مركز القدس للشؤون العامة والدولة
يوني بن مناحيم
أصدرت وزارة الخارجية السورية، الليلة الماضية، بياناً رسمياً للدفاع عن روسيا، عقب الغزو العسكــ ـري لأوكرانيا، قالت فيه: "ندين بشدة حملة التصعيد الهستيرية، وتشويه الحقائق ضد روسيا، فالغرب وأمريكا، اللذان، قتلا الملايين من الأبرياء في حروبهم، بما في ذلك سوريا، ليس لهم الحق، في الحديث عن القانون الدولي، وانتهاك المواثيق، وروسيا، لديها كل حق في الدفاع عن نفسه وأمنه".
يسلط المعلقون في العالم العربي الضوء، على حقيقة أن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، كان حاضراً في موسكو، بينما اعترف الرئيس بوتين، باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك، في أوكرانيا، وزيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شفيغو، إلى دمشق، قبل أيام للقاء الرئيس بشار الأسد، وذلك للتنسيق الوثيق بين سوريا وروسيا، فيما يتعلق بعملياتها الدولية، ومحاولة إعادة تنظيم النظام العالمي، بل إن الصحفية السورية، كنانة علوش، ذهبت إلى حد القول: إن "الرئيس بوتين، تشاور مع الرئيس بشار الأسد، قبل الهجوم على أوكرانيا".
الروس يرون بالسوريين، بعين واحدة، الوجود العسكــ ـري الأمريكي، في سوريا والشرق الأوسط، فبالنسبة لهم هو وجود أجنبي غير شرعي، بينما الوجود العســ ـكري الروسي، في سوريا، هو حضور "ضيوف"، بدعوة من الرئيس بشار الأسد، وهذا ما يعطي الرئيس بوتين، شرعية إقامة قواعد للجيش، وميناء بحري وجوي في سوريا، لذلك، سارعت سوريا، إلى الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا، وأبدت استعدادها، للحفاظ على العلاقات الدبلوماسية معهم.
لسوريا أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الرئيس بوتين، من حيث الوجود العســ ـكري الروسي، في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ويبدو أن الحرب في أوكرانيا، وما تلاها من مقاطعة عالمية لروسيا، لن تؤدي إلا إلى تعميق التحالف الاستراتيجي، بين دمشق وموسكو.
حتى أن روسيا وسوريا، قامتا بتوطيد العلاقات بينهما علنًا، في أعقاب الحرب في أوكرانيا، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية، نهاية الأسبوع الماضي، إن الرئيس السوري بشار الأسد، اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة الوضع في أوكرانيا، والعملية العسكــ ـرية الروسية، في البلاد.
وبحسب البيان، شدد الأسد، خلال الحديث، على أن "ما يحدث اليوم، هو تصحيح للتاريخ، وإعادة توازن للتوازن، الذي فقده العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي"، وأن "الهستيريا الغربية، تسعى إلى الحفاظ على التاريخ في المكان الخطأ، من أجل الفوضى، التي يسعى إليها منتهكو القانون فقط، بالنظر إلى أن "روسيا اليوم، لا تدافع عن نفسها فحسب، بل تدافع عن العالم، ومبادئ العدل والإنسانية".
وبحسب الأسد، فإن "الدول الغربية، مسؤولة عن الفوضى والدم، نتيجة سياساتها الهادفة للسيطرة على الناس، حيث تستخدم هذه الدول أساليبها القذرة، لدعم الإرهــ ـابيين في سوريا، والنازيين في أوكرانيا، ومختلف أنحاء العالم".
وأكد أن سوريا، تقف إلى جانب روسيا، إيمانا منها بصحة موقفها، وأن "معالجة توسع الناتو هو حق لروسيا، لأنه أصبح يشكل تهديدا مطلقا للعالم، وأصبح أداة لتحقيق سياسات غربية غير مسؤولة، تقويض استقرار العالم".
العلاقة بين الوضع في سوريا والحرب في أوكرانيا
أصبحت روسيا، تُعرف باسم صاحبة المنزل في سوريا، وهي تأخذ في الاعتبار جميع سيناريوهات الحرب المحتملة، وتداعيات الحرب على وجودها العســ ـكري، في سوريا.
أفادت صحيفة العربي الجديد، في 25 شباط / فبراير، من مصادر سورية أن الولايات المتحدة وسوريا، ستزيدان قواتهما العسكــ ـرية، في شمال شرقي وشرق سوريا، وهو خط مواجهة محتمل مع الولايات المتحدة.
يمكن لروسيا، بالتأكيد أن تحاول قضم مناطق في سوريا، حيث يوجد نفوذ أمريكي، لمحاولة خلط الأوراق مرة أخرى، كجزء من النظام العالمي الجديد، الذي تحاول بنائه.
لا أحد يعرف حتى الآن، كيف ستتطور الحرب في أوكرانيا، يجب أن نتذكر أن هذه جبهة عســ ـكرية ضخمة.
يحتفظ الرئيس بوتين، بالأوراق بالقرب من صدره، لكن ليس من المستبعد أن يضطر الجيش الروسي، إلى نقل قوات من سوريا، إلى أوكرانيا من أجل زيادة وجوده هناك، كل هذا يتوقف على مدى المقــ ـاومة، التي سيظهرها الجيش الأوكراني، والمواطنون الأوكرانيون، الذين تم تسليح حوالي 50.000 منهم حتى الآن.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مقابلة مع قناة الجزيرة، أن أحدث الطائرات المقاتلة الروسية، انطلقت من قاعدة حماة في سوريا، وأن هناك "تنسيق استراتيجي بين سوريا وروسيا، مستمر وعميق، على المستوى الاقتصادي والسياسي العسكــ ـري".
وزار وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، سوريا، منتصف الشهر الجاري، وسط مخاوف من أن تحاول موسكو، استخدام نفوذها العســ ـكري في سوريا، في مواجهتها مع دول الناتو، بشأن أوكرانيا، بغطاء جوي لـ 40 طائرة مقاتلة.
قبل بدء التدريبات، أحضرت روسيا، إلى قاعدة طرطوس، ست سفن إنزال كبيرة، من الأسطول الشمالي، وبحر البلطيق، وفي نهاية يناير، نشرت طائرات مقاتلة جديدة، من طراز Sukhoi 34 و 35، في القاعدة الجوية "حميميم"، وكذلك قاذفات استراتيجية بعيدة المدى.
ووصلت طائرات ميج 31، المحملة بالصواريخ المستخدمة، لضرب حاملات الطائرات، في البحر إلى قاعدة "حميميم"، في سوريا، هذا الشهر.
تداعيات الحرب على سوريا
لا يزال مصير أوكرانيا، يلفه الضباب، ولم يتضح بعد، ما إذا كان الرئيس بوتين، سينجح من خلال تحركه العسكــ ـري، في إحداث تغيير في النظام في أوكرانيا، أم سيستمر في الهزيمة، في المستنقع الأوكراني عسكــ ـريا، مع دعم قوات الناتو خارجيًا، لقوات المقــ ـاومة الأوكرانية.
يرى الرئيس بوتين، سوريا، على أنها جزء من العالم الجديد، الذي يريد تشكيله، بعد الهجوم على أوكرانيا، وسوريا، هي "العمق الاستراتيجي" لروسيا، في الشرق الأوسط، وكان التدخل العسكــ ـري الروسي، ضد القوى الإسلامية المتطرفة، التي أرادت الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ناجحًا، وحصلت روسيا، على موضع قدم دائمة في سوريا، تشمل إقامة قواعد عسكــ ـرية.
بوتين، يريد أن يحكم أوكرانيا، فهو يرى أنها جزء من "العالم الروسي"، وليست جزءًا من العالم الغربي، الذي يتجه إليه الرئيس زالانسكي، ويبدو أنه يريد "نظامًا دمية"، يحكم أوكرانيا، وفقًا لتعليمات تمليها موسكو.
"في عام 2015، قرر الرئيس بوتين، الانخراط في نشاط عسكــ ـري في سوريا، لوقف إخفاقات القوات السورية، في الحرب الأهلية في البلاد، ومنع تغيير النظام".
وفي المقابل، حققت روسيا، امتيازات عسكــ ـرية كبيرة، من أهمها إنشاء قاعدة عسكــ ـرية، دائمة في الينابيع الساخنة، بريف اللاذقية، وقاعدة بحرية في ميناء طرطوس.
تأثير الحرب في أوكرانيا على سوريا
لا يقتصر الأمر، على البعد العسكــ ـري والسياسي في سوريا، فهناك العديد من الآثار الاقتصادية، لا سيما أن دمشق، تعتمد بشكل كبير على الدعم الغذائي والنفطي، من موسكو، للتعامل مع العقوبات الغربية ضدها، وليس أمام دمشق، خيار سوى اتخاذ قرار "تشديد حزامها"، في مواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
لا شك أن مستقبل أوكرانيا, سيؤثر على موقف سوريا، بسبب السيطرة التي تسيطر عليها سوريا، أصبحت سوريا "رهينة"، غزو بوتين، العسكــ ـري لأوكرانيا، وستدفع ثمن ذلك.
دفع الغزو الروسي لأوكرانيا, النظام السوري إلى خفض الإنفاق، وقررت الحكومة السورية المنكوبة اقتصاديًا, نهاية الأسبوع الماضي, خفض الإنفاق, في محاولة للحد من تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا, خوفًا من ارتفاع حاد في أسعار النفط, والقمح, والمراقبة عن كثب, توزيع السلع وتقنينها.
يتوقع الرئيس بشار الأسد، أن يغير الرئيس بوتين، موقفه تجاه "إسرائيل", ويوقف نشاطها العســ ـكري, وهجماتها في سوريا.
في الوقت الحالي، تعمل آلية التنسيق بين الجيش الإسرائيلي، والجيش الروسي، بشكل جيد، وتستمر "إسرائيل", في مهاجمة أهداف إيرانية في سوريا، وفي الأسبوع الماضي, وقع هجومان من هذا القبيل في منطقة دمشق, منسوبة إلى "إسرائيل", من قبل مصادر أجنبية, حتى أن الجيش الإسرائيلي, رفض هجومًا مخططًا له على سوريا, خلال زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو, لدمشق, حتى لا يحرجه أمام مضيفيه.
ومع ذلك، ليس من الواضح, ما إذا كانت "القضية" الإسرائيلية الروسية, ستستمر طويلاً في مواجهة الحرب في أوكرانيا, يمكن للرئيس بوتين, أن "يهدئ" ويغير المواقف تجاه "إسرائيل", ثم يقيد نشاط سلاح الجو الإسرائيلي، في سوريا.
قام الروس بتركيب أنظمة دفاع جوي جديدة، من طراز S-300 و S-400 في سوريا، والتي يمكن أن تغطي أيضًا مناطق واسعة داخل دولة "إسرائيل"، كل هذا قد يتغير.
إن حرية العمل الجوي للجيش الإسرائيلي، في الأجواء السورية، مهمة للغاية لـ "إسرائيل", من أجل منع التموضع العســ ـكري الإيراني، في سوريا، ونقل الأسلحة المتطورة إلى حــ ـزب الله، لذلك يجب الانتباه بأن المستوى السياسي، في "إسرائيل", لن يرتكب أخطاء ويعقد العلاقات مع الكرملين, الأمر الذي سيكون له تأثير مباشر, على حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي, في سماء سوريا.