يديعوت أحرونوت
سمير عبد الهادي
ترجمة حضارات

في عام 1995، حصل وفد من أعضاء الحركة الإسلامية، في "إسرائيل"، على مباركة الطريق من مجلس الشورى، المرجع الديني الأعلى في البلاد، وانطلق في رحلة مصيرية في مصر، كان هناك جدل مفاده، أنه في المستقبل القريب، من شأنه أن يقسم الحركة إلى قسمين، وعلى المدى الطويل أدى إلى الانفجار السياسي، الذي تجلى في الدخول التاريخي، لحزب راعام في الائتلاف، ولأول مرة فترة ولاية شخصيات عامة إسلامية، ومعادية للصهــــ يونية، في الحكومة الإسرائيلية.

وسافر الوفد إلى مصر، لاستلام فتوى من المفتي، يسمح للحركة الإسلامية في "إسرائيل"، بخوض الانتخابات الوطنية للكنيست، كان ممثلو الحركة يخوضون الانتخابات المحلية، في ذلك الوقت، لكن القفزة في السياسة الوطنية أثارت معارضة داخلية، وهذا يتطلب ختمًا رسميًا للسلطة الدينية.

لكن اللقاءات في مصر لم تثمر، أوصى كبار رجال الدين الذين، اجتمعوا في البلاد، والذين ربما سعوا إلى النأي بأنفسهم، عن البطاطا النارية التي خلطت بين الصهــــ يونية والإسلام، بأن يسعى أعضاء الوفد إلى الحصول، على فتوى في الأمر من المفتين في الأردن، بحجة أنهم كانوا أقرب إلى المواطنون العرب - الإسرائيليون، جغرافيا وثقافيا ودينيا، لكن حتى هنا لم يكن لديهم حياة سهلة، وطلب رجال الدين، الذين اجتمعوا في المملكة الهاشمية، منهم العودة إلى "إسرائيل"، أولاً وإعداد تقرير بحثي لهم، عن الكنيست بشكل عام، وعن عمل الأحزاب العربية، فيها بشكل خاص، قبل إصدار فتوى في الأمر.

فعل أعضاء الوفد الإسرائيلي، ما قيل لهم، تمت صياغة التقرير وإرساله إلى المسؤولين الدينيين في الأردن، تلاه الرد على سبب الانقسام المستمر، في الحركة الإسلامية، حتى يومنا هذا. وادعى أحد الأحزاب، بقيادة الشيخ رائد صلاح، الذي أصبح فيما بعد الفصيل الشمالي للحركة، أن المفتي يحظر المشاركة في الانتخابات الوطنية، للكنيست الإسرائيلي، منذ ذلك الحين، حافظ على خط متشدد، يرفض أي مشاركة أو اندماج، في السياسة الإسرائيلية.

أما الجانب الآخر، بقيادة مؤسس الحركة الإسلامية في "إسرائيل" الشيخ عبد الله نمر درويش، فيعتقد أن الفتوى لم تكن نهائية، وبالتالي تحول إلى رأي آخر، لفقهاء المسلمين في أوروبا، هؤلاء، كما قيل لاحقًا، ذكروا أن ما هو مسموح به للمسلمين، في الولايات المتحدة، وأوروبا، مسموح به أيضًا للمسلمين، في "إسرائيل".

معسكر الشيخ درويش، الذي نعرفه الآن باسم الفصيل الجنوبي، للحركة الإسلامية، تم تمثيله في الكنيست، منذ ذلك الحين، من خلال حزب راعام، (القائمة العربية الموحدة)، وكان يسعى بنجاح, على الأقل في البعد التصريحي، من أجل الاندماج السياسي - المدني في "إسرائيل".

من ناحية أخرى، تم حظر المعسكر المنافس منذ ذلك الحين، ودخول رؤسائه إلى المحاكم، ويخرجون منها، ويسجنون بتهم مختلفة، تتعلق بالـ "الإرهاب" والتحريض.

بين حرب الأيام الستة والثورة في إيران

كانت الستينيات والسبعينيات، فترة تكوينية للعالم العربي، بشكل عام، وللمجتمع العربي، في "إسرائيل"، بشكل خاص، اتسمت هذه العقود بازدهار الفكر الإسلامي السياسي، في الدول العربية، وصعود قوة الإخـــ وان المسلمين، في النهاية، عززت الثورة الإيرانية، عام 1979، رغم أنها كانت حركة شيعية عليا، روح الإسلام السياسي.

المواطنون العرب في "إسرائيل"، الذين كانوا حتى عام 1967، معزولين نسبيًا عن بقية العالم العربي، يمكنهم الآن الوصول إلى الضفة الغربية، وغزة، بما في ذلك كبار رجال الدين، والكليات الإسلامية، في الضفة الغربية، وقطاع غزة، على هذه الخلفية أسس الشيخ درويش، الحركة الإسلامية في "إسرائيل"، عام 1971.

تبنت الحركة في بداية مسارها، مفاهيم ومبادئ وأفكار، كانت مشابهة إلى حد كبير، لإيديولوجية جماعة الإخـــ وان المسلمين، في العالم العربي، رغم أنها لا تنتمي إليها تنظيميًا، وقال عضو مجلس الشورى، الشيخ كمال ريان، لموقع واي نت: "حتى اليوم، لسنا تابعين لهم تنظيمياً، ولكن من حيث النظرة إلى العالم والمبادئ، نحن متشابهون".

كما أكد رئيس الوزراء منصور عباس، في مقابلة سابقة لهيئة الإذاعة البريطانية، باللغة العربية، أن الفصيل الجنوبي للحركة الإسلامية، لا ينتمي إلى أي حركة سياسية في العالم، ومع ذلك، كان هناك تعاون واتصالات على مر السنين، بين قادة ومؤسسات الحركة في "إسرائيل"، والإخـــ وان المسلمين، في مصر وغزة، وقد انعكس ذلك في الزيارات، وحتى في إقامة مباريات كرة القدم، بين الأطراف في الثمانينيات.

في بداية مسيرتها، أسست الحركة في "إسرائيل"، جمعيات ومشاريع اجتماعية جذبت الشباب  وطوّرت مع مرور الوقت، التزامًا تجاهه، وبطريقة إدراكه لجميع مشاكل العالم، بما في ذلك القضية الفلسطينية: الإسلام هو الحل.

يقول الدكتور نهاد علي، الذي يتعامل مع الأقليات القومية والدينية، وهو باحث في الأصولية الإسلامية واليهودية والمسيحية: "هناك الكثير من أوجه الشبه بين الحركة الإسلامية، في "إسرائيل"، والحركات اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة، لا سيما في المجال الاجتماعي"، "هذا ليس سرا، قال منصور عباس، أكثر من مرة أنه أقرب ثقافيا، إلى شاس ويهودتت هتوراة، منه للأحزاب العربية العلمانية".

لكن في مرحلة ما أخذ الشيخ درويش، الأيديولوجية خطوة أخرى إلى الأمام، في عام 1979، وتحت تأثير الثورة الإيرانية، أسس منظمة سرية تسمى "أسرة الجهـــ اد"، هدفها الرسمي إقامة بديلا إسلاميا، في "أراضي عام 1948"، أي بين البحر الأبيض المتوسط، ​​ونهر الأردن، الوسائل: النشاط الـ"إرهابي"، وإلحاق الضرر بالأرواح والممتلكات.

يشرح رئيس جهاز الأمن العام الأسبق عامي أيالون، الذي تناول الموضوع، وقام بتحرير مجموعة المقالات، "نحن في خطر: التربية من منظور الحركة الإسلامية، في "إسرائيل "، يوضح: إن "أسرة الجهـــ اد"، منظمة أسسها أعضاء الحركة الإسلامية، الذين أرادوا ثورة، كان هدفهم جعل "إسرائيل"، دولة تحكمها الشريعة الإسلامية، في ذلك الوقت، عارض الشيخ رائد صلاح، والشيخ كمال الخطيب، النشاط العنيف، كانوا يؤمنون بالدعوة إلى الدين، والتركيز على الأنشطة الاجتماعية.

بطريقة أو بأخرى، لم يكن لدى المنظمة الوقت للقيام بالكثير، قام بتجميع الأسلحة، وفي بعض الحالات أشعل "عملاؤه"، النار في الحقول اليهودية، لكنهم لم يتمكنوا من إلحاق الأذى بحياة الإنسان، في عام 1981، تم اعتقال درويش، مع ما يعتبر قائد التنظيم فريد أبو مخ، وحُكم عليهما بالسجن، حيث بقيا حتى إطلاق سراحهما عام 1985، في صفقة جبريل.

نقطة تحول الحركة الإسلامية

كان إطلاق سراحه من السجن، بمثابة تغيير في طريقة الشيخ درويش، والحركة الإسلامية، من النزعة الانفصالية والـ "إرهاب"، إلى التأكيد على الأنشطة العامة والاجتماعية والتعليمية، مع إعلان معارضة تورط الفلسطينيين، في "إسرائيل"، في نشاط عنيف، نظر درويش، إلى صعود التيار الإسلامي، في الضفة الغربية وغزة، وخشي أن يؤثر ذلك، على الشباب، داخل "إسرائيل"، لاستخدام المــ ـقاومة، للحصول على الحقوق. بدأت الدعوة للتعايش، وكان أبرز تعبير عن تغيير الاتجاه، مشاركة الحركة الإسلامية، في الانتخابات المحلية عام 1989، والتي فاز فيها بعض نوابها، بقيادة المحليات العربية.

حتى ذلك الحين، لم تكن المشاركة في انتخابات الكنيست، على جدول الأعمال على الإطلاق، لأنها في نظر الحركة ترمز إلى إضفاء الشرعية، على دولة "إسرائيل"، لكن النجاح على الساحة البلدية، فتح لها الشهية، طرحت مسألة الترشح للكنيست، وأصبحت فيما بعد، السبب الرئيسي للانقسام في الحركة.

هاشم عبد الرحمن، رئيس بلدية أم الفحم السابق، وأحد قادة الفصيل الشمالي، يدعي أنه عارض حتى المشاركة في الانتخابات الوطنية، لسبب عملي، "الكنيست لن تساعدنا، كما تفعل مع نشاطات المنظمات الخاصة، غير الربحية، الكنيست مكان فقط للصراخ، وليس لحل مشاكل المجتمع العربي، الكنيست هي مقبرة المجتمع العربي".

وهل الفتوى في الأمر لم يؤثر عليك؟

"أحكام الشريعة عززت رأي كل طرف".

كما يدعي الشيخ كمال ريان، أن الفتوى قد فسرت من قبل كل طرف على طريقته الخاصة، "عندما ذهبنا لإصدار أحكام شرعية، لجأنا إلى يوسف القرضاوي، (رجل دين مصري يعتبر من أهم المحكمين المسلمين، في العالم)، قال: اذهبوا حسب اهتماماتكم وظروفكم، أنتم السلطة التي ستحدد ما هو جيد؟ وهذا يدل على أنه لم يكن هناك, حكم صريح للشريعة الإسلامية, المشكلة كانت من الذي يملك أعلى سلطة دينية, ومن يقرر".

من غش في التصويت؟

قرر الشيخ درويش, عدم الانتظار, في وقت مبكر من عام 1989، التقى بشمعون بيريز, وفؤاد بن اليعازر، ثم أعضاء في حكومة الوحدة، نيابة عن حزب العمل، في الوقت نفسه، التقى أيضًا بأعضاء كنيست عرب، وتعلم منهم معنى أن تكون عضوا في الكنيست، يقول الشيخ هاشم عبد الرحمن، أحد قادة الفصيل الشمالي: "إنه مسؤول عن انقسام الحركة الإسلامية, لقد مارس ضغوطا على مجلس الشورى, للسماح بالترشح للكنيست, كنا نعلم أنه يتعرض لضغوط, من كبار الضباط الإسرائيليين".

عامي أيالون, يؤكد كلام عبد الرحمن, يقول: "أنا أيضا, بصفتي رئيس الشاباك، التقيت بالشيخ نمر درويش, ولا أستبعد السؤال, عن أن من كانوا في المنصب, من قبل فعلوا الشيء نفسه, كان جهاز الأمن العام منزعج, بعد دراسة الإسلام, ضمن "المحظورات" المغلقة. هذا هو بالضبط ما يجعل النشاط السياسي تحت الأرض, ما جذبني هو أن الشيخ نمر درويش, تحدث بصراحة شديدة عن تغييره فيما يتعلق بـ"إسرائيل", قال لي صراحة: "نعيش هنا معا, كلنا بشر، وهدفنا جميعا ليس قتل بعضنا البعض".

أدت ضغوط درويش، على مجلس الشورى، بالتوازي مع المعارضة، التي نشأت داخل الحركة، إلى مغادرة الوفد إلى مصر، للحصول على موافقة شرعية، والبت في مسألة المشاركة في انتخابات الكنيست، بعد أن وصلت ملحمة البحث عن الفتاوي الدينية، إلى طريق مسدود، اقترح درويش عقد اجتماع لقيادة الحركة، والتصويت على الأمر، ولدهشته، حصل المعارضون على الأغلبية، ورُفض الاقتراح، لكن الشيخ درويش، لم يستسلم: واصل تجنيد المؤيدين لمنصبه، وفي عام 1996، قبل انتخابات الكنيست، حصل على الأغلبية المطلوبة.

ويدعي الفصيل الشمالي، حتى يومنا هذا، أن التصويت الأخير، الذي سمح لراعام بخوض تلك الانتخابات، كان على أساس الخداع، حيث تم إخفاءه عن بعض المعارضين، وامتنع البعض الآخر عن المشاركة، وقال الشيخ عبد الرحمن، لموقع واي نت: "لقد تم إقصائي من التصويت".

أصبح الانشقاق أمرا واقعا، وانقسمت الحركة الإسلامية، إلى قسمين، خاضت راعام، بصفتها ممثل الفصيل الجنوبي، لأول مرة في تاريخه، كجزء من الاتحاد مع الحزب العربي الديمقراطي، بزعامة عبد الوهاب دراوشة، (راعام و الحزب الديمقراطي العربي)، وحصلوا معًا على أربعة مقاعد.

منذ نشأتها، عملت منظمة القائمة على تعظيم قيمتها الانتخابية، محمد دراوشة، مسؤول سابق في الحزب الديمقراطي العربي، يدعي أنه في وقت مبكر من 2003-2002، وخلف ظهره، تفاوض درويش، وكبار أعضاء الحركة الإسلامية، على ترك الشراكة والانضمام إلى حزب أحمد الطيبي، "تعال"، وهي خطوة اكتملت فقط قبل انتخابات 2006، (وفازت هذه المرة بأربعة مقاعد)، واستمر هذا المزيج حتى انتخابات 2015، وإنشاء القائمة المشتركة، التي وحدت تحتها كل الأحزاب العربية.

"منذ ذلك الحين، كانت راعام، هي من فككت القائمة المشتركة مرتين، المرة الأولى في عام 2019، عندما تنافس سويا مع بلد فقط، (وهي خطوة لاقت انتقادات شديدة، في المجتمع العربي)، والمرة الثانية في عام 2021، تحت حجة عدم قدرتها على الترشح، في قائمة واحدة، مع أشخاص من حزب حداش، يدعمون حقوق مجتمع المثليين.

رافق الترشح كحزب واحد نية معلنة، والتي تحققت فيما بعد، لدخول الحكومة خلال الحملة الانتخابية، بدأ الرئيس منصور عباس، يطلق على نفسه لقب القبان (بيضة القبان)، أي هو الذي ينصب ويفوض رؤساء الوزراء، بعد بضعة أشهر، دخل نفتالي بينيت، مكتب رئيس الوزراء، مدعومًا من أعضاء راعام.

رهان منصور عباس

منصور عباس، يسير على خطى الشيخ عبد الله نمر درويش، الفارق بينهما أن درويش، قام بخطوته في الخفاء, وعباس، وضع كل شيء على الطاولة، أثارت تحركاته وتصريحاته غضب خصومه وشركائه، كما أغضب حركة حمـــ اس، عندما وصف في المقابلات منفذي الهجمات الـ"إرهابية"، بـ "الإرهابيين"، ووصف المسجد الأقصى، بـ "جبل الهيكل" و"الحائط الغربي".

تصريحه لشبكة تلفزيون كل العرب، الذي جاء فيه أن "دولة إسرائيل"، دولة يهودية ولدت يهودية، لا تكذبوا على أنفسكم"، يضعه كواحد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل، في المجتمع العربي في "إسرائيل"، والعالم العربي.

تقلص نشاطه العام في الآونة الأخيرة، ولا يحضر مناسبات، أو مواكب المجتمع العربي، وهل تكرهه أقسام كبيرة منها ممن يرونه خائنًا؟ ربما هذا ليس السؤال الصحيح.

يقول الدكتور نهاد علي: "الحركة الإسلامية انقسمت، لأن كل فصيل يعتقد أن طريقته في مساعدة الجمهور العربي، هي الطريقة الصحيحة"، "أحد الطرفين يرى في الكنيست، حلاً لمشاكل المجتمع العربي، بينما يرى الطرف الآخر أن التركيز، يجب أن يكون على الجمعيات الخاصة، ولجنة مراقبة عرب "إسرائيل"، والحقيقة هي أنه قبل الانقسام، كانت "إسرائيل"، تعتبر الأصولية الإسلامية بمثابة حركة راديكالية، وغير مرغوب فيها، اليوم هي في ائتلاف.

ويختتم الصحفي بلال شلاعطة، بالقول: "الحركة الإسلامية ظاهرة، لقد دخلت الكنيست، منذ البداية، لتحدث أثراً، دخولها إلى الائتلاف مقامرة، لكن إذا أتت بنتائج، في المرة القادمة، ستحصل على أصوات جديدة من المجتمع العربي".