بقلم المستشار: أسامة سعد
غزة في 23/2/2022م
صدر تقرير منظمة العفو الدولية "إمنستي"، قبل عدة أيام، ليشكل صدمة لسلطات الاحتــ ـلال، دفعت شريك الإرهــ ـابي بينت، في الحكم لبيد، ليظهر على الإعلام متهماً منظمة إمنستي، بالانحياز وعدم المهنية، وفي إثره صدر تصريح عن وزيرة العدل الصهيــ ـونية إيليت شاكيد، يشير إلى أن سلطات الاحتــ ـلال، تدرس منع منظمة إمنستي من دخول الأراضي المحتــ ـلة، حالة الحمى تلك التي اعترت الكيان الصهــ ـيوني، تشير بوضوح الى أن التقرير لقى إهتماماً شديداً من قادة الاحتلال بإعتباره يصنف هذا الكيان بأنه كيان فصل عنصري، وهو توصيف له أثار قانونية وسياسية خطيرة، إذا ما تم اعتماده في المؤسسات الدولية، منظمة العفو الدولية أشارت إلى أنها، أصدرت تقريرها بعد دراسات علمية ومهنية، استمرت لمدة عشرين عاماً، وجدت من خلالها أن ممارسات هذا الكيان، هي ممارسات عنصرية.
نحن كفلسطينيين، لم يشكل لنا التقرير إلا تأكيداً، لما نعايشه يومياً، منذ وجود هذا الاحتــ ـلال، من سياسات هي غاية في العنصرية، ضد كل ما هو فلسطيني، فقد امتدت ممارسات الاحتــ ـلال العنصرية، لتتجاوز العانسان إلى الشجر، الذي يقتلع ويحرق فقط لأنه شجر فلسطيني؛ يشهد على صلة الأرض بأصحابها الأصليين، وكذلك يمتد إلى الحجر بما يشمل تغيير المعالم, وهدم المباني وتغيير أسماء الشوارع والمدن والقرى.
أهمية التقرير لا تكمن فقط, في أن جريمة الفصل العنصري، تشكل جريمة ضد الإنسانية، وإنما لأنها جريمة تمس الجانب القيمي والأخلاقي للأم المتحضرة؛ وتشكل هزة عنيفة للوجدان العالمي, وهي جريمة لا يمكن تبريرها بالمبررات, التي يستخدمها الكيان وحلفاؤه, عادة لتبرير جرائمه مثل حق الدفاع عن النفس, أو حماية مواطنيه، فبأي تبرير يمكن للعدو الصهــ ـيوني أن يبرر جريمة الفصل العنصري؟
ولذلك؛ كانت الحمى التي اشتعلت في الكيان, لرفض التقرير وشيطنة منظمة امنستي؛ المشهود لها بالكفاءة والنزاهة المهنية.
الغريب في الأمر أن الجهة الرسمية, التي يفترض فيها أن ترعى حقوق الشعب الفلسطيني, وتسهر عليها تعاملت مع الموضوع, وكأنه يخص شعباً يعيش على كوكب آخر، فلم نسمع ولو همساً من قيادة السلطة، بالإعلان عن أي تحرك باتجاه استثمار التقرير، كونه دليل إثبات على جريمة ينعقد فيها الاختصاص لمحكمة الجنايات الدولية، بإحالته لتلك المحكمة، التي أصبحت فلسطين، طرفا في نظامها الأساسي منذ العام 2014م، بل لم نشهد ما كان متوقعاً من نشاط دبلوماسي مكثف، لوضع التقرير على أجندة العمل الدولي؛ وذلك للضغط على الكيان, وتفعيل الوسائل القانونية, لوضع التقرير موضوع التأثير العملي، بل إنني أخشى أن يكون هناك تواطأً, من قبل الجهات الرسمية الفلسطينية, لتغييب هذا التقرير؛ كما غيب من قبله تقرير جولدستون, وقرار محكمة العدل الدولية, بخصوص جدار الفصل العنصري، وتقرير لجنة القس دزموند توتو الجنوب أفريقي، ولا أستبعد ذلك قياسياً على تجربتنا المريرة مع السلطة الفلسطينية, في التعامل مع هكذا قضايا, والتي كان أخرها وقف أبو مازن, لعمل اللجان التي توثق جرائم الاحتلال، وقبل ذلك الطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي, وقف النظر في القضية المرفوعة أمامها بخصوص نقل السفارة الأمريكية, من "تل أبيب" إلى القدس، على إعتبار أنها تخالف إتفاقية "فينا" للعلاقات الدبلوماسية التي لا تجز إقامة السفارات على أراضي محتــ ـلة، ورغم أن هذه القضية كانت قضية رابحة بإمتياز, إلا أن السلطة طلبت من المحكمة وقف النظر فيها, لأجل غير مسمى، وهذا ما علمناه بالصدفة, حينما عرضت المحكمة تقريرها السنوي للعام 2020م.
كل هذه التصرفات تشير بوضوح, إلى أن السلطة ستتعامل مع تقرير إمنستي -على أهميته القصوى- بنفس الطريقة التي تعاملت بها دائماً، وهي الإهمال والتسويق حتى يمر الزمن وتتجاوز التقرير الأحدث.
ولذلك؛ أعتقد أن المسؤولية تقع الآن, على المؤسسات الحقوقية القادرة على استثمار هذا التقرير, من خلال تقديم شكاوي لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لبدء التحقيقات في هذه الجريمة؛ تمهيداً لمحاكمة قادة الاحتــ ـلال.
وكذلك تفعيل المواد الواردة, في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري, المعتمدة في العام 1965م, والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري, والمعاقبة عليها, التي دخلت حيز النفاذ في العام 1976م, لا سيما المواد التي تدعو الدول الموقعة, لمحاكمة الأشخاص الذين يمارسون جريمة الفصل العنصري, حتى لو لم يكونوا من رعاياها، وهو ما يعرف بالاختصاص القضائي العالمي.
وكذلك لا بد من العمل على إعادة العمل بالقرار الدولي، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975م، باعتبار الصهيــ ـونية شكل من أشكال العنصرية، والسعي كذلك لدى مجلس حقوق الانسان الدولي، لاستصدار قرار باعتبار الكيان الصهــ ـيوني كياناً عنصرياً، هذا التحرك يعتبر ضرورة وطنية باتجاه الضغط على الاحتــ ـلال، مستلهمين تجربة نضال شعب جنوب أفريقيا، الذي خاض معركة ضد نظام الفصل العنصري، لمدة ستة وأربعين عاماً انتهت بانهيار هذا النظام عام 1994م، وانتصار إرادة الشعب الجنوب أفريقي.