحيلة.

انهارت محاولات انهاء أعمال الحرق وسط الخلافات بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"؛ لذلك، في الوقت الحالي، تستمر ممارسات الحرق السامة.



“مقابل بضعة شواكل”

لا يتم إعادة تدوير معظم نفايات العالم، بدلًا من ذلك، تقوم الدول الغنية حول العالم بشحن نفاياتها إلى الدول الفقيرة، تظهر نفس الديناميكية بين "إسرائيل" والفلسطينيين– دولة غنية بمحاذاة مجتمعات فقيرة.

تنتج "إسرائيل" حوالي 130 ألف طن من الخردة الإلكترونية سنويًا، بحسب التقديرات الرسمية.
 يتم تهريب جزء كبير منها إلى الضفة الغربية؛ حيث يتم إعادة بيعها أو استخلاص معادن الخام القيمة بداخلها من قبل الفلسطينيين.

يقول غارب، الأستاذ في جامعة بن غوريون الذي أمضى سنوات في دراسة الصناعة وتأثيرها: “نرى هذه الظاهرة في جميع أنحاء العالم، لكن العالم الثالث بالنسبة لـ"إسرائيل" يبعد مسافة 10 إلى 15 دقيقة بالسيارة عن وسط "إسرائيل”.
حظر القانونان الإسرائيلي والفلسطيني نقل النفايات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، لكن الشحنات مستمرة على قدم وساق. تقوم بعض الشركات والأفراد الإسرائيليين بتوفير آلاف الشواكل، أو حتى جني الأرباح، من خلال إرسال نفاياتهم إلى المهربين، الذين يبيعونها إلى ساحات الخردة الفلسطينية.

يقول المدير العام السابق لوزارة حماية البيئة، يسرائيل دانزيغر، الذي شغل منصبه بين 2015-2018 إن “التخلص من طن من الخردة الإلكترونية أو غيرها من النفايات يمكن أن يكون أرخص بمئات الشواكل في السلطة الفلسطينية منه في إسرائيل. هناك حافز اقتصادي قوي للغاية هنا”.
وقد ترك التلوث المتفشي عائلات قليلة سالمة. يلقي رئيس بلدية إذنا الفلسطينية معمر الطميزي اللوم على الضباب الدخاني السام في وفاة شقيقيه بالسرطان.

وقال الطميزي: “قريبًا، سيتأثر كل منزل في إذنًا بهذا، كل هذا مقابل بضعة شواكل”.

قبل الانتفاضة الثانية، كان الفلسطينيون يسلكون الطريق الترابي الذي يؤدي إلى إسرائيل ويعملون كعمال بأجر يومي، ولكن في أعقاب التفجيرات الانتحارية الفلسطينية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بَنَت "إسرائيل" الجدار الفاصل وضيقت الخناق على الفلسطينيين الذين يسعون لعبور الحدود دون تصاريح.
في الوقت نفسه، مدفوعًا بالثورة العالمية في الاتصالات، ارتفع سعر النحاس من 2200 دولار إلى 8800 دولار للطن. 
تحول آلاف الفلسطينيين، الذين لا يملكون تصاريح العمل الإسرائيلية، إلى البحث بين الخردة عن المعادن الثمينة. ووفقا لغارب، فإن هذه التجارة تدعم الآن غالبية الأسر في المنطقة.

كل يوم، يشتري مهربون يهود وعرب الأجهزة الإلكترونية المهملة من الشركات ومنشآت الخردة الإسرائيلية. 
يمر التجار، وهم يقودون شاحنات تحمل كابلات وأجهزة قديمة، عبر الحواجز الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، حيث يفرغون حمولتهم.

في بيت عوا، يحضر المئات من أصحاب المتاجر مزادا ليليا لبيع الخردة. يتم بيع بعضها لأصحاب المتاجر، الذين يأملون في تجديد البضائع وتحقيق ربح. ويتم إرسال البقية إلى ساحات الخردة، حيث يقوم الفلسطينيون بانتزاع البلاستيك بالمطارق، في محاولة لإخراج كل غرام من المعدن الثمين.

يصل متوسط عامل المياومة في الخليل حوالي 110 شيكل في اليوم، وفقا لأرقام السلطة الفلسطينية، لكن العمل في النفايات مربح أكثر بكثير: العامل الذي يفكك ويعيد بيع البضائع القديمة يمكنه أن يتقاضى ما بين 200-250 شيكل – رواتب مشابهة للعمل في "إسرائيل".

ومع ذلك، فإن المال الوفير يكمن في الحرق. الكابلات الإلكترونية القديمة رخيصة الثمن، لكن إزالة الطلاء البلاستيكي للنحاس بداخلها يمكن أن يكسب العامل العادي حوالي 500 شيكل مقابل يوم من العمل، كما يقول المطلعون على المهنة.

بعض الفلسطينيين يشترون الكابلات بأنفسهم ويحرقونها. ويعمل آخرون كفرق بشكل دقيق، أطلق عليها مسؤول أمني فلسطيني لقب “العصابات المنظمة”، الذين يقسمون العائدات فيما بينهم،ومع ذلك، يعمل آخرون لدى رئيس واحد، يحرقون كابلاته مقابل جزء صغير من المسروقات.

يقول تامر أبو جهيشة، الشريك في شركة “صفا” لإعادة التدوير، وهو مصنع في إذنا يهدف إلى إعادة تدوير الكابلات بشكل نظيف إلى نحاس: “مشكلتنا هي أن القوانين لا تطبق، هوية الذين يحرقون معروفة، لكننا نعيش في حالة من الفوضى”.

مستودع “صفا” مليء بالآلات باهظة الثمن والمبهرة – لكن المنشأة تجد صعوبة في منافسة حارقي الخردة. ويقول أبو جهيشة إن ساحات الخردة الإسرائيلية تفضل العمل مع المهربين، الذين لا يدفعون الضرائب ولا يتركون أي معاملات ورقية عند الحواجز الإسرائيلية.



تنسيق

يؤدي حرق الخردة إلى حرائق مستعرة وأعمدة شاهقة من الدخان يمكن رؤيتها من أميال. لكن نادرا ما يتم القبض على الملوثين بسبب وجود نظامين مختلفين في الضفة الغربية.

منذ اتفاقيات “أوسلو” في التسعينات، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية. 
انسحبت "إسرائيل" من المدن والبلدات الفلسطينية الرئيسية في المنطقتين A وB، مما سمح للسلطة الفلسطينية بتحمل بعض المسؤولية.

غالبًا ما يعيش حارق الخردة الفلسطينيون في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، ولكن عندما يريدون إزالة البلاستيك من شحنة من الكابلات المهربة حديثًا، فإنهم يتجهون إلى المنطقة C لتنفيذ الحرق، لا يمكن للشرطة الفلسطينية ملاحقتهم دون موافقة إسرائيلية.

ويقول نائب محافظ الخليل خالد دودين: “لقد تعلمت هذه العصابات استغلال حقيقة أن قوات الأمن والشرطة لدينا لا يمكنها الذهاب إلى هناك دون التنسيق مع "إسرائيل".
 علاوة على ذلك، لا نعرف كم من الوقت سيستغرق ذلك، ولا يوجد نظام مستقر – يمكن أن يكون سريعا أو بطيئا أو حتى أن يكون هناك رفض”.

بموجب اتفاق أوسلو، يجب على المسؤولين الفلسطينيين المحليين أولًا الاتصال بوحدة التنسيق الإقليمية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تتصل بعد ذلك بالسلطات الإسرائيلية، التي تدرس بدورها الطلب وتمنح الإذن. 
بحلول الوقت الذي تصل فيه الشرطة الفلسطينية أو الجيش الإسرائيلي بعد ساعات أو حتى أيام؛  يكون المتسببون بالتلوث قد اختفوا، ولا يتركون وراءهم سوى الرماد.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون والفلسطينيون أنه على "إسرائيل" منع شاحنات الخردة الإلكترونية من دخول الضفة الغربية في المقام الأول.

وقال مسؤول بيئي في السلطة الفلسطينية، الذي وافق على التحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه: “هذا مخالف للقانون الدولي، ويتعارض مع مسؤولية إسرائيل كقوة محتلة، لن نتحول إلى مكب للنفايات الإسرائيلية الخطرة”.

لكن دانزيغر، المسؤول السابق في وزارة حماية البيئة، يحذر من أن تشديد تطبيق القانون لن يحل على الأرجح مشكلة التهريب لوحده.
وقال دانزيغر: “طالما لم يتم إزالة الدافع الاقتصادي، ستذهب كل جهودك سدى”.

يقول الفلسطينيون الذين يعيشون في هذه البلدات إن إنهاء شحن النفايات بالكامل سيعني تدمير سبل عيشهم، العديد من ساحات الخردة لا تشارك في حرق النفايات وتجني أموالا جيدة من خلال تفكيك أو تجديد النفايات الإلكترونية الإسرائيلية.

ويقول أبو جهيشة: “يحتاج هذا القطاع إلى تنظيم مناسب، وليس القضاء عليه، نحن نتحدث عن صناعة توظف عشرات الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء الضفة الغربية”.

ومن جهته، يرفض المسؤول البيئي الفلسطيني المخاوف بشأن تحول أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى عاطلين عن العمل إذا توقفت هذه الصناع فجأة عن العمل.

ويقول: “اكتسب سكان هذه القرى قوتهم مرة من الزراعة، هذه ليست بمشكلة كبيرة، بمجرد زوال هذه النفايات الخطيرة، سيعود الناس إلى زراعة أراضيهم، لن يموت أحد من الجوع”.

لكن الفلسطينيين في المدن الريفية الفقيرة انتقدوا هذا الموقف ووصفوه بأنه منفصل عن الواقع؛ حيث أن بناء الجدار الفاصل في المنطقة فصل أيضا الأراضي التي كان يزرعها المزارعون الفلسطينيون، مما يجعل من الخردة الخيار الوحيد المتاح.

وقال أبو جهيشة متسائلًا: “لم يتبق لدينا سوى القليل من الأراضي للزراعة، والأرض والمياه التي لدينا ملوثة، تخلق صناعة الخردة بعض الازدهار والاعتماد على الذات، هل يريدون منا أن نعود إلى العصر الحجري؟”



قصة نجاح فاشلة

في عام 2017، ابتكر فلسطينيون وإسرائيليون وجهات مانحة دولية مشروعًا طموحًا أوقف حرق الخردة بضعة أشهر، حيث سمح للسكان المحليين بالازدهار من خلال تفكيك الخردة الإلكترونية.

كانت الفكرة بسيطة: بدلًا من السعي إلى القضاء على صناعة الخردة، ستحول السلطات المجتمع إلى عملية إعادة تدوير نظيفة. 
غارب، الخبير البيئي، ابتكر هذا الجهد بالتعاون مع القادة المحليين الفلسطينيين، ووافقت السلطات الإسرائيلية على المشروع.

بتمويل سويدي، قام رؤساء السلطات المحلية بتجنيد العشرات من أوائل المستجيبين المحليين لفرض حظر على الحرق، وأقاموا خط اتصال مباشر مع الجيش الإسرائيلي– متجاوزين بيروقراطية التنسيق في السلطة الفلسطينية– مما سمح لهم بالقبض على حارقي الخردة في غضون دقائق. تم تقديم الإعانات للسماح لسارقي الخردة بإعادة تدوير الكابلات بدلا من ذلك؛ بينما قامت الفرق بتنظيف مواقع الحرق السامة.
وقد آتى المشروع ثماره: في ربيع واحد لا يُنسى، اختفى الدخان من السماء مع احتفاظ الناس بوظائفهم في ساحات الخردة. بدأ كل من رئيس بلدية إذنا الطميزي وعبد الله سويطي، رئيس بلدية بيت عوا في ذلك الوقت، يأملان في أن يكون المستقبل أكثر إشراقًا.

وقال سويطي: “كنا نلقي القبض على حارقي الخردة، ونصادر كابلاتهم، ونسلمهم للشرطة، مع أدلة على جرائمهم، ورأينا بعضهم يُحاكمون”.

سويطي ليس بشخصية يُتوقع منها أن تدفع باتجاه التواصل مع الحكم العسكري الإسرائيلي، فقد قضى عدة سنوات في السجن الإسرائيلي خلال الانتفاضة الأولى ويقول إنه لا يمكن أن يكون هناك أبدًا سلام حقيقي بين "إسرائيل" والفلسطينيين.

لكن حرق الخردة، كما يقول سويطي: “هذه حرب ضد كل كائن حي، يجب أن يتعاون اليهود والفلسطينيون، وإذا تركنا القضية السياسية تعترض طريقنا؛ فسنواصل الموت”.

تتفق جميع الأطراف على أن المبادرة نجحت في وقف التلوث، وتعهدت وكالة التنمية السويدية بمبلغ 3 ملايين دولار إضافي لتوسيع البرنامج ومنح فرق الاستجابة السريعة الفلسطينية موارد إضافية.
 مع توقف الحرق، كان سيتم إرسال آلاف الأطنان من التربة السامة إلى منشأة إسرائيلية في رمات حوفاف لتتم معالجتها، لكن الخطة انهارت بعد خلافات سياسية بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" ورؤساء السلطات المحلية، وفقًا لمسؤولين سابقين ومراقبين مطلعين على المشروع.

أصرت سلطة جودة البيئة التابعة للسلطة الفلسطينية على أن تمر أموال المساعدات من خلالها، وهو ما رفضه سويطي والطميزي اللذان قالا أنه إذا ذهبت الأموال إلى رام الله؛ بدلًا من ذهابها إلى البلدات، فإن الفساد المستشري سيضمن ألا ترى هذه البلدات شيكلًا واحدًا.

خلال المحادثات مع الإسرائيليين، طالبت السلطة الفلسطينية "إسرائيل" بالتوقيع على اتفاقية دولية تنص على أن النفايات تعبر حدود دولة مجاورة، و"إسرائيل" التي لا تعترف بدولة فلسطينية رفضت ذلك.

وقال يوهان شار، وهو مسؤول تنمية سويدي سابق الذي أدار المشروع: “لو وافقت إسرائيل على ذلك، لكان هذا سيكون اعترافا بفلسطين بطريقة لم نشهدها، والسلطة الفلسطينية، مع تعاملها مع هذا الأمر، لم تكن على استعداد لعقد اتفاقيات غير رسمية أو ضمنية يمكن أن تسمح بالمضي قدمًا دون ذلك”.
بحسب سويطي فإن هذا الموقف امتد ليصل إلى أصغر التفاصيل مثل ما إذا كان سيُكتب على الإيصالات للتربة “دولة فلسطين” أو “السلطة الفلسطينية” بعد إرسالها إلى "إسرائيل".

يقول آخرون مطلعون على المشروع إن مخاوف رام الله الحقيقية تكمن في مكان آخر، بموجب اتفاقيات أوسلو، السلطة الفلسطينية وحدها هي التي يمكنها التعامل مع "إسرائيل"، لكن المشروع فتح قناة مباشرة بين رؤساء السلطات المحلية الفلسطينية والإسرائيليين، ويلتف تمامًا على السلطة الفلسطينية، على حد قولهم.

أجرى غارب دبلوماسية مكوكية مكثفة وتمكن من الوصول إلى اتفاقيات مبدئية بين المسؤولين على المستوى المتوسط، ولكن عندما وصلت الاتفاقيات إلى مستويات أعلى لدى الفلسطينيين للموافقة عليها، كان هناك طريق مسدود.

مع وصول المحادثات إلى طريق مسدود، علقت الحكومة السويدية مشاركتها، وسرعان ما استؤنفت أعمال الحرق، مطلقة سحبا سوداء فوق بلدات المنطقة.

ورفضت هيئة الرقابة البيئية التابعة للسلطة الفلسطينية التعليق.

يقول دانزيغر إن كل مشروع بيئي إسرائيلي-فلسطيني مشترك في الضفة الغربية يكون “حساسا للغاية” مع “صراعات سياسية بشأن الاستقلال وما يبدو كاستقلال”.

في غياب عملية سلمية، يجد الإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم عالقين في حرب شد وجذب تسعى فيها الأطراف الفاعلة في كلا الجانبين إلى الدفع باتجاه الحل المفضل لديها للصراع.
 يرى دانزيغر أن محاربة التهديدات المشتركة تندرج حتما في الدوامة السياسية.

ويقول دانزيغر “هناك أمثلة لا حصر لها من المبادرات التي لم تتم بسبب رغبة الفلسطينيين في إثبات استقلالهم عن "إسرائيل" ورغبة "إسرائيل" في القول بأنه لا توجد حدود، وأن الحديث لا يدور عن دولتين منفصلتين”.



“لا حدود”

تؤثر النفايات السامة على الفلسطينيين والإسرائيليين على جانبي الجدار الفاصل في الضفة الغربية، تأمل تيمناع عيدان، المقيمة في إلياف، أن يتمكنوا من العمل معًا لمحاربتها.

وقالت عيدان “الجدار لا يمنع أي شيء من الدخول. لا توجد حدود، نحن نعيش بجوار بعضنا البعض: هناك بلدة هنا بها أطفال وهناك، على الجانب الآخر، الشيء نفسه”.

عقد إسرائيليون وفلسطينيون عاديون اجتماعات في إلياف لمناقشة مشكلتهم المشتركة، كان على الفلسطينيين الحصول على تصاريح عسكرية خاصة للعبور
وقالت عيدان “لقد شعرنا حقًا أننا جميعا في هذا معا، بأن لدينا مصير مشترك، أنهينا اللقاء مع عناق”.

في مكالمة هاتفية مع التايمز أوف "إسرائيل"، قال عضو الكنيست عن حزب “أزرق أبيض” ألون طال إن رئيس حزبه – وزير الدفاع بيني غانتس – يتابع المسألة.

وقال طال “إذا اكتشفوا مصدر النفايات، وقاموا بضربهم بقوة من خلال الإنفاذ الإداري، أو إجراءات جنائية إذا لزم الامر – يمكن أن تختفي المشكلة في غضون ستة أشهر، هذه ليست مسألة ستدوم إلى الأبد”.

يبدو عبد الله سويطي، الرئيس السابق لبلدية بيت عوا، أقل تفاؤلا. بعد انهيار المشروع الممول من السويد، انتقد علنا السلطة الفلسطينية في اجتماعات بلدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

السلطة الفلسطينية ردت بتجميد أموال البلدية واعتقال شقيقه محمد، حاولت قافلة مدرعة تابعة لقوات الأمن الفلسطينية اقتحام البلدة واشتبكت مع سكان بيت عوا. 
في مواجهات ضغوط متزايدة، قدم سويطي استقالته في أواخر 2017، بعد سبعة أشهر فقط من توليه منصبه.

قامت رام الله بتعيين رئيس بلدية تابع لها، وهو ضابط مخابرات في السلطة الفلسطينية من خارج بلدة بيت عوا، لإدارة المدينة، سويطي عاد إلى وظيفته السابقة كعامل بناء في "إسرائيل".

وقال سويطي “كل شيء هنا يتداخل مع كل شيء آخر، أنت تحاول أن تفعل شيئًا جيدًا لبلدتك، لكنك تجد نفسك تتحدث عن السياسة والحدود والدولة وكل شيء آخر”.

“وفي هذه القضايا، لا يمكن أن يكون هناك اتفاق، لا يوجد هناك حل”.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023