هآرتس
ألون بنكاس
ترجمة حضارات
مقال تحليلي
إن المطالب التي قدمتها روسيا، تمنع عمليًا المفاوضات، التي ستجعل من الممكن تحييد الأزمة في أوكرانيا، ما لم تأتي المبادرة من الولايات المتحدة، والتي ستتجنبها تحت تهديد الغزو الروسي، ربما يكون بوتين، قد قرر بالفعل القيام بعمل عسكــ ـري، أو ربما تكون محاولة لخلق مظهر الدخول في مفاوضات من نقطة قوة.
في نهاية اليومين، اللذين استمتع فيهما العالم، مع الفكرة التي لا أساس لها من الوجود، حول "مؤشرات" على تحييد الأزمة في أوكرانيا، ورؤية بداية المفاوضات الدبلوماسية، وصلت مرحلة التصعيد، هذا ليس تصعيدًا كبيرًا، بل استمرارًا للوضع الراهن المتفجر على أي حال، وتأكيدًا للميزة الوحيدة، التي يتمتع بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في هذه الأزمة: السيطرة على التصعيد، وربما يكون قد وضع نفسه في موقف سيئ، حيث يخسر إذا غزاها، ويخسر إذا لم يغزو، ولكن عندما يتعلق الأمر بوضع الجدول الزمني، والتصعيد المصاحب له، فإنه يتحكم.
صرح رئيس وكالة الدفاع والاستخبارات البريطانية، جيم هوكينهول، أمس، بأن روسيا، كانت تكذب في الواقع، ولم تسحب قواتها فحسب، بل زادت من حجم قواتها على الحدود الأوكرانية، تدعي روسيا، أن بلدة في منطقة لوهانسك، تعرضت للقصف من قبل الأوكرانيين، وفي الوقت نفسه، حدد في مجلس الأمن الدولي، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، أن "روسيا، تنوي تقديم ذريعة لشن هجوم، حادث عنيف تتهم أوكرانيا، بالمسؤولية عنه".
في محادثة لطيفة مع السفير الأمريكي، أبلغوه فيها بطرد نائبه من موسكو، كررت روسيا، المطالب التي أثارتها قبل ثلاثة أسابيع: أولاً، التزام الولايات المتحدة، والناتو، بعدم توسيع الحلف، والتزام محدد بأن أوكرانيا، لن تنضم إليه، وعلى الرغم من أن أوكرانيا، لم يتم ضمها منذ أن تمت دعوتها رسميًا، للتقدم في عام 2008، وعلى الرغم من أنه لن يتم ضمها في المستقبل، فإن هذا هو المطلب الأساسي لروسيا، والذي تمحورت حوله الأزمة في أوكرانيا.
ثانيًا، طالبت روسيا، بإخراج القوات الأمريكية من دول البلطيق، وهذا طلب صارخ لعدم ارتباطه بالواقع، بالنظر إلى أنه بسبب الأزمة، جلب بوتين، بالفعل فنلندا والسويد، المجاورة من شمال وغرب دول البلطيق، (وفنلندا لها حدود طويلة، وتاريخ من النزاعات العسكــ ـرية مع روسيا)، للتفكير في الانضمام إلى الناتو، بوتين، الذي سعى إلى زرع الحرج والتفكك في حلف الناتو، تلقى ردًا معاكساً تمامًا، وحلف شمال الأطلسي، الذي اتسم على مدار العقد الماضي، بالجدل والألم والندم على وجوده، وجد نفسه بفضل بوتين، في وضع أن سبب وجوده عاد ليكون روسيا، مثلما كان حين تأسست عام 1949.
ثالثًا، طالبت روسيا، أيضًا بسحب القوات من أوروبا الشرقية والوسطى، وإجراء تخفيض كبير على الأرض وفي الأسلحة، في المناورات العسكــ ـرية، التي يقوم بها الناتو، في المنطقة، كما طالب بإزالة الأسلحة، التي نقلتها الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، إلى أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة.
قوبلت هذه المطالب برفض شامل، لا لبس فيه، وفي خطابه أمس، أوضح بلينكين، هذا مرة أخرى، بالنسبة للولايات المتحدة، تعد أزمة أوكرانيا، جزءًا من تحالف صيني روسي، جاء لتحدي، وتغيير النظام العالمي، والهيمنة الأمريكية، إذا تم تلبية مطالب روسيا، في غضون بضعة أشهر، ستخلق الصين، أزمة مماثلة مع تايوان، وستقدم مطالبات مماثلة فيما يتعلق بالوجود الأمريكي، في كوريا الجنوبية واليابان، والمطالبة بوقف المناورات البحرية الأمريكية، في بحر الصين الجنوبي، ولإلغاء التحالفات في آسيا، وبحسب واشنطن، فإن من يقبل بمطالب بوتين السخيفة اليوم، سيجد نفسه في مواجهة الصين غدا.
مطالب روسيا، ليست مطالب دولة مهتمة بالعملية الدبلوماسية، هذه ليست صيغة مقترحة من دولة مهتمة بالتفاوض لتحييد الأزمة، وهي ليست قائمة تكرر مرتين من قبل دولة، تعلن أنها ملتزمة بخفض وتحييد التصعيد.
هناك إجابتان محتملتان، على السؤال عن سبب تقديم روسيا، لمثل هذه القائمة، إما أن يكون قد اتخذ قرارًا بشأن العمل العسكــ ـري أو الغزو، وهذا ظاهريًا استعراض للقوة، أو أن بوتين، قام بالمناورة بحسب تقييمات، وخرائط سياسية خاطئة، ووجد نفسه مع البدائل السيئة فقط، وفي مثل هذه الحالة، تهدف القائمة إلى الظهور، بمظهر الدخول في مفاوضات حقيقية من نقطة قوة، في كلتا الحالتين، يتم تعريف هذه القائمة في المصطلحات الدبلوماسية، ومعجم إدارة الأزمات والتفاوض، على أنها "ليست بداية"، Non-starter، أو لا يوجد شيء يمكن الحديث عنه.
فقط تمنيات قلبية
الافتراض هو أن بوتين، غير مهتم بعملية دبلوماسية هامة في هذه المرحلة، مثل هذه العملية تقوم على أساس التسويات، وسوف تسلط الضوء بشكل سلبي على نشوء الأزمة، إن تقديم قائمة المتطلبات القصوى، يمنع عمليًا المفاوضات الدبلوماسية، ما لم تأتي المبادرة من بايدن، والتي ستوفر إطارًا واسعًا للمفاوضات، وتحديث وتجديد بنية الأمن الأوروبي.
لن تفعل الولايات المتحدة، ذلك تحت تهديد الغزو الروسي لأوكرانيا، وقبل حل الأزمة.
قبل كل شيء، هناك وجهات نظر واستراتيجيات للعالم، تحدد المواقف الأساسية، منذ عام 1945، ومرة أخرى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، في عام 1991، لدى الولايات المتحدة، اعتقاد وسياسة مستمدة من أنها تتمتع بأقوى قوة عظمى، في العالم الاستراتيجي والأخلاقي والسياسي، على جميع البقية. إنه اعتقاد يجمع بين الصدق والوعظ، ولكنه يجمع أيضًا، قدرًا كبيرًا من الواقعية السياسية، والتطبيق العملي. أي علاقة مع قوة عظمى (الاتحاد السوفيتي سابقًا، والآن الصين)، أو مع دولة تتحدى الوضع الراهن على حصرية النظام الأمريكي، مثل روسيا اليوم، (أو العراق في 1991، وكوريا الشمالية الآن)، تصبح بحكم التعريف والممارسة، لعبة المجموع صفر، ولنظام مقارن وتصادمي.
تحاول روسيا، من جانبها إعادة تحديد مكانتها، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، الشعور بالإذلال والضعف، الحقيقي أو المتخيل، ودفعها بعيداً عن مركز مهيمن في أوروبا، وإدراكها لتهديد مباشر لأمنها القومي، من خلال توسع الناتو، إلى حدودها في الغرب والشمال والجنوب الغربي، والرغبة في الحصول على مكانة مركزية، في مجلس إدارة العالم، بما يتفق مع قوتها العسكــ ـرية، ومساحتها الكبيرة، تقوم روسيا، بإظهار كل هذا، أو دعنا نكون أكثر دقة بوتين ضد الولايات المتحدة.
الأمريكيون هم من جعلوا روسيا، "دولة متوسطة الحجم"، كما وصفها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تنتهك الولايات المتحدة، الاتفاقات، ووسعت حلف الناتو من 16 إلى 30 دولة، بما في ذلك تسع دول سابقة في حلف وارسو، ويستخدم الأمريكيون سلطتهم بوحشية، للحفاظ على النظام العالمي، الذي يضر بروسيا وإدامته.
مع مثل هذه المواقف الأساسية، لا توجد عملية سياسية، ولا مفاوضات دبلوماسية، كل من رأى علامات على هذا، في الأيام الأخيرة، قد خدع نفسه من خلال تأملات ورغبات بلا أساس في الواقع، من أجل الوصول إلى مثل هذه العملية، يجب أن يكون هناك استعداد من كلا الجانبين، ولكن بشكل خاص من جانب روسيا، من الممكن، وهذه مجرد فرضية، أن بوتين، توصل إلى استنتاج مفاده، أن مثل هذه العملية ممكنة فقط، بعد إظهار القوة العسكــ ـرية والسياسية، في أوكرانيا، ليس من قبل ولا حالاً.