بقلم المستشار/
أسامة سعد
ليس المهم كيف نموت بل المهم كيف نعيش، تتجسد مقولة الفيلسوف جيروم في الشعوب عندما تستبسل في المقاومة غير عابئة بحجم التضحيات التي تقدمها على مذبح حريتها، ومن أبرز صور المقاومة التي تجلت وتجسدت فيها هذه المقولة هي بلا شك مقاومة الشعب الفلسطيني وعلى وجه الخصوص مقاومة غزة، وقد تتشابه المشاهد وتختلف الأماكن والأزمنة ولكن تبقى الشواهد والمواقف عبر التاريخ ملهمة لكل من يرفض الخضوع لجبروت القوة، مشاهد الصمود التي رأيناها في غزة تتكرر بصورة مشابهة في كييف ولكن باختلاف الابعاد الجيوسياسية والأيديولوجية الحاكمة للصراع.
قبل قرابة شهرين، انطلق الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية، والذي كان يتوقعه معظم المحللون العسكريون هجوماً ساحقاً وسريعاً وحاسماً، وذلك اعتماداً على المقارنة بين حجم وتجهيزات القوات الروسية بالقوات الأوكرانية، بعد شهرين يبدو هذا الهجوم متعثراً فاقداً للزخم يشهد تراجعات في بعض الجبهات بل إن بعض المدن التي سيطر عليها الجيش الروسي، اضطر للانسحاب منها مجبراً أمام قوة المقاومة الأوكرانية.
الجيش الروسي استخدم خلال هجومه على الأراضي الأوكرانية أحدث الطائرات الروسية القاذفة والمقاتلة من طراز سخوي وميخ ثم استخدم صواريخه الفرط صوتية بدءاً "بكينجال" ومروراً بـ "أننغارد" وأخيراً صورايخ "إسكندر".
رغم القدرة التدميرية الهائلة لهذه الأسلحة التي حولت بعض المدن الأوكرانية إلى خراب تمكنت المقاومة الأوكرانية من الصمود بل ومن تحقيق إصابات مؤثرة في القوات الروسية المهاجمة، ونقلت وسائل الإعلام صوراً متعددة لآليات عسكرية محترقة ومدمرة في شوارع المدن الأوكرانية.
الخبراء العسكريون يؤكدون على المدرسة العسكرية الروسية التي تعتمد على كثافة وقوة الهجوم، بغض النظر عن الخسائر التي تصاحب الهجوم، وهذه العقيدة القتالية معتمدة لدى الجيش الروسي منذ الحرب العالمية الثانية، وهي العقيدة القتالية التي استطاع الجيش الروسي من خلالها شن هجوم مضاد على القوات الألمانية التي هاجمت الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى هزيمة ألمانيا في الحرب وسقوطها بعد ذلك واستسلامها لجيوش حلف الأطلسي والجيش الروسي.
إذن فالمقاومة الأوكرانية استطاعت أن تكسر زخم الهجوم الروسي وبدأت القوات الروسية تتخلى عن خططها لاحتلال كييف حسب ما نقل مؤخراً على المتحدث باسم البنتاغون، وبدأت المفاوضات بين البلدين في إسطنبول، تعطي مؤشرات بأن هناك تقدماً ما على طاولة المفاوضات.
عند المقارنة بين المقاومة الأوكرانية والمقاومة الفلسطينية، نستطيع أن نلمس تشابهاً في بعض الجوانب رغم الاختلاف الكبير في ظروف الميدان والمعطيات الجيوسياسية بين المنطقتين.
وتبدو ملامح التشابه في قدرة المقاومة الفلسطينية، على كسر زخم الهجوم الصهيوني في كل مرة شن فيها الحرب على غزة، ولم يستطع الجيش الصهيوني الذي يمتلك أحدث المعدات العسكرية وأفضل القدرات التكنولوجية على مستوى العالم مدعوماً بمنظومة استخبارات تعد من أقوى المنظومات في المنطقة إذ لم تكن على مستوى العالم، كانت المقاومة الفلسطينية دائماً تعتمد على قوة المناورة لديها باستخدام وسائل أعجزت الجيش الصهيوني أبرزها الأنفاق الأرضية واستخدام مضادات الدروع ضد دبابات الجيش الصهيوني التي لم تستطع التقدم أمتار في أراضي قطاع غزة وكذلك إمطار الكيان بآلاف الصواريخ التي تؤثر بشكل كبير على الروح المعنوية لمواطنية وتنقل الحرب عملياً الي كل بيت وفرد لدي الكيان، وكانت دائماً تنتهي الحملات العسكرية ضد قطاع غزة بالفشل.
الفرق بين المقاومة الفلسطينية والأوكرانية أن الأخيرة حصلت على مختلف أنواع الدعم العسكري والسياسي والاستخباري من 27 دولة أوربية فضلاً عن الولايات المتحدة منها ثلاث دول عظمى أمريكا، وفرنسا وبريطانيا.
صحيح أن الناتو رفض تزويد أوكرانيا بالطائرات ولم يشارك في الحرب بشكل مباشر حتى لا تنزلق الأمور إلى صدام بين القوى العظمى تؤدي إلى حرب كونية، ولكن حسب تصريحات قادة البنتاغون وجوزبف بوربل مفوض الشؤن الخارجية والسياسية الأمنية للاتحاد الأوروبي فإن الناتو قد زود أوكرانيا بالأسلحة القتالة الفتاكة اللازمة للتصدي للقوات السوفيتية.
ولكن بالمقابل المقاومة الفلسطينية يفرض عليها حصار مطبق يمنع دخول أي وسائل قتالية لها بل تمنع المواد التي ممكن أن تستخدم في الصناعات العسكرية التي يسميها الاحتلال المواد ذات الاستخدام المزدوج، بل إن الأمر تعدى أكثر من ذلك كثيراً حينما جرمت دول عربية "شقيقة" إرسال أي أسلحة للمقاومة الفلسطينية ولقد شهدنا للأسف أحكاماً قضائية في بعض الدول العربية لأشخاص حاولوا "تهريب" بعض الأسلحة للمقاومة الفلسطينية ناهيك بكشف ظهرها سياسياً الذي وصل إلى حد وصف المقاومة بالإرهاب وملاحقتها أمنياً.
إذن بميزان المعطيات السابقة فإن المقاومة الفلسطينية تتفوق كثيراً على المقاومة الأوكرانية في الصمود والتصدي وإفشال خطط العدو، ولكن يبقى التشابه قائماً بين الحالتين بأن المقاومة هي القانون الذي يحمي الشعوب من الاحتلال أو الاستعمار أو الاستعباد، قد تختلف وسائلها وقد تتعدد أشكالها، ولكن إذا أُسقط خيارها فقد سقطت معها عزة الشعوب وكرامتها.