بقلم المستشار/ أسامة سعد
26/1/2022م
"إيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين، وتأكيداً لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه وعزمه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعّال وتعبئة طاقاته وإمكاناته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقاً لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية متمثلة في قرارات جامعة الدول العربية ومؤتمر القمة العربي الأول، نعلن بعد الاتكال على الله، باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28 أيار 1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعاً لحقوق شعب فلسطين وأمانيه، وطريقاً للنصر."
كانت تلك مقدمة البيان الذي صدر في المؤتمر الفلسطيني الأول الذي أُقيم في القدس بين 28 آذار و2 حزيران من عام 1964 وعرف باسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد انتخب الشقيري في هذا المؤتمر رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة.
اليوم بعد ثمانية وخمسين عاماً على صدور البيان الأول أصبح هناك شك واضح في تمثيل المنظمة لعموم الشعب الفلسطيني بعدما جرى عليها من التغيير والتبديل ما أفقدها المضمون والجوهر الذي أنشئت من أجله، فعند قيام المنظمة وكما نص البيان الأول كان الهدف الأسمى لها تحرير الجزء المغتصب من فلسطين، اذ لم يكن العدو الصهيوني محتلاً قطاع غزو والضفة الغربية بعد، ولذلك ربط البيان الأول بين قيام المنظمة وواجبها في تعبئة قوى الشعب الفلسطيني وكل طاقاته وقواه المادية والعسكرية والروحية لتحرير الأرض الفلسطينية.
بعد هزيمة 1967 رأت الفصائل الفلسطينية أن المنظمة فشلت في دورها وحسب ما هو مدرج على موقع وكالة وفا" الوكالة الرسمية للسلطة الفلسطينية إن " "حركة فتح" سارعت إلى توجيه مذكرة في 9 ديسمبر1967 إلى الدول العربية، أعربت فيها عن قلقها من التصريحات "المضللة"، التي يدلى بها الشقيري؛ "موهماً" الرأي العام، العربي والعالمي، أن المنظمة تضطلع بواجبها الوطني في الأراضي المحتلة. وطالبت المذكرة الدول العربية باتخاذ الوسائل الكفيلة ب" سد أبواب " أجهزة الإعلام العربية في وجه الشقيري؛ "حتى لا يتخذ منها وسيلة لخدمة أغراضه الشخصية في تضليل الجماهير" وقد أذاع مكتب المنظمة في بيروت في 7ديسمبر 1967، أنه قد شُكِّل "مجلس قيادة الثورة لتحرير فلسطين"؛ ليكون "مسؤولاً عن قيادة العمليات العسكرية" في جميع مناطق فلسطين.
ونفت "حركة فتح" في اليوم التالي، وجود هذا المجلس "الوهمي"، ثم رفعت حركة فتح في ذلك الوقت شعار استبدال قادة الكفاح المسلح بـ "ثوار المكاتب" وذلك حسب وكالة وفا أيضاً.
وفي 10 يوليو 1968 دخلت "حركة فتح" المنظمة في المجلس الوطني الرابع بشرطين:
الأول: ألاّ يعني دخولها إلى المنظمة قبولها بالطريقة التي أنشئت بها، بصفتها ممثلة للكيان الفلسطيني بقرارات مؤتمر القمة العربي؛ لأن ذلك يجعلها منظمة قومية، مرتبطة بالواقع العربي الرسمي، ما يعكس تناقضاته عليها.
الثاني: أن تظل "حركة فتح" بما فيها قواتها "العاصفة"، محافظة على شخصيتها الاستقلالية، وتنظيماتها السرية، ومنطلقاتها الوطنية.
وانتخبت في هذه الدورة لجنة تنفيذية بالتزكية، تضم ممثلين ل "حركة فتح"، و"الصاعقة"، و"المنظمة"، و"المستقلين". وبادرت اللجنة إلى انتخاب ياسر عرفات رئيساً.
ما سبق عرضه، هو السياق التاريخي لرئاسة حركة فتح بقيادة ياسر عرفات لمنظمة التحرير وأسباب وتداعيات توليها للرئاسة منذ عام 1969 وحتى لحظة كتابة هذا المقال.
الأمر الغريب أن الحالة التي دخلت بها حركة فتح لمنظمة التحرير، هي نفسها تقريباً الحالة التي تطلب حركة حماس أن تدخل بها المنظمة، لكن الأمر المختلف أن قيادة المنظمة في ذلك الوقت كانت راغبة بدخول فتح للمنظمة ولذلك كانت فتح تشترط شروطاً لدخولها وهو ما تم فعلاً، أما قيادة المنظمة الحالية، فإنها هي التي تشترط باسم أبي مازن على المقاومة شروطاً لدخول المنظمة تجعلها نسخة ثانية عن حركة فتح وذلك بالموافقة على شروط الرباعية الدولية.
كذلك أسباب دفع أحمد الشقير للاستقالة وتولي حركة فتح برئاسة ياسر عرفات اللجنة التنفيذية للمنظمة هي ذاتها الأسباب التي تدفع فصائل المقاومة والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني اليوم للمطالبة بتغيير قيادة منظمة التحرير وهذه الأسباب كما يظهر لكل متابع للشأن الفلسطيني:
1- إن قيادة منظمة التحرير الحالية أصبحت عاجزة عن تمثيل الشعب الفلسطيني بل هي متناقضة تماماً في توجهاتها السياسية مع أغلب قواه الحية.
2- حالة الاستفراد التي تمارسها هذه القيادة واتخاذ قرارات مستفزة للمشاعر الوطنية الجمعية بعيدة كل البعد عن نبض الشارع الفلسطيني فأدت الي عزلتها وحدوث تباينات واسعة بينها وبين مواقف القوى الفلسطينية.
3- ضعف قيادة المنظمة أدى إلى عن انشقاقات وتمرد في صفوف حركة فتح نفسها، وصلت حتى الآن لثلاث تيارات (تيار دحلان وتيار ناصر القدوة وتيار مروان البرغوثي)
4- تصدير شخصيات مكروهة لاسيما الشخصيات التي تتماهي مع العدو الصهيوني وتتنافر مع القوى الفلسطينية من الفريق المحيط بأبي مازن لتولى مناصب حساسة في المنظمة
5- الفشل الذريع في البرنامج السياسي الذي تبنته هذه القيادة وما زالت تتشبث به رغم لفظ العدو له وعدم مبالاة المحيط العربي والمجتمع الدولي.
ما سبق من أسباب كانت عام 1969 أساساً وطنياً لحركة فتح للمطالبة بتغيير قيادة المنظمة وتولى قيادة جديدة تعبر عن آمال وطموحات الشعب الفلسطيني،1 وتستطيع أن تقود الشعب الفلسطيني نحو التحرير والاستقلال، فهل تستجيب قيادة منظمة التحرير الحالية لحركة التاريخ أم تبقى معاندة فتدهسها عجلة الزمن التي لا تتوقف؟