إن لم تستح فافعل ما شئت

الكاتب/ رائد أبو الظاهر




أبناء الكيبوتسات العرب اعتكفوا حول قصر بنغوريون وأعلنوا تصحيح التاريخ، ربما لم يحلم نبي الصهــ ـيونية بن غوريون، أن يأتي يوم، ويلتف حول قبره أربعة، من وزراء الخارجية العرب، ويقومون بتقديم الاعتذار له وللصهــ ـيونية، على عداوة استمرت لأكثر من 70 عامًا، وبذلك يقوموا بتصحيح خطأ تاريخي، ليس من صنع أيديهم، إنما من صنع الغاصبين، ولم ينتهوا بذلك، بل قاموا بالبكاء، على قبر بن غوريون، لعل تلك الدموع، التي سالت كالشلال، ربما تجعل بن غوريون يصحو ويعود للحياة.

وكأننا هنا نشاهد فيلم لمصاصي الدماء، الذين يستعدون لإحياء بعض قادتهم، بإرواء قبورهم بالدماء، لكن هؤلاء الذين اعترفوا بفضل هذا الرجل، قد أعلنوا وأقسموا على إكمال مسيرته، وأنهم قد تدخلوا بعد أن فشلت كل جهود الحركة الصهيــ ـونية، في استيطان النقب، وبعد أن شعروا أن خطر الفلسطينيين العرب، قد زاد وتصاعد، وآن الأوان أن يقوموا هم، بتحقيق رؤية بن غوريون بأن يتحول النقب، إلى أغلبية يهودية، وأن الدماء الزكية الطاهرة، التي سقطت، من عصابات الإتسل والهاجاناة والليحي، لن تذهب هدرًا، وأنها ستبقى النور الذي يهتدوا به.

فمن رأى الخشوع، الذي هم به حول قبر بن غوريون، قد تفاجأ أو صُدِم، لكن تلك المفاجأة ربما تتلاشى، عندما يعلم أن دولة الإمارات، قبل 15 عامًا قامت باستحضار خبراء الزراعة الصهــ ـاينة، "ومنهم رئيس جامعة حيفا الحالي"، لكي يقوموا بعمل محاكاة لتجربة الكيبوتسات الصهيــ ـونية، والتي نجحت في فلسطين، عبر ريها بالدماء الفلسطينية.

وبالفعل قاموا بإقامة 60 كيبوتس زراعي، بتكلفة مئات ملايين الدولارات، في صحراء الإمارات، وهذا جعل مدير جامعة حيفا، يقول: إن "البندورة والخيار، التي تُزرع في الكيبوتسات الصهيــ ـونية الإماراتية، تجري في عروق كل الإماراتيين".

لذا فإن أبناء الكيبوتسات العرب، قد جاءوا لكي يشكروا ويؤدوا قسم الولاء، لأبيهم الأول، ويعتذروا عما جرى في غفلةٍ من الزمن، عندما اتخذوه عــ ـدوا، رغم أن هؤلاء في أغلبيتهم، لم يطلقوا في يوم من الأيام، رصاصة على الصهــ ـاينة، ولا يعرفوا طعم الحرية أو المقــ ـاومة، وأن الطعم الذي يعرفوه، هو طعم خضار الكيبوتسات، والذي أكله وتناوله سابقًا، أبناء العصابات الصهيــ ـونية، قبل أن ينفذوا مجازر دير ياسين، والطنطورة.

وليس بعيدًا من مكان الاجتماع وقبر بنغوريون، توجد ثلاث مدن عســ ـكرية، وعدة قواعد جوية صهيــ ـونية، انطلقت وتنطلق منها أسراب الطائرات، التي تقصف باستمرار المدنيين الآمنين، في سوريا وغزة، لذا فإن هؤلاء الراكعين حول القبر، قد وقعوا أسمائهم على كل قنبلة، ستسقط على هؤلاء الآمنين، وأضافوا عبارة "لقد عاد بن غوريون".

لقد أعلن هؤلاء، أبناء الكيبوتسات الحــ ـرب على بدو النقب، ولم يبقى إلا أن يركبوا الطائرات، ويقصفوا بيوت الشعر بأنفسهم، لكي يكملوا مسيرة بن غوريون، ومسيرة بن غفير، والذي يقود حاليًا حــ ـرب استئصال مواطني النقب، من أرضهم.

لقد أبى هؤلاء أن يستقبلوا شهر رمضان المبارك، شهر الاعتكاف، إلا وهم معتكفين حول قبر بن غوريون، وألا يكتفوا بقيام الليل والنهار، بل قاموا بتلاوة صفحات من التلمود، وأشعلوا الشموع حوله، وأقسموا ألا يرفعوا رؤوسهم، إلا بعد أن يسامحهم على تلك الكبيرة، وهنا نقول أن الجدار الحديدي الذي أقامه جابوتنسكي، منذ قرابة المئة عام، قد نجح أكثر مما يتوقع، لذا نقول لجابوتنسكي، وبنغوريون، ناموا وارتاحوا، فقد قام أبناء الكيبوتسات العرب، بتعويض الصهــ ـاينة ليس فقط عن الدماء، التي سالت، بل أيضًا، عن العرق والدموع، وكل خطوة ساروا بها، في مشروعهم الصهــ ـيوني.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023