بقلم: ناصر ناصر
28/02/2022
هل بدأ العالم - شعوباً ومؤسسات وأستبعد الحكومات - يدرك معنى أن تكون محتلاً مظلوماً ومقهوراً تحت دبابات الاحتلال؟
وهل سيفهم العالم اليوم معاني وعظمة وبطولات المقاومين والمناضلين ضد الاحتلال الغاشم؟
ثم هل ستعود الذاكرة لمن فقدها حول معاني ومواقف الانحدار والسقوط في وحل التعاون والتنسيق الأمني مع المحتلين المجرمين؟
وأيضاً هل سيفهم العالم معنى أن تتحول فجأةً الى لاجئ مستضعف يبحث عن المأوى بعد أن كان سيداً مستقلاً في قومه؟
هذا ما قد تظهره أحداث أوكرانيا هذه الأيام على الأقل لفترة زمنية محدودة، ليس بسبب عودة الضمير والأخلاق لقادة الغرب ووسائل إعلامهم واسعة الانتشار على الأغلب، عاد حديثهم اليوم عن المقاومة النبيلة والشجاعة والمؤثرة جداً، عاد حديثهم اليوم عن الاحتلال الروسي الغاشم والفتاك وعن بوتين الدكتاتوري، وفي المقابل عن المقاومة النبيلة والشجاعة للأوكرانيين والمؤثرة جداً، في عقول و نفوس كل من يحمل في رأسه عقل وفي قلبه ذرة من الفهم والإحساس الإنساني، بل وعلى الأرجح؛ بسبب تحول المصالح والأطماع الغربية والأمريكية من دعم الاحتلال في فلسطين وبلاد العرب إلى رفضه في أوكرانيا ودول البلطيق من الدول الأوروبية كأنه جاء على يد الخصم والعدو الروسي بقيادة بوتين، هي كذلك إذاً، وإلا فماذا يعني ترك الشعب الفلسطيني المظلوم يرزح تحت نير احتلال صهيوني غاشم منذ العام 1948 دون أي مساعدة؟؛ بل وبدعمٍ غربيّ للاستعمار والاحتلال الصهيوني إنه الاستعمار الكولونيالي بأقذر صوره بل إنها أيضاً العنصرية البغيضة بحلتها القديمة الجديدة و التي تميز بين احتلال غربي (مبارك) واحتلال شرقي مغموم بين مقاومٍ مسلمٍ عربيٍ أو فلسطيني (إرهابي) وبين مقاومٍ أوروبيٍ عظيم بين ضحايا الاحتلال من الأوروبيين (الغلابى والمساكين) وهم فعلاً كذلك وبين ضحايا الاحتلال الصهيوني الأمريكي لفلسطين وبلاد العُرب فهم من الدرجة الرابعة من المقهورين المحتلين، كما أن من يتحمل مسؤوليتهم ليس الاحتلال الصهيوني (المتنور) بل المقاومة التي تتخذهم دروعاً بشرية.
إن التعويل في حدوث التغيير نحو رفض الاحتلال ودعم المقاومة الشريفة بعد أحداث أوكرانيا إنما يقع على الشعوب ومؤسساتها الحقيقية في شتى انحاء العالم وليس على الحكومات الاستعمارية، ومن جهة أُخرى فإن واجب المسلمين والعرب والفلسطينيين وكل أحرار الأرض التركيز والتأكيد من خلال كل ما يمتلكون من وسائل إعلام وأدوات للتأثير على المعاني الحقيقية للاحتلال والمقاومة، فللكلمة أثر عظيم مهما بلغت قوى الباطل والطغيان، والأهم من ذلك هو البحث عن وسائل وأدوات تضمن استمرار بقاء هذه المعاني الراقية حول المقاومة والاحتلال وتحولها الى برامج عمل حتى بعد انتهاء الأزمة في أوكرانيا ولا ندري متى يتم ذلك، وحتى لا نكون منقطعين عن الواقع الصعب فإن الواجب يتطلب أيضاً واضافة إلى ما سبق ذكره امتلاك القوة العادلة والقادرة على ردع الظالمين والمحتلين، وإلا فإن العجز عن امتلاكها؛ يتناقض تماماً مع جوهر المقاومة ويعني بالتأكيد الخضوع والاستسلام.
فالقوة هي قاطرة التاريخ والاحتلال الغاشم لا يفهم إلا هذه اللغة ومن أجل امتلاك هذه القوة بكافة أشكالها العسكرية والاقتصادية والمعنوية والأخلاقية وغيرها، لابد أن نعي تماماً إلى أن بقاء القطب الواحد أو استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم كما هي عليه الآن، لا يمكن أن تتم دون قوى أخرى تنافسها، وقد تقل عنها ظلماً أو تزيد ولكنها قد تمكّن المستضعفين من الاستفادة من الظروف التي تخلقها إلى حين ظهور قوى عادلة على مستوى الإقليم والعالم وما ذلك بمستحيل.