القناة 12
البروفيسور ايلي فودي
ترجمة حضارات
دُعي الرئيس إسحاق هرتسوغ، لزيارة تركيا، قريبا، على الرغم من التعاون التركي مع إيران وحمـــ اس، تحتاج "إسرائيل", إلى أن ترى كيف يمكنها استخدام هذا التطور لمصلحتها؟.
وتشير جميع الدلائل إلى أن الرئيس التركي أردوغان, قرر تسخين العلاقات الاسرائيلية التركية.. ماذا وراء التغيير في الموقف التركي؟
كانت تركيا, أول دولة إسلامية تقيم علاقات مفتوحة، مع "إسرائيل" فى عام 1949, ومنذ ذلك الحين، عرفت العلاقات صعودا وهبوطا, وهكذا، على سبيل المثال، انضمت "إسرائيل", وتركيا, إلى إيران, في أواخر الخمسينيات في إنشاء تحالف هامشي، كان الهدف منه أن يكون ثقلا موازنا لحصر قيادة العالم العربي, تحت قيادة عبد الناصر, لقد كان تحالفا سريا لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون الأمني، ومع تراجع التهديد المصري، هدأت العلاقات بسبب حاجة تركيا، إلى صوت عربي في الأمم المتحدة، فيما يتعلق بالصراع القبرصي.
كانت الثمانينيات "باردة" بشكل خاص، بعد قرار إسرائيل، بضم القدس (1981)، وحرب لبنان الأولى (1982)، واعتماد تركيا، على النفط العربي.
لقد أدت نهاية الحرب الباردة، ومؤتمر مدريد، واتفاقات أوسلو، مع الفلسطينيين إلى إنشاء بنية تحتية متجددة لتدفئة العلاقات، وفي هذا السياق، من الضروري أيضا، أن ننظر إلى زيارة الرئيس حاييم هرتسوغ، والد الرئيس الحالي، إلى تركيا في عام 1992، للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 500 للطرد من إسبانيا، مما دفع العديد من اليهود، إلى الهجرة إلى الإمبراطورية العثمانية.
وفي تلك السنوات، وإلى جانب النشاط الدبلوماسي الحيوي، كان التعاون الرئيسي يجري سرا على المستوى العسكـ ــري، وشمل توقيع ستة اتفاقات عسكـ ــرية، والتدريب المشترك للقوات الجوية، وأكثر من ذلك. كانت التسعينيات العصر الذهبي للعلاقات الإسرائيلية التركية، وانعكس ذلك في التجارة الاقتصادية المتنامية، (التي بلغت عدة مليارات من الدولارات)، والتبادلات الثقافية والأكاديمية، وبالطبع حركة السياحية الحيوية، التي اشتهرت بسبب النظام الشامل، تشتهر بطريقة "شاملة للجميع"، الذي أغرى العديد من الإسرائيليين، للإقامة في الفنادق في تركيا.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقعت عدة أحداث، أثرت ببطء على العلاقات الإسرائيلية التركية: الحدث الأول كان الانتفاضة الفلسطينية, التي أدت إلى زيادة الانتقادات لـ "إسرائيل"، حتى بين الدوائر التي دعمت التعاون معها، بسبب حساسية الرأي العام التركي, تجاه القضية الفلسطينية.
حدث آخر أثر على العلاقات, هو صعود أردوغان, وحزبه الإسلامي إلى السلطة في عام 2002, وأخيرا، أدى تأثير آخر على العلاقات من خلال احتــ ـلال الولايات المتحدة، للعراق، في عام 2003.
غير أن التعاون العسكــ ـري استمر، وزادت التجارة المتبادلة، وازدهرت السياحة، وبعد الانتهاء من الانسحاب الإسرائيلي من غزة، في عام 2005، زار أردوغان القدس، في حين مثل بيريز ومحمود عباس أمام البرلمان التركي، كما بدأ أردوغان في الوساطة بين إسرائيل وسوريا، وكاد أن يؤدي إلى اجتماع بين أولمرت وبشار الأسد، في عام 2007.
أدت عملية الرصاص المصبوب (أواخر عام 2008) من جهة، وحادث أسطول مافي مرمرة (أيار / مايو 2010)، والربيع العربي من جهة أخرى، إلى التعجيل بابتعاد تركيا عن "إسرائيل", وعلى الرغم من انتهاء قضية مافي مرمرة، في عام 2016، وعودة السفراء، إلا أن هذه الأمور أعيدت بعد الأحداث، التي وقعت في غزة في أيار / مايو 2018، والتوترات المحيطة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
التغيير الحالي في الموقف التركي، هو نتيجة لتغيير في المصالح، نتيجة لمشاكل أردوغان، في الداخل وفي المنطقة وفي العالم، كما أن الوضع الاقتصادي المتردي، الذي أدى إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض كبير في قيمة الليرة التركية، فضلا عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، يشكل ضغطا على أردوغان، لتحقيق إنجازات على الساحة الداخلية.
على الساحة الإقليمية، عانى أردوغان، من العديد من الإخفاقات، نتيجة للتعاون مع إيران، والإخوان المسلمين وحمــ ـاس، أدت هذه السياسة إلى عزل تركيا، في المنطقة والتوترات مع "إسرائيل", ومصر, ودول الخليج, وغيرها, وعلى سبيل المثال، فإن تقارب "إسرائيل", مع اليونان, وقبرص, أعداء تركيا, وإنشاء منتدى للغاز بدون تركيا, يشكل تحديا كبيرا لسياسة الطاقة التي تنتهجها، وذلك منذ أن وقعت "إسرائيل", اتفاقية لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، من خلال الشراكة في منتدى الغاز.
على الساحة العالمية، أدى قرار أردوغان، في عام 2019، بشراء منظومة صواريخ دفاعية من روسيا، بدلا من الولايات المتحدة، إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وأعضاء حلف شمال الأطلسي، مما أدى إلى فرض عقوبات على بيع الأسلحة إلى تركيا.
يعتبر التقارب التركي مع "إسرائيل", هو جزء من مجموعة أوسع من التغييرات في سياستها الإقليمية، والتي تشمل أيضا الاقتراب من مصر، فضلا عن توقيع اتفاقيات اقتصادية بقيمة مليارات الدولارات, مع الإمارات العربية المتحدة, وعلى وجه التحديد، تهدف الخطوة التركية إلى تحقيق عدة أهداف:
أولا، ينظر إلى "إسرائيل", واللوبي اليهودي, في الولايات المتحدة, على أنه جسر أساسي للتأثير على الإدارة الأمريكية، هذا الجسر له أهمية سياسية، ولكن أيضا اقتصادية، لا سيما بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتردي في تركيا، وبعبارة أخرى، يمر الطريق إلى التقارب التركي الأمريكي، من بين أمور أخرى بتل أبيب، وهذا ليس مستغربا، لأن مصر، والأردن، والإمارات العربية المتحدة، وغيرهما، من المسؤولين في الشرق الأوسط، كثيرا ما سعوا إلى صداقة "إسرائيل", علنا أو سرا للوصول إلى الولايات المتحدة.
ثانيا، يبدو أن قرار الولايات المتحدة، بعدم دعم خط أنابيب الغاز من "إسرائيل", إلى أوروبا، عبر اليونان وقبرص، يعيد فرصة العودة إلى الخيار التركي, كنقطة انطلاق لنقل الغاز من "إسرائيل", وعلاوة على ذلك، فإن توقيع سلسلة من الاتفاقيات مع الإمارات, في نوفمبر 2021, يمكن من تطوير مثلث اقتصادي إسرائيلي تركي إماراتي, ويبدو أن "إسرائيل", تناقش كيفية الرد من حيث طاولة الزهر، وقالت إنها "تخشى التحرك التركي".
المعضلة مفهومة في ضوء تعاون تركيا مع إيران, واستضافة قادة الإخوان المسلمين وحمــ ـاس على أراضيها، وبالمناسبة، كانت هناك معضلة مماثلة لوزارة الخارجية الإسرائيلية في عام 2009، عندما سعت قطر، إلى تجديد العلاقات الدبلوماسية بعد أن طلبت من السفير الإسرائيلي، مغادرة البلاد في أعقاب عملية الرصاص المصبوب، وفي هذه الحالة، اعتقد رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الخارجية ليبرمان، أنه لا ينبغي تقديم هدايا مجانية للقطريين، في الماضي، كان خطأ.
ويتعين على "إسرائيل", أن ترى كيف تستخدم التطورات في المنطقة لمصلحتها, وبعيدا عن أهمية التجارة المتبادلة, (التي تستمر بغض النظر عن التوترات السياسية)، فإن أهمية تركيا, في النسيج الإقليمي لا جدال فيها، نظرا لحجمها، وموقعها الجيوستراتيجي، وقوتها العسكرية، وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وقوتها الناعمة, وقد يخلق التعاون معها فرصا إضافية, للروابط في المنطقة وخارجها. وبطبيعة الحال، فإن لـ "إسرائيل" مصلحة في ضمان عدم عمل المنظمات الإرهــ ـابية الإسلامية، من تركيا، أو تلقي الدعم منها، وأن يكون السفير شخصية مقبولة لدى الجانبين، ولكن حتى لو لم يشمل الترتيب الإسرائيلي التركي الناشئ، كل شيء كما يحب الإسرائيليون، فهناك مجال لإظهار الحنكة السياسية.