بقلم الكاتب/ جمال الهور
"أبو تقي"
20 يناير - 2022م.
2014 "الجرف الصامد"، حقل القنابل والرصاص، وحصاد الأرواح والأسماء، وآلة الهدم والردم، إرث أباطرة الغدر ببنات الشط وأطفاله، وغالت عكاز الختيار والموزة الوليدة ونسيم النوافذ، نافخوا الفسفور الأبيض في عب الحارات وأبواب المساجد، الذين أزجوا غيمات الكيماوي في سماء المقابر الحزينة، وعند شفاه الشفق الدامي، فأمطرت نتف الموت كسفًا فاحتبل الكفن، وأُتخمت الأرض، ففار ريح الثأر في العصف المأكول، والبذار مباركة بمحمدية الضيف ومناجل الملثم الناضحة بآيات التوبة والأحزاب، وحصيد المتسللين تحت جنح الدبابات والليل.
فانقلب ظهر الغدر على صاحبه، وسقط الذي "لا يقهر" في جفن الأسر، فانتشت الزغرودة على الرصاصة، وصاحت الفرحة في وجه الموت، ورقصت الآهات طربًا في لظى الحريق الناشب في أسطورة صهيون "الدبابة"، ونزل الأسرى المثخنون بجرح السنين تحت ظل الدم ليحصوا الحصاد، وليطلقوا صافرة الحرية بأربع نغماتٍ رددها الملثم على وتر العصف المأكول "شاؤول، والسيد، وهدار، والأسمر، وزيادة".
انتفض القيد في المعاصم، ورُجَّت أبواب السجن، وتفتقت الأقفال عن زرداتها، وخرت جموع الأسرى سُجدًا في محراب الحرية المطهرة، وتوالت على مسامعهم حصيلة الحقل وحصاد الملثم؛ فزادتهم ضحكاتٍ على فرحهم، وأُفعمت بالنشاط أرواحهم المثقلة بالعذاب، فراحوا يراودون ذواتهم عن السباق نحو بلادهم القريبة النائية على ضفاف الخيال وهاجرة الأمل الفقيد.
تسابقوا في فوضى السعادة البريئة، ينظمون ألسنتهم على خطاب الحرية المتخيلة، ويتلون الأسماء الصغيرة والكبيرة على الذاكرة النازفة كي لا تزل الألسن في حياة الناس، وراحوا يستحضرون الصور من وعي الباطن إلى وعي اللحظة المعلق بعين "النفق"، تسابقت أيامهم المولعة بالغيب الآتي، ثم انساقت شهورهم وسنينهم الخمس الأولى في ذات الدرب بحثًا عن الكنز الذي أخذت ملامحه تنمحي مع حلكة الليالي الساهرة على حطام الاحتمالات المتناقضة.
ومع انقضاض حناجر الموشحات غانية الأحرار "الثاني"، أخذ القيد يلملم تصدعاته، ويعيد سلطانه على المعاصم المخذولة، وأخذ السجان يحصي "رؤوسه" بعجرفةٍ وقحة ويبلغهم أن فلاح الحقل أخطأ الحسبة وزاد فأله بحمل السنابل التي أخذت زخرفها وتزيَّنت للناظرين، لكنها ما أغنت عن سجنٍ، وما أروت من حرية، وما استطاعت عزف وجع السنين المحبوسة فوق البيادر التي ما زالت خيول الرحى تغني أنشودة الوعي التائهة في خريطة الحسابات، لتسجل فوق جبين السجن بعد ثماني سنين من طحن الهواء ... حساب الحقل ليس كحساب البيدر.