بؤرة الزلزال: الليكود سيصبح منكوب الحاضر الغائب المفقود!

فالح حبيب

محلل سياسي


بقلم: فالح حبيب.

عندما يضرب الزلزال تكون أكثر المناطق المتضررة هي ما تُعرف ببؤرة الزلزال، نقطة مركز دائرة الارتداد، بمعنى المنطقة المنكوبة، لهذا من السابق لأوانه الخروج بتحليلات حاسمة، أن خروج رئيس حزب الليكود والمعارضة نتنياهو سيقلب رأسًا على عقب الخارطة السياسية الإسرائيلية على الأقل في المرحلة الأولى لأسباب عديدة أبرزها:

نتنياهو ما زال يعمل مِن خلال مقولة لا تستعجل الأمور قبل أوانها، لكن استغلها إذا لاحت فرصة تنفيذها، لهذا سيأخذ وقته قبل أن يتخذ قرار وقبل ضمان أن تكون صفقة الادعاء هي الأمثل والأفضل له ولمستقبل عائلته، حتى وإن دخل طريق اللا عودة باعتقادي. 
بمعنى مجرد قبوله بالتفاوض مع النيابة العامة هو اعتراف ضمني على ارتكابه مخالفات يعترف بها مقابل أحكام مخفّفة، الأمر الذي سيُبقيه دون خط رجعة جماهيريًا، ففي الوقت الذي لطالما ردد فيه "لن يكون أي شيء؛ لأنه لا يوجد شيء" يتضح أن هناك أشياء وليس شيء، فكيف له تبرير ذلك أمام الرأي العام؟ لربما يُعوّل على أن جمهوره وأنصاره لا يرون واقعا مغايرًا للواقع الذي بناه لهم!

هل الليكود في الطريق إلى الانشقاق في ظل تعدد الرؤوس؟


الليكود سيكون هو بؤرة الزلزال، ما يعني سيكون أكثر الأحزاب السياسية تأثرا بشكل فوري وحتى تصل ارتدادات الزلزال لباقي الأحزاب سيأخذ وقتًا، فالليكود بحالة وترك نتنياهو الحلبة السياسية سيشهد فراغًا سياسيا كبيرًا، خاصة وأن نتنياهو حوّل الحزب لحزب الرجل الواحد وجميع مؤسساته خدمة نتنياهو أكثر مما خدمة الحزب، الأمر الذي سيعود عليهم بالضرر وسيكون له تأثير سلبي مباشر على مستقبل الحزب.
ومع ذلك واضح بناءً على المؤشرات أن الليكود سيغط بدوامة مِن ترتيب الأوراق الداخلية فما أن عُرف وكُشف عن وجود مفاوضات بين نتنياهو والنيابة العامة حتى خرج سريعًا بعض أقطاب الليكود مُسوّقين أنفسهم على أنهم الأولى بورثة "التركة"، اجتماعات وحلقات صغيرة واستطلاعات مدفوعة تخدمهم وغيرها أمثال: "نير بركات" و "يسرائيل كاتس" و "ياريڤ لاڤين" و "ميري ريچيڤ" و "يولي ادلشتاين" الذي كان قد أعلن عن ترشحه لرئاسة حزب الليكود حتى بوجود نتنياهو أصلًا.
 كل هذه المؤشرات وغيرها تؤكد أن الليكود ربما سيتعذّر عليه ترتيب أوراقه الداخلية سريعًا وسيستغرق وقتا في هذه المهمة، وربما تكون أيضًا انشقاقات ما يؤكد أن ارتدادات الزلزال ستصل إلى باقي الأحزاب متأخرة، وكلما طال الوقت ضعفت قوة تأثيرها حتما، ما سيمنح الائتلاف نفسا وفرصة لإعادة توازنه على المدى القصير. 
ناهيك عن أن الجمع بين بعض أحزاب يمين الحكومة ويمين المعارضة هو كالجمع بين النار والماء، الجمع بين ليبرمان (يسرائيل بيتانو) و "شاس" و "يهدوة هتوراة" ليس بالأمر السهل الاوتوماتيكي المفهوم ضمنًا، لهذا يجب عدم الخروج بتحليلات حاسمة والسياسة كل شيء وارد فيها كونها ديناميكيّة أرض رملية متحركة.  


فرص تفكك الائتلاف من الداخل أكثر بكثير من أن تكون من الخارج، الموحدة تعض على الصبر ولم تعد تحتمل!


لطالما أكدنا وأجمعنا أن الائتلاف هو ائتلاف تناقضات، ما يجمع بين مركباته القليل وما يفرقه كثير، وبالتالي طريقه محفوف بالمخاطر والأزمات والمطبات، التي حتمًا كنا قد توقعنا أنها ستُبقيه في دائرة مفاوضات تقود لتسويات مستمرة.

الموحدة تجد نفسها مِن يوم لآخر بسبب بعض مركبات الائتلاف كالوزير "ايلكن" والوزيرة "شاكيد" وغيرهم مما يصكون أسنانهم رغم أن صريرها يُسمع صمتًا لا جهرًا، تعض على الصبر وتعتمد التكتيتك والمراوغة والاحتواء معتمدة على قوة تحملها تشد الحبل لكن تفلته في التوقيت الصحيح خشية قطعه، ولكن إلى متى؟


فالموحدة تجد نفسها محرجة في مواضع كثيرة وعندما تصل الأمور إلى تحقيق إنجازاتها هناك مَن يسعى لتعطيلها وتأجيلها.
 خذوا على سبيل المثال ما حدث أمس على سبيل المثال لا الحصر: النائبة "شارين هاسكيل" تعنتت إلا أن تطرح قانون تنظيم المباني الزراعية في النقب والجليل، وعلى الرغم من محدودية تأثير القانون، إلا أن ذلك كان فوق قدرة احتمال الموحدة؛ لأنه يضعها في موضع حرج! فكيف كان على الموحدة أن تقبل بقانون يخص قضايا التنظيم والبناء والنقب ما زال يتجرّع ويلات أزمة الأرض والمسكن واحتجاجات واعتقالات؟! فاضطروا أن يفرموا الانضباط الائتلافي لكسب ماء الوجه وإلا كانت لتقوم عليهم ثورة من النقب وغيره!


مثال آخر: هناك اعتراف مبدئي بثلاث قرى غير معترف بها وهي رخمة وعبدة وخشم زنة، وكان الوزير مئير كوهين قد أعلن عنها بمراسم احتفالية، ليأتيا ايلكن وشاكيد ويضعا في عجلة الاعتراف العصي، مشددين على التمسك بشرط تجميع سكانها منذ اليوم الأول للتوقيع على القرار والمصادقة عليه، وكأن الناس معها عصا سحرية تضرب بها فكن سيكون الانتقال والتجمع! بعكس رغبة النائب منصور عباس الذي أراد أن تكون المصادقة على قرار الاعتراف في جلسة الحكومة يوم الأحد المقبل، إلا أن الخلاف بين النائب منصور عباس ولبيد وكوهين من جهة وشاكيد وايلكن من جهة أخرى حال دون أن يحدث ذلك لنفس السبب الذي ذكرته أعلاه، على الأقل حتى كتابة سطور هذا المقال وأمامي جدول أعمال جلسة الحكومة وهذا الموضوع غير موجود ضمن قائمة مواضيع الجلسة.


صبر الموحدة ودورها في الائتلاف إلى أين؟


كل هذه "المنجزات" التي تأتي "بطلوع الروح" تقتطع من قوة صبر الموحدة على بعض الأطراف، والشعور أيضا متبادل، ما قد يقود الموحدة لاتخاذ قرارات "كسر عظم" مثل الانتظار أو حتى التفتيش عن نقطة الخروج الآمنة، ولكن أيضًا بالمقابل، يجب أن نتذكر أن شاكيد وغيرها مِن جناح يمين الحكومة يُعوّلون على الوقت وكسبه لخروج نتنياهو وإدخال بعض نواب يمين المعارضة للحكومة، وبالتالي إضعاف تأثير الموحدة و "فقسها كبيضة قبان" لتبقى مجرد حزب في الائتلاف الحكومي، فمَن يا ترى حسب رأيكم يُطلق التصريحات المسربة أن "عرب الائتلاف" وتصرفهم المستقل هو مَن سيفكك الحكومة؟! يمين الحكومة وأيضًا مركزها ويسارها الذي بات قلق على أن يفقد دوره في الحكومة طبعًا. 
هذه التصريحات جاءت لتخفيض سقف توقعات الموحدة وتكبيل تحركاتها وهو نوع من التهديد المخملي الناعم!


الكل في حالة استعداد دائم, ويفتش عن مصلحته!


على كل، وبكل الأحوال، كل عجلة هي عمياء، فما بالك حين تكون العجلة في السياسة، لهذا جميع الأطراف بما فيها الموحدة تتروى وتجس النبض وتعيش دائما في حالة الاستعداد الدائم لأي طارئ يقود لانتخابات، أو على الأقل يقود لترتيب الخارطة السياسية بشكل مغاير لما هي عليه اليوم، وبالتالي كيف سيكون شكل تأثير الموحدة؟ هذا سؤال الأسئلة، بكل تأكيد ورغم وعودات وتعهدات كثيرة أنها ستبقى في أي تشكيلة حكومية، إلا أن تأثيرها لن يبقى بشكله الحالي الذي تتمتع به الأن، بل ربما تعود بأقل تقدير حزب آخر إضافي احتياطي داخل الائتلاف، خاصة وأنها ليست اللاعب الوحيد على الحلبة، وليست كل التحركات مربوطة بها وربما مَن يتعهدون لها الآن هم بأنفسهم يجدون حالهم خارج الصورة والمشهد، وعند المحك كله بفتش عن مصلحته!

الموحدة ما زالت تخوض المجهول والخوض في المجهول إما يقود لبر الأمان أو التوهان.

سننتظر ونرى ماذا يحمل لنا الزمن من مفاجآت.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023