بقلم المستشار/ أسامة سعد
انتهت الجلبة التي صاحبت عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير بالطريقة التي أصر عليها محمود عباس ضارباً بكل أسباب عدم جواز عقده بتلك الطريقة عرض الحائط، سواء كانت الأسباب القانونية أو السياسية بل حتى الأسباب الأخلاقية، وكأن محمود عباس قد صرف نظره تماماً عن كل ما يمت لفلسطين بصلة، وصوب ناظريه فقط إلى جهة واحدة هي الاحتلال ومن خلفه دول التطبيع العربي.
محمود عباس منذ أن تسلم الرئاسة يمارس الإقصاء الشامل لكل مكونات العمل الفلسطيني الرسمية والشعبية، فلقد أقصى المكونات الرسمية من خلال إجراءاته غير الدستورية مثل حل المجلس التشريعي والعبث بقوانين السلطة القضائية والسيطرة المطلقة على تلابيب السلطة التنفيذية، ثم أقصى المكونات الشعبية من فصائل وقوى مجتمع مدني وقادة رأي، وكان اجتماع المركزي الأخير الحلقة الأخيرة في سلسلة الإقصاء التي يمارسها الرجل.
خلال اليومين الماضيين كان هناك حالة إجماع وطني ضد طريقة قيادة محمود عباس للشأن الفلسطيني باستثناء تلك الزمرة الملتفة حول أبى مازن والمستفيدة شخصياً من الحال المُزري، الذي وصلت إليه قيادة السلطة، كانت حالة الإجماع الوطني تلك ومازالت تؤكد أنه لا أمل يرجى في إصلاح النظام السياسي الفلسطيني في ظل قيادة محمود عباس للمنظمة والسلطة، والتجارب التي خاضها شعبنا خلال ستة عشر عاماً من قيادته كانت كفيلة بترسيخ هذه القناعة لدى الجميع، إذن ما هي الوسيلة التي يمكن أن يتغير بها هذا الواقع المظلم الذي ألقانا فيه أبو مازن؟.
تجارب الإنسانية والشعوب تؤكد أن الأنظمة تتغير بإحدى ثلاث وسائل، أما الوسيلة الأولى فهي التغير الديمقراطي الذي يحدث من خلال الانتخابات الشفافة والنزيهة أو التوافقية على الأقل، وذلك إن كان هناك الاستعداد بحدوده الدنيا للقيادة المتنفذة أن تتعامل وفقاً لهذه الطريقة، ولكن أما وإن الشعب الفلسطيني تحت قيادة محمود عباس يئس من الخوض في هذا الخيار بعد أن أفشل أبو مازن المرة تلو المرة الانتخابات والمصالحة والحوارات والمؤتمرات، فلا أظن أنه من العقل والرشد الاستمرار في إتباع هذه الوسيلة.
أما الوسيلة الثانية فهي وجود تدخل خارجي ضاغط باتجاه التغير وذلك من خلال استخدام الوسائل الدبلوماسية أو الاقتصادية ترغيباً وترهيباً، أو التغيير من خلال التدخل المباشر عبر قوات الأمن أو العسكر كما حدث في بعض بلدان المنطقة، ولكن التدخل الخارجي في الحالة الفلسطينية متحقق لصالح تثبيت محمود عباس في السلطة والسعي لاستمرار نهجة من خلال ترتيب البدائل في حال الغياب المفاجئ له، وهذا ما رأيناه وسمعناه أكثر من مرة على لسان قادة الاحتلال الذين صرحوا أنهم معنيون بدعم سلطة أبي مازن وتقويتها، وذلك ما نلمسه أيضاً من دول الإقليم والإدارة الأمريكية التي كان لها تأثير كبير في أبي مازن لإلغاء الانتخابات خوفاً من أن تأتي نتائجها على خلاف الأجندة التي وضعتها تلك الجهات التي تلتزم بها قيادة السلطة والمنظمة هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فهو مستبعد أن يتم لصالح القوى المعارضة لسياسات محمود عباس كون تلك القوى هي قوى ثورية بتكوينها وفكرها وعقيدتها وهي في حالة عداء مع الجهات الداعمة لمحمود عباس ولا يمكن أن يكون بينها وبين تلك الجهات أي قواسم قد تدفع باتجاه التنسيق للإطاحة بمحمود عباس أو استبداله، كذلك فإن قوى المقاومة والمعارضة تأبى على نفسها من حيث المبدأ أن تقبل تدخلاً خارجياً في الشأن الفلسطيني بأي حال من الأحوال.
إذن لم يبق أمام الشعب الفلسطيني سوى حل وحيد وهو الثورة الشعبية للتغير، ويبدو أن الوضع الفلسطيني قد أصبح جاهزاً لمثل هذا الخيار في ظل حالة الغليان التي تشهدها الضفة الغربية بسبب الفساد السياسي والأمني والاقتصادي واستشراء حالة الفلتان الأمني التي تتعرى الضفة الغربية، وفقدان الأمل في التغيير الديمقراطي بعد أن أفشل أبو مازن الانتخابات التشريعية ورفض تزامنها قبل ذلك رئاسة وتشريعي ووطني، ثم عقد المجلس المركزي دون اعتبار للرفض الشعبي في سبيل تنصيب بعض الشخصيات المنبوذة في سدة القيادة، الثورة الشعبية ضد الاستبداد والفساد، هي الوسيلة الفعالة والمباشرة للشعوب نحو تحقيق آمالها وتطلعاتها، وليست بالضرورة أن تكون هذه الثورة عنيفة بل أدعو إلى السلمية التامة والتي أراها أشد وأمضى أثراً في الوضع الفلسطيني الداخلي فلا عنف إلاَّ ضد الاحتلال.
التجمعات والمسيرات والاعتصامات الشعبية كفيلة بتحقيق ما عجزت عنه الفصائل والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والشعب هو صاحب السيادة التي آن الأوان لاستردادها ممن لم يصنها ولم يرعها حق رعايتها فاستخدمها على غير ما عُهد إليه بها، فالشعب الفلسطيني شعب ثائر بطبعه قد يصبر حنياً ولكنه حين يغضب فلا تعجزه الوسائل.