"إسرائيل"؟ الأسد على وجه الخصوص عليه أن يقلق

القناة 12

ترجمة حضارات

د. كارميت فالنسي، مديرة برنامج البحث السوري في معهد دراسات الأمن القومي inss، جامعة تل أبيب.


الحرب في أوكرانيا، تضع سوريا، في موقف صعب: الأسد يعتمد على بوتين، وقد ينجر معه إلى الأسفل تحت الضغط الدولي، من غير المنطقي الاعتقاد أن مصير "إسرائيل" في الجبهه الشمالية, تحت روسيا العظمى.

"المشي بين القطرات" أي "التعامل بحذر من أجل عدم إغضاب أحد"، أم الوقوف "على الجانب الصحيح من التاريخ"؟ يبدو أن هذين التعبيرين أصبحا الأكثر انتشارًا, في الخطاب العام الإسرائيلي مؤخرًا، حيث يصفان معضلة السياسة الإسرائيلية المطلوبة، حول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ويكمن أساس المعضلة في رغبة إسرائيلية، في تجنب الاستفزازات ضد الروس، الذين أصبحوا لاعباً رئيسياً في سوريا، ويمكن أن يعرضوا حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يعمل على إحباط التموضع العســ ـكري الإيراني، في البلاد للخطر؛ من ناحية أخرى، تطلع "إسرائيل" إلى أن تكون جزءًا من العالم الغربي, وعضوًا في مجموعة الديمقراطيات، وبالتالي لا يمكنها أن تتعارض مع قيمها, وخاصة ضد من يرأسها, الولايات المتحدة.

حتى الآن، اتبعت "إسرائيل", سياسة حذرة تجاه روسيا, وامتنعت عن إدانة شديدة.

المعادلة التي تواجه "إسرائيل", هي أن الضغط الأمريكي و / أو الإسرائيلي على روسيا, قد يضر بالمصالح الإسرائيلية في سوريا, وبالتالي، هناك قلق من تقييد حرية العمل الإسرائيلية، في سماء سوريا، من خلال رد عدواني وغير عادي، من قبل روسيا، على سبيل المثال، اعتراض طائرة إسرائيلية، أو على الأقل تهديد وإدانة غير مسبوقين، مصدر قلق آخر هو أن تخفف روسيا، من الضغط الذي مارسته حتى الآن، على النشاط العسكــ ـري الإيراني في سوريا.

حرية العمل الإسرائيلية في سوريا، والتي تنبع من بين أمور أخرى، من التنسيق الفعال والمستمر، بين تل أبيب وموسكو، وهذا الأمر ذات أهمية كبيرة، ولا ينبغي الاستخفاف به في نظام الاعتبارات الحالي، نجحت "المعركة التي بين الحروب" (مبام)، في تعطيل خطة التموضع العســ ـكري الإيراني، في سوريا، ويجب على "إسرائيل", ضمان استمرارها, لكن لا ينبغي أن ننجرف في صورة روسيا, كقوة جبارة ونعتقد أن مصير "إسرائيل", في الساحة الشمالية تحت رحمتها.


المصلحة الروسية هي التنسيق في سوريا

القوة العسكــ ـرية الإسرائيلية، قائمة بذاتها، تدرك روسيا، جيدًا قدرة "إسرائيل", على تقويض أهدافها في سوريا, وتقويض الاستقرار الذي طالما سعت إليه، لذا فإن معادلة الردع متبادلة، ولا مصلحة لروسيا, حاليًا في فتح جبهة أخرى ضد "إسرائيل", علاوة على ذلك، فإن الهجمات المنسوبة إلى "إسرائيل", ضد أهداف إيرانية تخدم أيضًا موسكو, والتي برغم تعاونها، إلا أنها تتنافس مع إيران، على النفوذ والسيطرة على سوريا.

حتى الآن، لم يكن هناك رد غير عادي من موسكو، على ما لا يقل عن خمس هجمات منسوبة إلى "إسرائيل", في الشهر الماضي في سوريا, علاوة على ذلك، أعلنت روسيا، أثناء القتال، أن التنسيق مع "إسرائيل", في المجال الجوي السوري سيستمر.

بطبيعة الحال، تنخرط جهات في "إسرائيل", في تحليل المخاطر التي تسببها الخطوة الروسية لـ "إسرائيل", على الساحة السورية، لكنها تتجاهل العواقب السلبية لذلك، على النظام السوري، يدعم  بشار الأسد، حليف روسيا، بشكل علني وغير مفاجئ الخطوة الروسية، فخلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ادعى الأسد، أن روسيا، لا تدافع عن نفسها فقط، ولكن عن العالم كله ومبادئ العدل والإنسانية، وأن الدول الغربية تدعم العناصر الإرهــ ـابية في سوريا، والنازيين في أوكرانيا، وفي مناطق مختلفة من العالم. ومع ذلك، خلف عروض المودة التي أظهرها الأسد، يمكن الافتراض أنه في غرف المناقشة في دمشق، هناك خوف حقيقي من تداعيات الحرب، على الدولة السورية، المتداعية من عدة نواحٍ.

على الصعيد الاقتصادي، تعيش سوريا، منذ عام 2019، أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتواجه نقصًا في المنتجات الأساسية، كالقمح والنفط.

روسيا مُصدِّر مهم للقمح إلى سوريا، بكميات تزيد عن مليون طن سنويًا، المخاوف من توقف مساعدات القمح القادمة من روسيا، دفعت الحكومة السورية للانعقاد الخميس الماضي، لبحث انعكاسات الحرب على الوضع الاقتصادي في البلاد، لا سيما في مجالات الطاقة والغذاء والنقل البحري.

حددت الحكومة عددًا من الخطوات، التي يجب اتخاذها في الأشهر المقبلة، بما في ذلك صياغة قائمة بأهم منتجات الاستيراد، وإدارة مستودعات المنتجات الأساسية الحالية، وفحص إمكانية تخفيض أسعار المنتجات الأساسية.

على المستوى العسكــ ـري، من المرجح أن يأخذ النظام في الاعتبار، إمكانية أن تستغل "إسرائيل", الاهتمام الروسي الموجه نحو أوكرانيا, وتسرع هجمات سلاح الجو في سوريا، ضد أهداف إيرانية، وربما حتى ضد أهدافه الخاصة.


شرعية الأسد تضرر

من جانب روسيا، قد تستغل موسكو، مخزون المقاتلين الذي بنته في سوريا، وتسخيرهم للقتال في أوكرانيا، كما فعلت في ساحات الصراع الأخرى، مثل أذربيجان وليبيا، وفي هذا السياق ترددت عدة تقارير عن تحضير مرتزقة سوريين، من الفيلق الخامس، يعمل تحت قيادة روسيا، تمهيدا لتجنيدهم للمشاركة في عمليات ضد أوكرانيا.

القلق الأكثر أهمية هو أن روسيا، ستتصرف عسكــ ـريا، من إحدى قواعدها في سوريا، ضد أهداف في أوروبا، مثل هذه التطورات ليست مثالية للنظام، في الساعة التي يكافح، من أجل إرساء الاستقرار في البلاد.

يمكن أن يكون للحرب، تداعيات على الوضع الدبلوماسي للأسد، حتى عام مضى، كان الأسد مشكلة الشرق الأوسط.

في الآونة الأخيرة، بدأت موجة من الدول العربية، في تطبيع العلاقات مع النظام والاعتراف بشرعيته، التحالف القوي مع بوتين، الذي يُنظر إليه الآن على أنه عدو العالم الغربي، لا ينفع الأسد، هذه الأيام، ويمكن أن يضر بمحاولته اكتساب الشرعية الإقليمية والدولية، ليس من غير المعقول افتراض أن الأسد، يخشى أن يؤدي الضغط الغربي على روسيا، دبلوماسيًا أو اقتصاديًا، إلى تقويض الدعم الروسي له، أو على الأقل الحد من تدخل روسيا في سوريا.

هذا، بالتأكيد إذا أخذنا في الاعتبار أن الرئيس بوتين، ليس لديه مشاعر خاصة تجاه الأسد، أو تجاه الدولة التي يرأسها، لكنه موجه بشكل أساسي، لاعتبارات ومصالح تختلف حسب الظروف.

خلاصة القول، في نقاش يجري في "إسرائيل", حول العلاقة بين الحرب في أوروبا، والنشاط الإسرائيلي في سوريا، يجب ألا نقلل من أهمية العلاقات مع روسيا، لكن يجب ألا ننسى موقع القوة الإسرائيلي، وأوراقها التفاوضية، حتى في السياق السوري، هذه، إلى جانب الموجات الارتدادية السلبية للحرب، التي قد تصل بالفعل إلى سوريا، قد تخلق لنا فرصًا لا تقل عن المخاطر.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023